نحن من يحتاج الحسين .. أذن لابد أن نصدق !! -صلاح غني ألحصيني
Sun, 18 Dec 2011 الساعة : 15:34

الرايات رفعت ، المواكب نصبت ، الطبول قرعت ، السيوف برزت ، الزناجيل ضربت .. الأماكن توشحت السواد لأحياء ذكرى عاشوراء ، يومآ به الحسين قد غسله دمه ونسج الريح كفنه وتراب كربلاء كافوره والفنا الخطي نعشه ، يومآ به الجسم سليب والشيب خضيب والرأس محزوزآ من القفا ، مسلوب العمامة والرداء - وما ذلك هوانآ عند الله - إلا أن الجنة أرادة التباهي بقدوم سيدها الحسين ، ليبقى خالدآ وثائرآ وشهيدآ ..
فكيف نبكي الحسين وهو خالدآ وثائرآ وشهيدآ ؟ إلا من تلك الدموع نستلهم العزيمة ونلهم العبر من ثورة الحسين قائدها والقران مصدر تشريعها ، ووعد جده رسول الله خاتمتها ومن ثبات أباه علي صولاتها ومن حجر أمه فاطمة نهج إنسانيتها ، وإذا بها صرخة قد بحت لها أوتار وذابت لها حناجر أرعبت الظالمين والمستبدين فكانت قمة الارتقاء في زمن الانحدار ودرس التوازن والاعتدال كما أوحت به كتب السماء وقيمة إيمانية كبرى لها الأثر البليغ في الدنيا والآخرة ، بها ( اعتمد الحسين على المنطق ، واعتمد عدوه على منطق القوة ولما سقطت قوة عدوه انتصر منطق الحسين وكان انتصاره ابديآ قبل عاشورا ) ** ما كانت بالبكاء ولطم الخدود وأقامت المواكب وقرع الطبول فحسب ، فمن كان يطبل عدوه وهو يكبر - الله اكبر- عندها لابد من التمعن بجوهر ذلك الدرس العظيم الذي ضحى من أجلة الأمام الحسين بدمه ونفسه وعياله وأصبح قبره في قلب كل من والاه بوصلة تدل الناس درب الصواب في كل يوم وزمان ، لا تنحصر بعشرة عاشوراء بعدها يخمد ذاك الوهج لتكن تلك الشعائر ظاهرة وليس سلوك ، نشبع خلالها بطوننا دون أن نشبع أنفسنا بالغذاء الروحي والمعنوي المتجسد في ذلك الوهج ، وإذا كان هناك هدف بالبكاء والنحيب لأن القلوب عندما ترتبط مع المأساة التي تسببت بذرف الدموع فأنها ستخشع لهدف الأمام الحسين والاقتداء بنهجه ، إذن فالبكاء وسيلة لخشوع القلب وخشوع القلب بكون وسيلة مهمة لقبول الحق والأجدر أن تمتزج الدموع مع الهدف وليس دموع تثيرها العاطفة تزول مع زوال مؤثرها أو لكي يشار لباكيها بالبنان على انه موالي وحسيني وهو يبتغي امرآ دنيوي،، وحتى الخطب ومجالس التعزية لابد أن تتجه بالهدف نحو تقريب النفوس من حقائق نهضة الحسين وتجسيد مفاهيمها بذات الإنسان التي من شانها أصلاح المجتمع ، والملاحظ أن الأمام الحسين البليغ وابن سيد البلغاء قد ألقى في يوم عاشوراء فقط خمس خطب عند كل مناسبة وعند كل مصرع لشهيد ليبين أهداف ثورته والحكمة التي من اجلها استشهد في وضع مأساوي حتى امتزج الهدف بالمأساة دون أن ينفرد احدهما عن الأخر ، باعتبار واقعة ألطف واقعة فكر ودعامة ثورة الإصلاح ما كانت عبارة عن نعي وبكاء وأهازيج خالية من الهدف ، مثلما يفعل اليوم بعض من يريد أن يظهر على انه يمتلك الصوت أو اللغة ليتميز عن اقرأنه بعدها يختار من المجالس اقضلها ايرادآ ، حتى أمست بعض المجالس فارغة من الناس بسبب خلوها من الفكر المتجدد والإصلاح المنقذ وخلوها من نصائح هادفة ومتجددة اغلب محاضريها يرددون عبارات وأفكار روتينية مكررة وكأنها إسقاط واجب وموروث يتوارثوه دون تفكير وتدبير ليس لهم من التجديد سواء التفنن بمكبرات الصوت الحديثة - لا بكثرة المجالس يثمر الهدف بل بكثرة من اعتبر -
الأمام الحسين ليس شخصآ أبى أن يبايع يزيد ، أو فردآ وقع علية ظلم فتثار له العاطفة بل الحسين مشروع ونهج من خلاله تسدي للإنسانية قيمآ لا تحصى تضي حاضرها بشمس ماضيها وناقوس لمن هم غافلون من الناس عن تلك القيم والذين هم بحاجة إلى رعد يحطم في قلوبهم كل الحواجز التي صنعوها بأنفسهم ، ولمثل قلوب هولاء كانت كربلاء وكانت واقعة ألطف ، والحسين علية السلام شهيد القلوب التي تخشع لماساته فإذا خشعت لتلك المأساة خشعت للحقائق والأهداف التي أدت تلك المأساة لا القلوب التي تعيش على ماساته ولا العقول التي لا تجسد من فكر الحسين غير لباس السواد ولا من يشبه جسد الحسين وعيال بيته بشبيه من قطن ويرميه على قارعت الرصيف على انه الحسين - حاشاه ذلك –
أن الأئمة عليهم السلام عندما أكدوا على تجديد ذكرى الحسين علية السلام ، فان لذلك هدف وحكمة تكمن وراءها أن القلوب عندما تتفاعل مع المأساة فأنها ستخشع لهدف الحسين علية السلام الذي تنازل عن ذاته من اجل هدفه حتى أصبح المثال الأكمل في هذا المجال ، ونحن بدورنا يجب أن لا نفكر في أنفسنا ، فهناك الكثير منا يجعل نفسه جزء من قضيته فيسير بذالك على معادلة خاطئة ويتشدق واهم انه مع الذين يطبقون أحكام الله وانه مع الذين يجسدون تعاليم الدين ، وبذلك يتحول هدفه من هدف مجرد عن الذات إلى هدف ممزوج بها ، فيبتعد عن تعريض نفسه للمشاكل والصعوبات لأنه – حسب زعمه – يتصور انه إذا أصابه قرع فان الأمة ستفقد الذي يطبق أحكام الله في الأرض وتخسر الذي ينصح الناس ، وهذا تراه دومآ وابدآ يبتعد عن تطبيق ضروريات الدين والعمل ألتغييري ويعتبر المحافظة على نفسه أهم من المحافظة على الدين ، بينما الأمام الحسين عندما عرف أن شهادته هي الطريق إلى تطبيق حكم الله لم يتردد لحظة واحدة من تقديم نفسه وأهل بيته واصحابة قرابين إلى الله ، رغم انه إمام الأمة وهو يعلم انه الأمام الحقيقي للأمة تجده يندفع إلى التضحية في نفسه ، فكيف بنا ونحن نحتفظ بأنفسنا وأهلنا وأولادنا ومالنا ونقول نحن اتياع الحسين ، كلا .. فلا نكون إتباع الحسين إلا عندما نتجرد عن ذاتنا ابتغاه مرضاة الله ، وإذا تعذرنا بان الحسين كان امامآ وانه عاش زمان غير زمامنا وغيرها من الأعذار ، عندها سنحرم أنفسنا من درس وهدف هذه الملحمة الكونية ..
اخيرآ .. هل هناك حكمة ومصداقية من المفاهيم المتجذرة بقضية الحسين العملاقة ، مع ما يطرح من الشعارات المرفوعة اليوم ؟ هل هناك نهج تربوي ونهج مخلص كإخلاص أصحاب الحسين ، وهل من أدرك وفهم فضبة الحسين عمدا بتجسيدها على ارض الواقع ؟ الجواب واجزم بالقول انه لا يحتاج إلى تفكير ، بل يحتاج إلى تمعن بضمير حي إلى حالة الشارع العام ، وسينبوك ذلك الشارع بالجواب ! ومن بين الأجوبة :
أن الشعائر نحيا بالدين ، بالأخلاق ، بالقيم ، لم تكن مسيرة الحسين لتملى قرائح أفراد من المخرفين ، يل تربة ألطف تحمل دم الحسين مشعلآ وصوتآ هادرآ في وجوه الظالمين ..
يا أبا الفكرةِ التي أبصرَ التاريخُ
في وَهْجِهاَ طريقَ النجاحِ
وتسامَتْ بالموتِ حتَّى أَحاَلَتْهُ
فتوحاً سَخِيَّةَ الأدواحِ
أنت لم ترفعِ الضحاياَ لواءً
من دماءٍ لـمُرمِدينَ شِحاَحِ
لم تُفَجِّرْ لظاكَ يهدرُ بالحقِّ
لتروي قرائحَ الـمُدَّاحِ
بل لنحيا سعيرَهُ مارداً يصنعُ-
للمجدِ سُلَّماً من أضاحي
[email protected]
[email protected]