الفساد.. مشكلة العراق الكبرى... والعامل الرئيس لتأخره - عبد الرحمن ابو الغيث الحسني - بغداد

Mon, 23 May 2011 الساعة : 8:36

الفساد هو أس المصائب المحدقة في العراق ، وأبو الفجائع المحيطة بنا، فهو الفقر المدقع، والجوع الكافر، والأوضاع المتردية.. وهو حرب صعده وحراك الشعب ، وتذمر المواطنين، وانقطاع الكهرباء، وقلة المياه.. وهو كل مايُحيط بنا من بلاء وقحط ومشاكل وكوارث على مستوى الدولة والمحافظة والمديرية والقبيلة والبيت والأسرة الواحدة.. هو كل ذلك وأكثر..
والفساد في معاجم اللغة هو من (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه.. أما التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق..
ويصنف المختصون في قضايا الفساد وأنواعه إلى واسع وضيق، فالفساد الواسع ينمو من خلال الحصول على تسهيلات خدمية تتوزع على شكل معلومات، تراخيص، أما الفساد الضيق فهو قبض الرشوة مقابل خدمة اعتيادية بسيطة، أي عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز (رشوة) لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة مثلاً.
كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً لكن بطرق غير اعتيادية .
* عندما نتحدث عن الفساد فلا يعني أن يكون بالضرورة الحديث عن فساد النخبة من الرئاسة والحكومة والوزارات والوزراء وكبار المسؤولين من المدنيين والعسكريين المتهمين بنهب المال العام بكميات كبيرة وتحويلها إلى حسابات خاصة في الدول المجاورة ولندن وبعض العواصم الغربية، وان كان هذا من ضمن بؤر الفساد المفتوحة إلا أنها تظل جزئية ضمن منظومة كبيرة تبدأ بالمواطن العادي والعسكري البسيط وحارس البوابة وسائق التاكسي وهكذا إلى أن تصل إلى المسئول الكبير، مرورا بالموظف والمدير والقاضي والمدرس والطبيب والمهندس وكل موظف عام أو عامل بسيط لديه احتكاك من قريب أو بعيد بالحياة العامة وحركتها الراسية والأفقية..
ويصنف الفساد إلى عدة أنواع وفروع، فهناك الفساد السياسي الذي يعنى بإساءة استخدام السلطة العامة (الحكومة) من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، والابتزاز، والمحسوبية، والاختلاس، وهناك الفساد المالي الذي يتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها، وهناك الفساد الإداري الذي يتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية، وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام خلال تأديته لمهام وظيفته الرسمية ضمن منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية، وهناك الفساد الأخلاقي الذي يعد من اخطر الفساد الموجود في مجتمعاتنا وهو نتاج طبيعي لما سبق، والمحصلة النهائية أن الفساد وحدة متكاملة يشد ويدعم ويقوي بعضه بعضا..
عرفنا أن هناك خللا قائما في إدارة الدولة من القيادة و(منزل منزل) وهو خلل مرتبط بظروف سياسية معينة، وتحديدا عندما دخل الاحتلال الأمريكي العراق وسيطر على مقاليد الحكم ، الأمر الذي جعله رؤساء الكتل ينتهجوا سياسة المراضاة والمحاباة ودعم بعض مراكز القوى والنفوذ ضد البعض الآخر حتى يستتب له الأمر، وهذا (سياسيا) غير مقبول لانه يمنع من أن يتم تلافي هذا الخلل واتخاذ قرارات حازمة من لدن رئيس الوزراء تجرم الفساد والفاسدين، وتعمل على إقامة دولة النظام والقانون والعدل والمساواة والحرية، دولة الحقوق والواجبات، دولة الدستور والأمن والأمان والاستقرار..
يعد الفساد السياسي المستشري في البلاد من اخطر الفساد على وجه الإطلاق، ولاينحصر هذا النوع من الفساد في سرقة الأموال العامة أو توزيعها كهبات، بل يتمثل في التفسخ السياسي وعدم قدرة السلطة على بسط نفوذها وهيبتها على بعض القيادات السياسية والقبلية التي تتعامل مع دول أجنبية وشخصيات سياسية من خارج الحدود وتأخذ منها الأموال تحت سمع وبصر الدولة التي تقف عاجزة عن فعل أي شيء تجاهها لأنها غارقة في الفساد السياسي وفي ذات المستنقع أيضا..!!
اعتقد جازما أن هناك إصرارا على ممارسة الفساد (الأصغر) من قبل شريحة واسعة من المسئولين الكبار والقيادات الوسطية لأنهم مستفيدون من بقائه بهذا الشكل، ويتصورون انه إذا انتهى الفساد فإنهم سيُحرمون مزايا قائمة ودخلا (حراما) كان يُدر عليهم أموالا يومية تؤمن لهم القات والمصروف والعيش في بحبوحة..
تصوروا معي لو أن شرطي المرور مثلا تم منعه من الركوب في أي سيارة مهما كانت مخالفة، وتم إعطائه دفتر مخالفات وطلب منه أن يُحرر مخالفة لكل سائق مستهتر ارتكب مخالفة مهما كان نوعها، ماذا سيحدث؟؟
سينقطع عن هذا الشرطي المبالغ التي كان يبتز بها عباد الله باسم (القانون )، وبالتالي سينقطع الإيراد اليومي لمسئوله المباشر الذي باع له أو اجر له تلك النقطة ، وهذا حاصل وحقيقي فهناك بيع وشراء في النقاط والمكان وكل مكان بسعر وشروط خاصة بها، إذ لاتستوي نقطة في وسط ساحة التحرير ونقطة مقفرة في تقاطع الكرادة أو في ساحة الدرويش أو شارع الستين مثلا.. وهذا من ضمن منظومة الفساد أيضا..
لو قام مدير عام مرفق حكومي بتخصيص رقم هاتف ساخن يمكن للمراجعين الذين يتعرضون للابتزاز الاتصال به والإبلاغ عن قضاياهم، وبالتالي إرسال ذلك المدير احد معاونيه لتسهيل الإجراءات وحل المشكلة وتسريع وتيرة العمل دون عراقيل أو ابتزاز أو رشوة.. فماذا سيحدث؟.
إذا لم يتم نقل المدير إلى المحافظات أو الشمال، فانه سيتسبب في إخلاء المكتب من الموظفين الذين سيطالبون بالنقل وسيتسربون واحدا تلو الآخر، لأنهم سيفقدون دخلا يوميا يضمن لهم حياة كريمة مقارنة برواتبهم الجيدة ووبخس المعيشة وهكذا..
من هنا يبدأ الإصلاح الحقيقي لمنع الرشوة.. من معرفة احتياجات الموظفين وتقديرها التقدير الصحيح.. أي لايمكن أن تمنع الفساد المستشري في كافة المرافق الحكومية دون استثناء والمتمثل في الرشوة إلا إذا عالجت موضوع العقوبات الفورية ، ثم يتم فرض القانون ومكافحة الفساد وإحالة الفاسد إلى المحاكمة وقطع يد السارق وهكذا..
أخيرا.. الفساد منظومة متكاملة، وإذا وجدت النية الصادقة لاجتثاثه فسيكلفنا الكثير، ستنشب الحروب وستسيل الدماء، وسندخل في دوامة الحرب المدمرة التي لن تنتهي بفعل التسلح الموجود شعبيا، والتدخل الخارجي من أكثر من دولة والذي لن يترك أعوانه وأصدقاءه، لذلك أرى أن يظل الحال على ماهو عليه إلى أن يأذن الله و(يجفى ويقلب) والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون..

[email protected]
 

Share |