المــــدارس الأهــــليــــة بين الواقع والطموح - محمد حسن جـياد الطائي
Fri, 16 Dec 2011 الساعة : 12:09

الاختصاصي التربوي
بسم الله الرحمن الرحيم
... المقدمة
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على المعلم الأول , صاحب الخلق الأكمل , الذي بلغ الرسالة , وأدى الأمانة , محمد واله الطيبين الطاهرين .
فمما لا شك فيه أن التعليم الحكومي على ما يقدم من خدمات جليلة للمجتمع إلا أنه لا يسعى بأي شكل من الأشكال إلى تحقيق غايات استثمارية . بل أن الدولة تتحمل العبء الكامل في مجال نفقات التعليم بمختلف مستوياته ، في حين لا يخفى على أحد أن التعليم الأهلي يعمل على تحقيق الربحية مع الحرص التام على تحقيق الرسالة التربوية المنوطة به ، ومن هنا ندرك أن التعليم الأهلي قد يكون أكثر حرصاً على التكامل ما بين استثمار العقول وصناعة الرجال ،الى جانب توظيف الأموال واستثمارها من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة والممكنة ، بغرض رفع الكفايات والفاعلية في الأداء وتحقيق الأفضل من المخرجات التربوية والتعليمية ، وتحقيق الأهداف والغايات المرجوة للنهوض بالمجتمع .
إن عظم المسؤولية الملقاة على رجال التربية والتعليم هي نفسها التي تلاحق المستثمر هذا ولا مناص فيها ، مسؤولية التحكم في مصائر العنصر البشري الذي يعلق المجتمع عليه آمالاً كبار ، فالمدارس هي مصانع الرجال التي تبني العقول ـ بل هي مصانع تختلف اختلافاً كلياً عما ألفناه من مفهوم المصنع الذي ينتج بضاعة ما قد تكون نافعة أو غير نافعة ، وقد تكون جيدة أو غير جيدة ورغم ذلك فليس للبشر الاستغناء عنها والحاجة إليها ، فما بالك بصناعة البشر الذي هو المرتكز الأساس في تسيير حياة الشعوب والارتقاء بها وهو مصدر بقائها وتطورها ، بل هو حارسها والمحافظ على بقائها . ولا يتوقف دور المستثمر التربوي على الدور القيادي الذي ينبغي أن يتمتع به والإشراف العام على مؤسسته وإسداء النصح للعاملين فيها من إداريين ومعلمين وفنيين ومشرفين .
مشكلة البحث
أين نحن من الانفجار العلمي والتعليمي الكبير الذي يعيشه العالم الآن والذي احدث تغيرات متعددة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية؟.. ما الذي فعلناه منذ التغيير ولحد الآن؟ وهل لدينا إستراتيجية تربوية؟ وهل هناك رؤية واضحة للأهداف وقراءة عميقة للإمكانات والقدرات؟ وهل انبثقت تلك الأهداف في استقراء شامل لطموحات الشعب ومتطلبات المجتمع؟..
وكما نعلم ان النظام التعليمي في العراق كان يمتلك تاريخاً ممتازاً وناصعاً حتى نهاية السبعينيات برغم كل التناقضات السياسية والتشوهات الفكرية علي مر العهود إذ كان من أفضل وأقوى النظم التربوية والتعليمية الموجودة في الشرق الأوسط، حتى دخول العراق في سنوات عجاف مرت عليه دمرت كل شيء أولها النظام التربوي، ولكن هل يمنع هذا من الاتفاق على البناء والتقدم شرط عدم تكريس النزعة القومية القوية في مجتمع متعدد ومتنوع جداً كالمجتمع العراقي فتغلبت على النزعة الوطنية التي كان العراقيون بأمس الحاجة إليها عند مرحلة التأسيس. لهذا نجد أن هناك حاجة ملحة لتحليل العملية التربوية وإعادة تقويم أهدافها من اجل استيعاب متطلبات هذا العصر وما يتضمنه من قضايا ومشكلات مترابطة نتيجة ثورة المعلومات والتقدم العلمي والتكنولوجي والتغير السريع وما نجم عن ذلك من تطورات متلاحقة، وهذا ليس مستحيلاً ان فكرنا بالبداية الصحيحة وابتعدنا عن التخبط واتخاذ القرارات الارتجالية التي تؤثر في مسار العملية التربوية لان بناء التعليم علي أسس علمية سليمة كفيل في إحداث الطفرة العلمية والاقتصادية التي نحلم بها.
بالوقت الذي وصلت دول الجوار باعتماد مدارس التعليم الالكتروني الحديثة كاستراتيجيات للتعليم باعتبار التعليم الالكتروني إستراتيجية تعليمية تحتاج الى ان تأخذ مايكفيها من الوقت لتؤتي ثمارها , فهي قطعت أشواطا من التدرج وتحتاج الى تدرج آخر ضن إطار خطة واضحة المعالم معلومة النهاية .
لذا نحن نحتاج ذات التدرج فحالة الفقر والعوز التي وصل إليها العراق وحاجتنا لضرورة تحقيق الرفاه الاقتصادي من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية واعتماد المضامين الاستثمارية حول سياسة الاكتفاء الذاتي واعتماد سياسة التنويع بالتعاملات مع الجهات المستثمرة.
كوننا في عالم يتحرك باستمرار ويتجدد ولا يقف حتى نشعر ان اليوم ليس هو الأمس , وهذا العالم يثير في كل يوم مشاكل تخترق الإنسان أمنه السياسي والروحي والثقافي والاقتصادي والأمني .
فهو مهيأ لأحداث تقدم حقيقي يوجب علينا ان نربط أهداف سياستنا التربوية باليات عملية على المستوى العالمي وان يتوفر للناس بدائل مقنعة ورابحة لامجال فيها للخسارة .
حيث ان أي نظام تربوي في العالم لايمكن ان يقوم على أســس علمية ثابتة دون ان يحتكم الى سياسة تربوية واضحة مدروسة تنفذها المؤسسات التربوية الخاصة والعامة .
كون تنمية الإنسان في مجالاته السياسية والاقتصادية والثقافية هي المحصلة التي تهدف إليها عملية التعليم لأنها تمثل تنمية المجتمع نفسه .
فالتعليم هو مفتاح التنمية المستدامة وبوابة التطور واللحاق بركب العالم المتقدم في جميع المجالات كوننا مطالبون بتحقيق الجودة الشاملة لذا نأمل ان تكون وزارة التعليم العالي ووزارة التربية جادتان في تعاملهما حتى يكون التعليم هذا موازيا للتعليم الرسمي وفق آلية تشرف عليها الوزارتين ويحددها قانون التعليم الأهلي المعدل بقانون رقم 57 لعام 2000 علما قد أعدت مسودة قانون جديد هو قانون الاستثمار في مجال التعليم الأهلي ومن الطبيعي ان توجد هناك ضوابط واليات تشرف على تطبيقها الوزارتين ميدانيا فضلا عن خضوع الملاك لقاعدة بيانات يتقيد من خلالها بالضوابط والتعليمات .
ففي الخليج تكاثرت في السنوات الأخيرة بشكل غير محدود المدارس والجامعات الأهلية , وصارت منتشرة في كل الأحياء حتى الفقيرة منها . وتعتبر هذه الظاهرة صحية كون المدارس الحكومية لاتســتطيع استيعاب جميع الطلاب , فالكثير من هذه المدارس جادة في العملية التربوية , كما ان التعليم الأهلي يقدم لهم خدمة أفضل مقارنة بالتعليم الحكومي , نعم هناك مخالفات في المدارس الأهلية تجعل الناس ينظرون إليها كطريق سهل للحصول على الشهادة وان النجاح فيها مزيف . وهذه المخالفات واردة في المدارس الرسمية .. لذلك نرى من الضروري ان لانقع بتلك الأخطاء الفادحة التي أودت بالتربية الى الانحدار وان لانفقد المعيارية وان يكون للإشراف والمتابعة دور هام في الحفاظ على ديمومة التعليم .
وباختصار نطمح الى بناء مؤسسات تربوية حديثة يتم التوليف فيها بين أنظمة المدارس الرسمية والأهلية , بحيث ينتج نتاجا يجمع حسنات الطرفين ويبتعد عن سلبياتهما . ولنا في تجربة الصحة في العراق خير مثال حيث ان المواطن في الوقت الحاضر يفضل ان يراجع المستشفيات الأهلية كونها تتسابق على تقديم الخدمة الجيدة وتتسارع الى إظهار حالتها بالتمييز والإتقان .
أهداف البحث
أن تسعى المدارس إلى تحقيق التميز والجودة في بناء طلابها بناءً شاملاً ومتكاملاً, وتزويدهم بالمعارف والمهارات المطلوبة للنجاح في القرن الجديد, مع المحافظة على القيم الدينية وجعلهم مواطنين صالحين , ليساهمون في بناء وتقدم مجتمعهم. وسعينا
تحقيق التميّز والإتقان والجودة من خلال استثمار طاقات المعلمين والمتعلمين والإمكانات المتاحة كثروة إستراتيجية ، وتعزيز القدرة على البحث والتعلم الذاتي ، وضمان مساهمة جميع الكوادر في بناء منظومة تربوية حديثة تنطلق من وعي بالثوابت الدينية والمتغيرات العصرية ، وذلك لتحقيق مخرجات تربوية ممتازة نافعة لأمتها مساهمة في تقدمها ورقيها ، باعتبار ذلك الطريق الآمن لمواجهة التحديات ومواكبة المستجدات.
وان نحقق جوابا لمايلي
اولاً: كيف يمكن للتعليم الأهلي أن يأخذ مكانه في مجتمعنا العراقي بحيث يصبح مكملاً للتعليم الرسمي وقادراً على سد الثغرات التي تعتري هذا التعليم.
ثانياً: ماهي الثغرات الموجودة في قانون الجامعات والكليات الأهلية والتي باتت تقيِّد التعليم الأهلي بقيود تمنعه مِن الانطلاق إلى الآفاق الرحبة.
وماهي الأمور الايجابية في قبول المستثمر للمؤسسة التربية والتعليمية
ثالثاً: كيف يمكن للتعليم الأهلي أن يُساهم في بناء العراق الجديد، وما هي الاختصاصات الضرورية التي يجب أن تخطوا جامعاتنا من الآن نحوها وما هو دور التعليم الأهلي في تأمين حاجات العراق إلى هذهِ التخصصات الضرورية لبناء دولة عصرية تصبح مثالاُ للدولة التي يجد فيها الإنسان العراقي الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.
التوصيات والنتائج
أن مستثمر المؤسسة التربوية او التعليمية الأهلية هو واحد من القيادات التربوية والتعليمية الذي تلقى على عاتقه مسؤوليات جسام تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يسعى لإنشاء كلية او مدرسة أو حتى صفا دراسيا واحدا
وإنما هناك متطلبات كبيرة ينبغي على المالك تأمينها أو على الأقل توفير الحد الأدنى منها حتى تستقيم العملية التربوية والتعليمية وتكون مخرجاتها ملبية لطموحات المجتمع والقائمين عليه ، وتتمثل هذه المتطلبات التي تعد مدخلات أساس للعمل التربوي والتعليمي لكي تعطي مخرجات ناجحة..
فلابد عند تأسيس المدرسة الأهلية ان يراعى فيها الشروط الآتية والتي إذا توافرت يمكنها مع المعطيات الأخرى أن تحقق قدراً من النجاح في مخرجات التعليم وهي :
1 ــ مراعاة لياقة المبنى ومظهره العام ومستواه ونظافته بصورة مستمرة .
2 ـ أن يتوافر في المبنى عدد من الغرف والمرافق المحققة لاحتياجات العملية التعليمية والتربوية والنمو المتوقع .
3 ـ سعة الصفوف الدراسية بحيث تستوعب الحد الأعلى من الطلاب في الصف الواحد ( ما بين عشرين طالبا إلى خمسة وعشرين ) ، وبرحابة ووضع صحي ، مع توافر المواصفات الفنية والعمرانية في الصف من إضاءة وتهوية وتكييف يناسب ظروف البيئة ، وحماية على النوافذ في الطوابق العليا ، وتأمين السبورات الجدارية أو المتحركة ومستلزمات العمل الصفي ، ويكون ذلك في متناول يد المعلم لتوفير الجهد والوقت اللازمين لإنجاح العملية التعليمية . وان تحدد شروط منح إجازات المدارس الأهلية بأن لا تقل سعة الصف الدراسي عن (42) اثنين وأربعين مترا مربعا .
4 ـ أن يتوافر في المبنى دورات مياه صحية مهيأة بالمتطلبات اللازمة للاستعمال وجيدة التهوية ، وأن يكون عددها مناسبا لأعداد الطلاب وبما لا يقل عن دورة مياه واحدة لكل خمسة وعشرين طالبا ، إضافة إلى وجود مواضئ كمغاسل مساندة في مكان مناسب .
5 ـ يراعى في المبنى المدرسي أن يضم عدداً من الصالات الرياضية والثقافية , وصالة للعرض وقاعة للمحاضرات العامة واللقاءات التربوية ، مع مراعاة الظروف الجوية التي تتطلب إيجاد مظلة مناسبة معزولة حراريا للوقاية من الشمس .
6 ـ أن يحتوي على مكتبة عامة تضم قاعة للقراءة تتسع لأكبر عدد من الطلاب ، ولا تقل مساحتها عن (60) ستون مترا مربعا .
7- أن يشتمل على قاعات للورش التربوية والفنية ووسائل الإيضاح
8. ـ أن يتوافر فيها أكثر من مختبر و معمل لا تقل مسـاحته عن (60 ) ستون مترا مربعا ، مزود بعـــُدد تتناسب والمرحلة الدراسية ، وأعداد الطلاب والصفوف ، وفق البرامج المقدمة من المدرسة لإدارة التعليم الأهلي .
9 ـ أن تضم مسجداً لتأدية الصلاة ، ومسرحاً مجهزاً تقام عليه العروض المسرحية والمناسبات الأدبية والمسابقات الثقافية .
10 ـ توفر الأفنية الواسعة والملاعب الرياضية ، على ألا تقل مساحة الفناء عن (500) خمسمائة متر مربعا .
11 ـ أن تتوافر داخل المبنى والمحيط به عناصر الأمن والسلامة الصحية والأمنية والمرورية والبيئية .
12 ـ أن يكون الموقع على شارعين لا يقل عرض أحدهما20متر
الخلاصة
علينا ان نخلق مشروعاً وطنياً شاملاً للتطوير تنفذه الجهات ذات العلاقة يهدف إلي تطوير العملية التعليمية. فوزارة التربية هي اخطر مؤسسة اجتماعية لأنها هي التي تملك بيدها زمام تربية الجيل وتوجيهه.
والتأكيد على ضرورة مراعاة وإيجاد التوازن العقلي في الانفتاح او الانغلاق على الاستثمار والتعاون ضمن دراسات وخطط إستراتيجية محسوبة لزيادة الأرباح الوطنية وتنمية القدرات في البلد , وان يكون التشجيع مستمر باستحداث كليات ومدارس أهلية وبتخصصات علمية حديثة
والاهتمام بحسن استثمار الموارد الطبيعية والبشرية وصيانتها والحرص على الكرامة الإنسانية ونوعية الحياة الكريمة ....والحمد لله رب العالمين