مناقشة معمّقة للازمة المالية العالمية – 3 -علي البصري
Tue, 13 Dec 2011 الساعة : 14:29

ازالت الازمة المالية العالمية على حالها بل ازدادت سوء، وهي تمثل خطرا مخيفا يحيط باغلب اقتصاديات دول العالم. يبدو ان الازمة المالية اخذت وتاخذ ابعادا مختلفة ولايبدو اننا سنغادر هذه الازمة في المستقبل القريب، ويعود الامر في ذلك الى عدة اسباب سنحاول التطرق لها في هذه المقالة.
نحاول في هذه المناقشة ان نتطرق الى بعض المفاهيم التي لها علاقة بالمشكلة القائمة، وستكون المناقشة على النحو التالي:
1-سنتطرق الى الموازنة ومفهومها ومايتعلق بها من ناحية تفاقم مديونيات الدول في امريكا واوربا.
2-سنحاول التركيز على اهم الاسباب التي تؤثر سلبا على اقتصاديات البلدان الغربية سيما الدول التي تتبنى النظام الراسمالي.
3-سنذكر بعض الاقتراحات والحلول اثناء مناقشتنا لهذه المفاهيم.
الموازنة ومفهومها:
هناك مفاهيم متعددة للموازنة، فمن هذه المفاهيم الاتي:
هناك من يعرف الموازنة العامة على انها " عبارة عن بيان تقديري، لنفقات، وايرادات الدولة، عن مدة مستقبلية، تقدر عادة بسنة، وتتطلب اجازة من السلطة التشريعية".
البعض الاخر يعرف الموازنة العامة على انها " صك تشريعي تقدر فيه نفقات الدولة وايراداتها لمدة مقبلة من الزمن".
الموازنة بصورة مبسطة هي خطة مستقبلية سواء للوحدة الاقتصادية او للبلد، وهذه الخطة تستهدف الاستخدام الامثل للموارد المادية والبشرية – سواء كانت هذه الموارد للوحدة الاقتصادية او للدولة – والموازنة العامة تمثل وتعكس سياسة الادارة او السلطة الحاكمة وفلسفتها ونظرتها وخطتها الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فان الموازنة العامة تمثل اهمية كبيرة في تطوير وتنمية البلدان وحل مشاكلها.
الموازنة في الحقيقة توضع طبقا لامكانات الدولة المادية، فالدول عادة تضع موازناتها طبقا لمواردها وايضا طبقا لحاجة البلد سواء من خدمات اومشاريع. في بعض الأحيان تكون النفقات اكبر من الموارد، وهذا الامر يؤدي بدوره الى حدوث عجز في الموازنة فتلجأ الدول في مثل هذه الحالات الى تعويض العجز عن طريق الاقتراض، سواء الاقتراض الداخلي او الخارجي. بعض الدول سيما الدول المرفهة منها تعاني موازناتها من العجز المتكرر نتيجة النفقات المرتفعة، ونتيجة التوسع في النفقات المتأتية من التوسع في كمية ونوعية الخدمات المقدمة للمجتمع اوالمشاريع المقامة. العجز المتكرر في موازنات الدول يؤدي الى تراكم الديون وخدمات الديون، وهذا ماحصل فعلا لبعض بلدان الاتحاد الاوربي وامريكا.
ينبغي الاشارة هنا الى ان العجز في الموازنة لايمثل دائما حالة سلبية، ففي بعض الحالات تحتاج الدول الى بناء بعض المشاريع المهمة، وفي هذه الحالة تحاول هذه الدول ان تستعجل في انجاز مثل هذه المشاريع لاهميتها، وخير مثال هنا هي حالة العراق، فالعراق على سبيل المثال بحاجة الى نفقات كبيرة نتيجة النقص الكبير في اغلب القطاعات كالكهرباء والنفط مثلا، فالعراق يحتاج الى بناء قطاع الكهرباء باسرع وقت ممكن، وهو بالتالي يحتاج الى موازنة كبيرة من اجل حل مشكلة الكهرباء، لكنّ ايراداته غير كافية للوفاء بكل هذه الالتزمات، فيظطر العراق الى الاقتراض وفي هذه الحالة، لايُعدّ النقص في النفقات ولا الاقتراض حالة سلبية لسببين، السبب الاول هو حاجة العراق الى مثل هذه المشاريع الحيوية، والسبب الثاني نتيجة قوة الاقتصاد العراقي، حيث من المؤمل ان تزداد ايرادات العراق في المستقبل القريب، نتيجة زيادة انتاجه من البترول، وبالتالي فان العراق سوف يستطيع تسديد الديون المترتبة عليه في المستقبل، سيما بعد زيادة انتاجه من البترول، رغم اننا لانحبذ التوسع الكبير في الاقتراض، ولا اعتماد العراق المستمر على مورد واحد هو النفط، بل ينبغي الاسراع في تنويع مصادر ايرادات العراق عن طريق الزراعة والصناعة وغيرها من قطاعات، لأن الاعتماد على مصدر واحد في مجال الايرادات يُعد امرا خطيرا جدا لأن توقف تصدير النفط لأي سبب كان يعني الكارثة بعينها بالنسبة للعراق والشعب العراقي.
في حالة العراق تعد عملية التعجيل في انجاز مشاريعه عن طريق الاقتراض حالة ايجابية، نتيجة حاجة العراق للطاقة الكهربائية، فالخسارة في نقص الكهرباء هي اكبر من نفقات القروض - المتمثلة بالفائدة على الديون - هذا من جهة ومن جهة اخرى فان حاجة الناس لمثل هذه الخدمات لايمكن تقديرها بثمن سيما اذا عرفنا ان درجات الحرارة المرتفعة في الصيف والتي تتسبب في موت بعض الناس، فخسارة شخص واحد من جراء انقطاع الكهرباء هو في الحقيقة باهض الثمن بل لايمكن تقديره بثمن، لذا فان عملية اختيار البديل الافضل بالنسبة للموازنة من حيث زيادة النفقات على الايرادات، اي حالة عجز الموازنة ينبغي ان تتم عن طريق دراسة مستفيضة، تحاول هذه الدراسة ان تقارن بين المصلحة والمفسدة، ومن ثم سوف نصل الى القرار الصائب.
نعتقد انه لاينبغي ان تتكرر عملية عجز الموازنة دائما ولاينبغي ايضا ان يكون العجز كبيرا، ويجب ان تتم عملية مراجعة الديون المتراكمة من عجز الموازنة كل فترة زمنية، ففي حالة الدول الراسمالية نرى ان الديون المترتبة على عجز موازناتها العامة كان كبيرا جدا، كالولايات المتحدة الامريكية واليونان وبريطانيا وايطاليا، وغيرها من بلدان، بحيث ان هذه الديون اصبحت تشكل عبئا كبيرا ومن الصعوبة تسديدها في المستقبل القريب، بحيث اضطرت المؤسسات المختصة في مجال تصنيف الديون ان تخفض من درجة موثوقية هذه الديون سواء في امريكا او اليونان، بسبب كبر مبلغ هذه الديون من جهة، وبسبب النظرة الواقعية لاقتصاديات هذه البلدان، ففي افضل الحالات لايمكن لهذه الدول ان ترفع من ايراداتها باكثر مما هو متوفر حاليا، لذا فان صندوق النقد الدولي يرى في مثل هذه الحالات الصعبة وجوب تخفيض النفقات في الموازنة العامة لمثل هذه الدول، فتخفيض الموازنة سيؤدي الى تخفيض العجز الحاصل في الموازنة من جهة ومن جهة اخرى لكي يتم توفير بعض الاموال في المستقبل، ومن ثم يتم الوفاء بالتزامات هذه الدول وتسديد ديونها في السنوات اللاحقة، لكنّ هذا الحل – تخفيض نفقات الموازنة – يستبطن في الحقيقة تخفيض الخدمات وتخفيض الانفاق على المشاريع وبالتالي تباطيء التنمية واخيرا زيادة نسبة البطالة والفقر وسواها من سلبيات، لكن تخفيض النفقات على كل حال افضل لهذه الدول من ان تصل الى العجز والافلاس ومن ثم الانهيار، وقد تجرّ هذه الامور الى الحروب الاهلية والنزاعات الداخلية وسواها.
في هذا المجال قد يسأل سائل عدة اسئلة، منها مثلا: اليست هذه البلدان مقتدرة من الناحية الصناعية والزراعية والتجارية وغيرها من القطاعات؟ فلماذا اذا تعاني هذه البلدان سيما البلدان المتطورة من هذه الازمات الاقتصادية والمالية؟ ثم لماذا لم تعالج هذه الدول ازماتها، ولماذا تركت هذه البلدان او بالاحرى حكومات هذه البلدان الديون تزداد وتزداد وبالتالي تتفاقم الازمة الى ماهي عليها الان من خطورة تهدد العالم بأسره؟؟؟
الجواب على هذه الاسئلة يتمثل بالاتي:
الأسباب الكامنة وراء تفاقم الازمة يتمثل باسباب متعددة منها مايتعلق بالنظام الراسمالي من حيث نظرته وفلسفته ورؤيته للحياة في المجال الاقتصادي وحتى الاجتماعي، او مايتعلق بنظرة الناس والمجتمع للعادات وللتقاليد وللدين، او نمط عيش الناس ومايتعلق بالمدنيّة وصيحاتها المادية، او مايتعلق بحكومات بعض البلدان التي تحاول ان ترحلّ الازمة الى الامام، او ان تؤخر من ظهور الازمة قدر المستطاع، بمعنى ان حكومات هذه البلدان كانت تهرب من المشكلة وترحلها الى الحكومات اللاحقة.
الازمة المالية ايها القاريء الكريم قديمة وهي من وجهة نظرنا منذ أزمة الكساد العظيم الاولى التي ضربت امريكا في نهاية العشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن المنصرم، وقد تم ترحيل هذه الازمة الى الوقت الراهن. ازمة الكساد العظيم حُلّت عن طريق ضخ الاموال في تلك الفترة من خلال الاقتراض. الاقتصاديون في تلك الفترة كانوا يعتقدون ان حلّ أزمة الكساد تتمثل في تحريك الاقتصاد، وتحريك الاقتصاد يتم عن طريق ضخ الاموال من اجل خلق الاستثمار وفعلا تحرّك الاقتصاد وحُلت المشكلة في حينها، لكنّ اصل المشكلة لم يُحل في حقيقة الامر، وهذا ماجعل الاقتصاد يتعثر كل فترة زمنية معينة، الى ان وصل الى ماعليه الان، ولازال البعض يعتقد ان بامكانه حل المشكلة بذات الوسائل – ضخ الاموال لتحريك الاقتصاد- الا ان ذلك لايمكن ان يُكتب له النجاح، نتيجة استفحال واستحكام الازمة، فالناتج القومي لهذه الدول لايمكن له ان يزداد باكثر مما هو عليه، ولايمكن لهذه الدول ان تزيد من صادراتها، فببساطة لاتوجد اسواق جديدة لكي تستطيع هذه الاسواق استيعاب صادرات هذه الدول المصدرة، وهذا يعني ان هذه الدول لاتستطيع زيادة ايراداتها ومن ثم سد عجز الموازنة و تسديد ديونها.
الدول الراسمالية بطبيعة الحال والحالة هذه - ونتيجة تعوّد مجتمعاتها على الخدمات الجيدة وعلى حياة البذخ وبحبوحة العيش– لاتستطيع تعويض العجز في الموازنة من خلال الاقتراض نتيجة تفاقم وازدياد الديون وفوائدها، وبالتالي ستضطر هذه البلدان الى تخفيض موازناتها، وتخفيض الموازنة يعني تخفيض الخدمات المقدّمة الى الجمهور، وايضا تقليل عدد المشاريع المقامة وهذا يؤدي بدوره الى تفاقم الازمة نتيجة ازدياد البطالة، وبالتالي سيؤثر ذلك على تطور هذه البلدان وتقدمها نتيجة تخفيض الاموال المرصودة للتعليم والبحث العلمي والصحة ومشاريع البناء والتنمية.
قد يسأل سائل وماعلاقة كل الذي تقدم بالنظام الراسمالي والعادات والتقاليد والاديان وسواها. الحقيقة ان النظام الراسمالي اسس لعادات وتقاليد جديدة في المجتمع الغربي، هذا النظام يؤمن بالحرية الشبه مطلقة للفرد وان الفرد حر فيما ينتجه، او مايستهلكه، او مايملكه – ناهيك عن امور اخرى متعددة – وهذا بدوره اسس لمنهجية جديدة بالنسبة للانتاج والاستهلاك وتوزيع الثروة بين الافراد والمجتمعات والدول، ولهذا نرى اليوم ان الثروة متمركزة عند اعداد قليلة جدا نسبة الى عدد الناس على كوكب الارض، هؤلاء الراسماليون لايتعدون اكثر من عشرة الاف شخص، وهؤلاء هم الذين يتحكمون بالعالم، وهؤلاء هم الذين يعملون وبكل الوسائل من اجل تحقيق مصالحهم ولو على حساب مصلحة المجتمعات والناس الجياع والضعفاء والمرضى ....
النظام الراسمالي هو الذي ابتدع لنا الفوائد، وهو الذي قاد بعد ذلك الى مايسمى بالاقتصاد الهيكلي، هذا الاقتصاد الهيكلي هو في الحقيقة عملية احتيال في وضح النهار، والا فكيف يمكن استخدام نفس الاموال اكثر من مرة وفي نفس الوقت، كما هو عليه في بعض ادوات الهندسة المالية. النظام الراسمالي ايضا هو الذي اعطى لرؤوس الاموال حصة الاسد من بين عوامل الانتاج الاخرى، وهذا ادى الى اجحاف حصة عوامل الانتاج الاخرى، بل ادى الى التاثير على الاستثمار وعلى التنمية بصورة عامة، ولهذا فان اصحاب رؤوس الاموال يكسبون اموالهم وثرواتهم عن طريق استغلال وسرقة جهود الناس، بل وان الراسماليين اسسوا لعادات وتقاليد جديدة، كخلق الطلب المفتعل عن طريق وسائل الدعاية والاعلان واثارة الغرائز وتسهيل القروض المعطاة، وهذا بدوره اسس لعادات سيئة عند الافراد وهي عادات التبذير والتوسع في الاستهلاك، بحيث اصبح الانسان شخصا مهووسا، بل ويشتري حاجاته دون اي عقلانية، فالمتتبع لبعض المواقع الالكترونية يشاهد كثرة المواقع المتخصصة في بيع السلع، بل أنى التفت الانسان يرى اعلانا وعاملا مؤثرا، وهذا الامر دفع الانسان الى ان يتخذ قرارات الشراء دون اي عقلانية تذكر، وانا متاكد من انّ الكثير من الناس قد اشتروا سلعهم بتاثير الأعلان وادواته وليس بفعل الحاجة الفعلية .
ايضا فان النظام الراسمالي اخطأ ليس فقط في عملية الثروة وتوزيعها، بل ايضا في العملية الانتاجية، فالكثير من السلع المنتجة هي في الحقيقة لايحتاجها الناس، كالاسلحة التقليدية او النووية والالعاب النارية والكثير من السلع الكمالية الباهضة الثمن، كل هذه السلع في الحقيقة لاحاجة لعامة الناس بها، ولهذا فان بعض الحروب هي في الحقيقة من نتاج بعض الراسماليين وتجار الاسلحة، وهذا بدوره ادى الى تلويث البيئة وهذا مااثر سلبا على الارض ومناخها ومن ثم سببّ الكثير من الكوارث الطبيعية ومايلاحظ حاليا على الارض وبيئتها هو زيادة نسبة التلوث التي ادت الى زيادة الكوارث والحوادث الطبيعية عما هي عليه في السابق، وهذا بطبيعة الحال سيفاقم من الازمة الاقتصادية لجميع دول العالم.
مشكلة الديون وحلها:
نعتقد ان الديون ومشكلة ديون الدول يمكن حلها عن طريق الاقتراحات التالية:
1-ينبغي التخفيض من عجز موازنات هذه الدول عن طريق تخفيض موازنات الدفاع والتسلح وبعض مصاريف ونفقات رجال الدولة من الخط الاول والثاني والثالث، وغيرها من النفقات غير الظرورية، يُذكر انه لايجوز بأي حال من الاحوال تخفيض موازنات الصحة والتعليم والاعانات الاجتماعية وسواها من فقرات مهمة تهم مصالح الناس الضعفاء والفقراء والجياع.
2-التخفيض من سباق التسلح وتخفيض الصرف على مثل هذه المشاريع التي تستنزف الكثير من الموارد، فسباق التسلح في فترة الحرب الباردة – وحتى الان- استنزف الكثير من الموارد، بل وان الاسلحة النووية المخزنة حاليا هي الاخرى تستنزف الكثير من الموارد من خلال تخزينها والمحافظة عليها، وفوق هذا فان التخلص من هذه الاسلحة هو الاخر يحتاج الى الكثير من الموارد، وهذا الامر يكشف لنا وعن كثب كم ان فكر الحرب والعداء خطير ومكلف وعلى جميع الاصعدة، وهذا يُظهر وبصورة لاتقبل الشك ان الفكر ينبغي ان يكون مبنيا على قواعد واسس التعايش وحب الانسان لاخيه والايثار والتضحية من اجل اسعاد البشرية كل البشرية، وهذا لايتأتى الا من فكر التسامح والمحبة وهذا مايمكن ان نجده في الاديان السماوية.
3-ينبغي ان لاتترك حرية الفرد بهذه الصورة وبهذه المساحة الواسعة، بل ينبغي ان تعطى للفرد الحرية بما لايؤثر على مصالح الناس والمجتمعات والدول، لأن اي فرد يسعى وبالفطرة الى تحقيق مصالحه وان كان ذلك على حساب الاخر، وهنا يأتي دور الدين والعادات الحميدة والتي تساعد في الحد من جشع الافراد وانانيتهم، لأن القوانين لوحدها لايمكن لها ان تحدّ من التجاوزات، نعم القوانين يمكن لها ان تحدّ نسبيا من بعض التصرفات والتجاوزات، لكنها غير قادرة من القضاء على التجاوزات بصورة فعالة، وهنا يأتي دور الاديان والعادات والتقاليد الحميدة والتي تحض الانسان على الطاعة والمحبة والايثار وفي النهاية تخلق لنا انسانا متألقا روحيا ونفسيا، والتاريخ مليء بمثل هذه النماذج الرائعة.
4-نشر ثقافة القناعة والعيش المشترك والتعاون بين الناس، لأن هناك عادات سيئة انتجتها لنا المدنيّة الحديثة والمتمثلة بالتبذير وثقافة الاستهلاك والتوسع في الاستهلاك. لااحد منا لا يُريد العيش الكريم للناس وللمجتمعات، ولكن التبذير عادة سيئة وغير حميدة ينبغي القضاء عليها لانها تدمر حياة الناس والمجتمعات.
ان نشر ثقافة القناعة سيساعد الناس على العيش الكريم وسيساعد الدول على تجاوز ازماتها من خلال موازنات معقولة تركز على الخدمات الظرورية، لأن الناس ستقنع بالخدمات المقدمة لها، بل وان الناس ستساهم في مساعدة حكوماتها للتخلص من هذه الازمة.
4-ينبغي القضاء على ثقافة الفائدة والتي ادت الى تفاقم ازمات الاشخاص والمجتمعات والدول، وينبغي الاستعاضة عنها بثقافة اخرى وطريقة اخرى كطرق المشاركة والمتمثلة بالمضاربة في الاقتصاد الاسلامي، فطريقة المضاربة هذه اثبتت نجاحها في البنوك الاسلامية، بل واثبت الواقع العملي ايضا نجاح طريقة عمل هذه البنوك، حيث ان الكثير من رجال الاعمال في مختلف الدول بما فيها الدول الراسمالية قد اتجهوا اخيرا الى فتح هذه البنوك الاسلامية بسبب نجاحها الباهر، ناهيك عن ان هذا النوع من البنوك يساهم في دعم التنمية في تلك الدول من خلال نظام المضاربة القائم على المشاركة بين راس المال والعمالة، وهذه الطريقة تشجع اصحاب رؤوس الاموال والمستثمرين بجهودهم او بفكرهم او بامكانياتهم العلمية – اي العمالة- على حد سواء، وهذا بدوره سيؤدي للقضاء على ظاهرة الاكتناز، حيث ان الناس تحبذ استغلال اموالها في مشاريع تدرُّ عليها الارباح، وفي النهاية فان هذا الامر سيؤدي الى استغلال اغلب موارد المجتمعات في مشاريع نافعة تعم فائدتها على كافة ابناء المجتمع.
5-الغاء الفوائد المترتبة على الديون سيما فوائد الديون التي تعود الى الدول، وفي اسوأ الحالات تخفيض هذه الفوائد الى ادنى حد ممكن، وينبغي التنويه هنا الى ان الفوائد المترتبة على الديون تمثل عبئا كبيرا، فهذه الفوائد كبيرة جدا بحيث ان اغلب الدول تسدد فقط اقساط الفوائد السنوية المترتبة على ديونها، فالولايات المتحدة الامريكية مثلا عليها ديون تبلغ اكثر من عشرة تريليونات دولار، فلنا ان نتصور مقدار الفائدة المترتبة على مثل هكذا دين.
6-اعادة توزيع الثروة بين افراد المجتمع الواحد او الدولة الواحدة عن طريق سن قوانين تحاول تخفيض الضرائب على الفقراء وزيادتها على الاغنياء، وبطبيعة الحال فاننا لانستهدف في هذه الحالة الاغنياء بقدر مانريد ان نخفف من الازمة التي تستهدف الفقراء والمرضى والجياع، لذا فان على الاغنياء المساهمة في تجاوز هذه الازمة.
7- الدول ينبغي عليها ان تمارس سياسة الاولويات في مجال النفقات، فالخدمات الظرورية والاساسية ينبغي ان تكون لها الاولوية من بين فقرات الموازنة العامة، ايضا المشاريع المهمة والتي لها اثر على حياة الناس والمجتمع لها الاولوية في مجال الصرف والانجاز، اما الخدمات والمشاريع غير الظرورية فينبغي تركها في هذه الظروف.
8-التخفيف من التوتر بين الدول والمجتمعات قدر الامكان، وينبغي المباشرة في احياء دور الامم المتحدة ومجلس الامن الذي يصب في نشر السلم والامن ومكافحة البطالة والفقر والتخفيف من تلوث بيئة الارض وسواها، وينبغي التنويه هنا الى انه ينبغي ان يُصار الى رفع حق نقض الفيتو والمباشرة في انشاء نظام عالمي جديد يمتاز بالعدالة، سيما واننا نعيش في خضم عالم ينادي بالحرية والديمقراطية، فلماذا لاتحكم الديمقراطية ميثاق الامم المتحدة ومجلس الأمن؟؟؟!!
9-ينبغي ان تخضع الاسواق المالية الى قوانين مشددة لاتسمح بالغش والالتفاف من حيث استخدام نفس الاموال – العين- اكثر من مرة كما هو حاصل في بعض ادوات الهندسة المالية، فهذا الامر يُعد تجاوزا قانونيا صارخا، بل وسرقة.
10-في المجال الانتاجي ينبغي استخدام نظام الاولويات والاهمية النسبية بالنسبة للسلع، فلايجوز بأي حال من الاحوال انتاج سلع لاظرورة لها، او تصبح فائضة بصورة كبيرة كما هو حاصل في بعض الاسواق وفي بعض الدول بحيث ان الكثير من السلع يتم اتلافها، هذا الامر يُعد استنزافا للموارد المادية وجهود الافراد.
11-لايجوز استخدام السلع الغذائية في اي حرب اقتصادية او سياسية او اتلاف المواد الغذائية من اجل رفع اسعارها، لان هذا الامر يؤثر على الناس وقوتها، وهذا الامر ينبغي ان يكون خطا احمرا.
12-كل دولة أعرف بما يصلح لها من خطط في مجالات التنمية، لأن التنمية عملية معقدة وتعتمد بالدرجة الاساس على الانسان، فما لم يتفاعل الانسان مع خطة التنمية الموضوعة لايمكن لهذه الخطة ان تنجح، لذا على الدول ان تحاول قدر الامكان وضع الخطط التي تتناسب مع ثقافة وعادات واديان شعوبها، وهذا الامر سيؤدي في النهاية الى نجاح عملية التنمية.
13-على حكومات الدول ان لاتهرب من مسؤولياتها في مكافحة المشاكل الاقتصادية، وان تبادر في وضع موازنات تتماشى مع مصلحة شعوبها، لأن بعض الحكومات تقدّم مصلحة احزابها على مصلحة اوطانها، ولهذا نرى ان بعض الدول تضع موازنات فيها عجز كبير من اجل تحقيق برامجها الانتخابية التي وعدت بها جمهورها، أو من اجل الفوز لاحقا، اي في الدورات الانتخابية اللاحقة، الا ان كل ذلك يجري على حساب المصلحة العامة في نهاية الامر، ومثل هذه الاحزاب والحكومات تقدّم مصالحها الشخصية على مصالح الشعوب والاوطان، وهذا ماكشفته الجماهير، ولكنّ هذه الخطوة كانت متأخرة جدا.
14-مكافحة الفساد الاداري والمالي وتبييض الاموال، وذلك من خلال تعاون جميع الدول والمؤسسات الدولية.
نعتقد ان الازمة المالية بحاجة الى دراسات معمّقة والى فريق عمل من المتخصصين، والى تظافر جهود جميع الدول والمؤسسات الدولية.