حوار الجاهزيّات الوطنية-محمد الكاظم
Tue, 13 Dec 2011 الساعة : 14:52

سؤال مثل مالذي يحتاجه العراق لتحقيق انسحاب كامل للقوات الامريكية ، سؤال ضروري مع اقتراب الموعد النهائي للانسحاب . لكن سؤالا مثل مالذي ينبغي العمل عليه بعد الانسحاب يبدو سؤالا اكثر اهمية . خصوصا أن مسألة الانسحاب اصبحت قاب قوسين او أدنى.
اسئلة الجاهزية التي تطغى على اي حوار سياسي وشعبي الان تتمحور في جوهرها الاساسي حول الجاهزية الامنية ويبدو لي ان التركيز على مالدى القوات الامنية العراقية من استعدادات لسد الفراغ الذي سيتركه الانسحاب تركيزا ضروريا. لكن هناك امور اخرى تحتاج الى التركيز قد تكون اهم من الجاهزية الامنية . لأسباب عدة منها ان ملف الامن في العراق يدار منذ فترة طويلة من قبل القوات العراقية بعد انسحاب القوات الامريكية الى المعسكرات ، بل ان وجود القوات الامريكية لم يكن يمنع باي حال من الاحوال العمليات الارهابية التي لايتوقع اشد المتفائلين انها ستنتهي بين ليلة وضحاها . وذلك يعني ان الانسحاب لن يؤثر كثيرا على الاداء الامني العراقي.
اضافة الى ان العراق يمتلك الان مايقارب المليون عنصر من عناصر الأمن بين جيش وشرطة وهو عدد ربما يكون الاكبر بين دول المنطقة، ما يعني ان اي رفع إضافي في مستوى الجاهزية الامنية لن يتضمن بأي شكل من الاشكال رفع عديد القوات العراقية لان عددها الحالي اكبر من الحاجة الفعلية ، نظرا لان طبيعة التحديات التي تواجه المشروع العراقي تحتاج الى المواجهه النوعية التي يتضافر فيها الجهد الاستخباري بالجهد الفني والتقني مع جودة التسليح وتفوقه اضافة الى توفير عوامل ادارة الموارد والحرب النفسية والفكرية والثقافية واعتماد تقنيات الامن الوقائي، لا الى المواجهه الكمية التي تحتاج الى العساكر والحصون والخنادق التي كانت عناوين الحرب التقليدية.
هذه المقدمات كلها تؤدي الى اننا بحاجة الى جاهزيات اخرى قد تكون اكثر أثرا وأكثر فعالية ، بل ان الملف الامني نفسه لايمكن له ان يستقر مالم يوازيه استقرار سياسي. ولايمكن تحقيق اي جاهزية امنية مالم تتوفر جاهزية وطنية ذات بعد سياسي ، واجتماعي وثقافي واقتصادي .فنحن نحتاج اولا الى تدريب العقل السياسي العراقي على التفريق بين ماهو خاضع لإشتراطات اللعبة السياسية والمناورات التي يبيحها العمل السياسي المحلي، وبين ماهو وطني غير خاضع للمساومة، وهو أمن العراق ومصالحه. ونحتاج الى أن تكون كتلنا السياسية بمستوى المسؤولية الوطنية والجاهزية الاخلاقية وعدم تحويل الملفات الأمنية وملفات السياسة الخارجية، والامن الوطني، الى ملفات يجري التكسب منها سياسيا، والتربح منها لتحويلها الى رصيد شعبي,
ومن المهم ايضا تأجيل القضايا الخلافية الى مرحلة يكون فيها العراق قد تجاوز فيه المحنه التي يتسبب بها تضارب الاجندات في المنطقة وتأثير الرغبات الاقليمية على التوصل الى المشترك الوطني . والطموح السياسي المبالغ فيه احيانا.
من المهم ايضا اطلاق وتفعيل جاهزيات اخرى ذات طابع شعبي من أجل تحقيق مشاركة المواطن في حماية الوطن، وحماية مشروع الدولة "فنهاية اي دولة مرتبط بشعور مواطنيها بعدم الاكتراث لها" على حد قول صاحب نظرية العقد الاجتماعي جان جاك روسو، مايعني ان مصير الدولة العراقية مرتبط بشعور العراقيين بالمسؤولية تجاه العراق. والحديث عن الانسحاب الامريكي يحتاج الى اظهار مالدينا كعراقيين من مستوى عال من الجاهزية لتجاوز اية مشاكل يمكن ان تنشأ نتيجة الاختلاف الطائفي والعرقي، وتضارب المصالح.
وربما هناك حاجة فعلية الى جاهزيات اخرى تمارس فيها وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني والمسجد والكنيسه ومضيف العشيرة دورها في رأب صدوع السياسه عبر عدم بث الفرقة بين صفوف المجتمع والتركيز على المشترك وتأجيل بحث المختلف عليه وتحديد بوصلة سياستنا الوطنية وربطها بمصالحنا الوطنية, بعيدا عن سياسية الاستقطابات والمحاور ونظريات ملء الفراغ التي يروج لها البعض .
بكلمة واحدة. حماية العراق بعد الانسحاب الامريكي هو مسؤولية العراقيين، واذا كان ثلاثون مليون عراقيا غير قادرين على حماية بلدهم فلن يستطيع أحد آخر حمايته.