أوامر القبض القضائي في المنظور القانوني وثقافة حقوق الانسان-القاضي / ناصر عمران الموسوي
Thu, 15 Dec 2011 الساعة : 11:23

يثبت الراهن العراقي يوما بعد يوم على ان مرحلته الراهنه بحاجة الى تفعيل ثقافي على مختلف الصُعد ، تُدعم المتحقق وتبلوره ليندفع قُدما ً باتجاه صياغة التشكيلة الديمقراطية لصورة الدولة العراقية دولة المؤسسات وحقوق الانسان , والثقافة ليست فقط المعرفة النظرية العلمية والمنهجية الاكاديمية ومحصلاتها الانتاجية وهو ليس عسيرا ً ولا نادرا ً في ماضي وواقع ومستقبل العراق ،
ان الذي يعنينا من الثقافة هو المنهج والسلوك وطريقة الحياة وهي الركيزة التي يستند عليها النظام الديمقراطي الذي يمنح الفرد قابلية قيادة نفسه عبر الطريق الانتخابي واختيار من يعبر عن طموحه ورؤاه في صورة برامجية يراقب المنجز منها ويحاسب على مالم ينجز,يسأل ويتحقق ويعاقب ,يحترم الاخر وتتبلور امامه الرؤى الانسانية التي اثقل كاهلها انظمة المقدسات والدكتا توريات والاستبداد والانظمة الاقتصادية والاجتماعية المبطنه بتداعيات الربح والخسارة على حساب الذات الانسانية ،الثقافة السلوك والمنهج تعني التربية واستئصال عقد وخلايا سرطانية تحاول ان تنشطر لتطيح بالكائن الجديد ،والثقافة القانونية مسبقا ً اشبه بالنبته ترتبط بالمناخ الذي تعيش فيه تحتاج الى عملية تركيب ضوئي من الذات تكتسب عوامله الرئيسية من المحيط ،المعرفة القانونية هي ليست الدراسة القانونية والاطلاع على مجموعة قوانين تحكم وتنظم سلوك المجتمع اليومي مدنيا في تعاملاته وجزائيا بالانطلاق من مبدأ المشروعية (لاجريمة ولا عقاب الا بنص ) ماقيمة مطبق قضائي او منفذ قانوني اذا لم يكن متسلحا ً بالنص القانوني كعقيدة مهمه تحقق للمجتمع طمأنينته في ظل آليات رادعه للمخالفة والخطأ تدور بنسغ العدالة والمساواة وبقدر حزمها وعزمها التطبيقي والتنفيذي فانها تضج بهاجسها الانساني الاخاذ ، وأوامر القبض القضائية واحدة من ثنائيات المختبر التجريبي للرؤية الانسانية من جانب والردع العام الذي يساعد على تنقيت الاجواء المدنية من جانب اخر .
ماهية أمر القبض
القبض بالمفهوم القضائي:الامساك بالمتهم الذي صدر بحقه امر قبض من الجهة القضائية المختصه والذي على غراره يقوم المكلف بالقاء القبض على المتهم ووضعه تحت تصرفه لفترة قصيرة من الزمن تمهيدا ًلأحضاره امام الجهة المختصه لاستجوابه والتصرف بشأنه ، ولايجوز القبض على اي شخص وتوقيفه الا بمقتضى أمر صادر من قاضي او محكمة ،وأمر القبض واحد من الاجراءات القضائية الخطيرة جدا ً كونه يتعلق بحرية الانسان وكرامته التي اعتبرها دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005مصانه حسب نص المادة (37_ أولا ً_ أ) وفي الفصل الثاني منه المعنون بمسمى (الحريات ) كما نص وفي الفقرة (ب) من المادة المذكورة على (لايجوزتوقيف أحد أوالتحقيق معه الا بموجب قرار قضائي )
وبذات المعنى اشارت المادة (92) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.
وأمر القبض هو مرحلة تالية يتم قبلها مرحلة تسمى وفق قانون اصول المحاكمات الجزائية بطريق التكليف بالحضور (الاستقدام ) والذي خول فيه القانون طبقاً للمادة (87) الاصولية المحكمة وقاضي التحقيق أو المحقق أو المسؤول في مركز الشرطة ان يصدر ورقة تكليف بالحضور الى المطلوب حضوره محررة بنسختين يبين فيها الجهة التي اصدرت ورقة التكليف بالحضور واسم وشهرة ومحل عمل المطلوب حضوره والزمان والمكان والمادة القانونية التي يجري التحقيق فيها ومادتها القانونية بحيث يحاط علما بذلك ونصت المواد (88، 89 ،90 ،91) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على الاجراءات الخاصة بالتبليغ مكانا وزمانا ً، واذا لم يحضر الشخص بعد تبليغه ورقة تكليف بالحضور دون عذر مشروع أو اذا خيف هربه أو تأثيره على سير التحقيق أو لم يكن له سكن معلوم فالقانون أجاز للقاضي اصدار أمرا ً بالقبض عليه حسب المادة (97) الاصولية الا اذا كانت الجريمة معاقبا ً عليها بالاعدام أو السجن المؤبد فلايجوز للقاضي اصدار ورقة تكليف بالحضور وانما يصدر امرا بالقبض لاهمية الجريمة التي يتم التحقيق فيها واثرها بتحقيق الردع العام وطمأنة المجتمع والوصول الى الحقيقة وهو غاية وهدف التحقيق كما تضمنته المادة (99) الاصولية في شقها الاخير اما شقها الاول فقد منح القاضي صلاحية احضار المتهم باصدار امر القبض اذا كانت الجريمة معاقب عليهابالحبس مدة تزيد على سنه أو احضاره بورقة تكليف بالحضور . والحقيقة ان هناك خلط يحدث في تقدير الواقعة بين التكليف بالحضور وامر القبض وقد رأينا لدى الاطلاع على قرارات المحاكم والقرارات التميزية وهو أمر مهم جدا ً وترك الكثير منه للسلطة التقديرية للقاضي وحسب ظروف ووقائع الدعوى الجزائية .
الاستثناءات الواردة على صدور أمر القبض الصادر من الجهة القضائية
على الرغم من ان الدستور العراقي والمادة (92) من قانون اصول المحاكمات الجزائية لم تجوز القاء القبض على أي شخص الا ان قانون اصول المجاكمات الجزائية اشار الى جواز القاء القبض بدون ان يكون هناك امر قضائي وبحالت اذا كان المتهم بجناية اوجنحة وبحالات معينة اشارت اليها المادة (102) الاصولية بالنص وهي :( ...1_ اذا كانت الجريمة مشهودة _والجريمة المشهودة عرفتها المادة(1/ب) الاصولية بانهاالجريمة التي شوهدت حال ارتكابها أو عقب ارتكابهاببرهة يسيرة أو تبع المجني عليه مرتكبها أثروقوعهاأووقوعها أوتبعه الجمهور مع الصياح أو اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا ً آلات وأسلحه أو أمتعه او اوراقا أو أشياء أخرى ،يستدل منها على انه فاعل أوشريك فيها أووجدت به في ذلك آثار أو علامات تدل على ذلك .
2_ أذاكان قد فر بعد القبض عليه قانونا ً.
3_اذا كان قد حكم عليه غيابيا ً بعقوبة مقيدة للحرية .
وهناك حا لات اشارت اليها الفقرة (ب) من المادة المذكورة خولت الاشخاص القبض على كل من وجد في محل عام في حالة سكر بين واختلال واحدث شغبا ً او كان فاقدا ً صوابه .
وهناك حالات وردت في المادة (103)الاصولية الزمت كل من افراد الشرطة أو عضو من أعضاء الضبط القضائي أن يقبض على أي من الاشخاص الذين تمت الاشارة اليهم بنص الماده وهم (1_كل شخص صدر أمربالقبض عليه من سلطة مختصة.
2_ كل من كان حاملا ً سلاحا ًظاهرا ً أو مخبأ خلافا ً لأحكام القانون .
3_كل شخص ظن لأسباب معقولة أنه ارتكب جناية او جنحه عمدية ولم يكن له محل معين .
4_كل من تعرض لأحد أعضاء الضبط القضائي أو أي مكلف بخدمة عامة في اداء واجبه .
الضمانات الدستورية والقانونية في اصدار وتنفيذ أوامر القبض
تستظل الضمانات المهمة للافراد الصادر بحقهم أمر القاء القبض بالسقف العلوي للهرم القانوني والذي تستمد القوانين والاجراءات شرعيتها من انسجامها مع مبادىء الدستور ونصوصه ،والدستور وكما هو معروف الوثيقة القانونية التي صوت عليها الشعب واعتبرها عقيدته التي تحكم سلوكيات الدولة كمؤسسة والافراد منبثقا عن تلك العلاقة السلطات التي تمارس من اجل تطبيق الدستور ،وما السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الا آليات خلقها الدستور لتنظيم حياة الفرد والمجتمع ،وقد كرس الدستور العراقي في ابوابه الاولى على اهمية المحافظة على حقوق وحريات المواطن وجعلها مقدسه لا يمكن التجاوز عليها منطلقا ً من سنوات الجور والظلم التي عانى منها الشعب العراقي ،ففي المادة (37_ أولا ً_أ_ تضمن وفي المادة الاولى في الفصل الثاني (الحريات ) النص على ان (حرية الانسان وكرامته مصونة ) وفي الفقرة (ج) وضع منهاجا ً مهما ً حيث نص (يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غي الانسانية ،ولاعبرة باي أعتراف أنتزع بالاكراه أو التهديد أو التعذيب وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفقا ًللقانون ) وبالرغم من ان الدستور منح في الفصل الاول الحقوق المدنية والسياسية والمتعلقة بالمساوات بين العراقيين والحق في الحياة والامن والحرية ولايجوز الحرمان من الحقوق او تقييدها الابنص القانون ،آل على نفسه وفي الفقرة (سادسا ً) من المادة (19) التي تضمنت استقلال القضاء ومبدأ المشروعية وحق الدفاع وحق المتهم في المحاكمة العادلة الا ان ينص في الفقرة المذكورة على (لكل فرد الحق بان يعامل معاملة عادلة في الاجراءات القضائية والادارية ) وأوامر القبض هي اجراءات قضائية وضمانات تنفيذها يرتبط بالدرجة الاساس وبجهة الاصدار حيث يخضع القرار القضائي الصادر من القاضي او المحكمة الى الطعن تمييزا ًوفق احكام المادة (249) من قانون اصول المحاكمات الجزائية كما خولت المواد (264،265) من القانون المذكورمحكمة التمييز ومحاكم الجنايات بصفتها التمييزية التدخل تمييزا ً بالقرار المذكوربعد ان تطلب الدعوى لاجراء التدقيقات التمييزية بناء ً على طلب ذوي العلاقة او الادعاء العام او من تلقاء نفسها وفي حالة مخالفة القرارات للقانون فان القرار يكون عرضة للنقض
والضمانات الخاصة بجهة التنفيذ فان على القائم بتنفيذ أمر القبض وما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة ،عيه ان يكون متسلحا ً بثقافة حقوق الانسان وضمن الاطار القانوني والا عرض نفسه للمسائلة القانونية وقد نص قانون العقوبات على جملة من العقوبات التي تطال الجهات المنفذة للاوامر القضائية ان لم تراعي القانون ومبادىء حقوق الانسان ،ففي المادة (322) من القانون نص على عقوبة كل موظف او مكلف بخدمة عامة قبض على شخص او حبسه او حجزه في غير الاحوال التي ينص عليها القانون ،كما تضمنت المادة (332) عقوبة الحبس لكل موظف او مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع احد من الناس اعتمادا ً على وظيفته فأخل باعتباره أوشرفه أو احدث الما ًببدنه وذلك دون الاخلال باي عقوبة اشد ينص عليها القانون ،وجاءت المادة (333) والتي تضمنت عقوبة السجن او الحبس لكل موظف او مكلف بخدمة عامة أمر بتعذيب متهم او شاهد او خبير لحمله على الاعترافبجريمة او الادلاء باقوال او معلومات بشانها او لكتمان امر من الامور او اعطاء رأي معين بشانها.ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة والتهديد .
ومع كل تلك الضمانات لما تزل ثقافة حقوق الانسان بحاجة الى ترسيخ مفاهيمها انطلاقا ً من اعتبارها عقيدة وسلوك منهجي ضمن العمل ووجود برامج ورؤى تربوية وثقافية واعلامية لنشرها ضمن المحيط الاسري والتربوي وشيوعها في المجتمع الامر الذي سينعكس على تحقيق مبادىء الحرية والعدالة والديمقراطية .