الحسين مشروع وحدة-الشيخ عبد الحافظ البغدادي
Tue, 13 Dec 2011 الساعة : 13:53

الحسين مشروع وحدة
نصارى وصابئة ومسلمون
في محرم الحرام عام 1433 تشرفت بارتقاء منبر الحسين (ع) في مدينة البصرة كان منها مجلس الشيخ محمد صوب الله شيخ عشيرة السواعد , ويحضر المجلس عدد من الأخوة أبناء المذاهب الإسلامية وشيوخ عشائر وعدد كبير من المثقفين والمسئولين , فاخبرني الحاج باسم الابن الأكبر للشيخ صوب الله أن وفدا من كنيسة الكاثوليك في البصرة وبعد استئذان مرجعيتهم في الموصل يودون زيارة مجلسنا الحسيني , تم تحديد ليلة الثاني عشر من محرم موعدا لزيارتهم , ومن الصدف الجميلة أن شيخ طائفة الصابئة المندائيين في البصرة زار المجلس تلك الليلة , كان الموضوع الذي تناولته في المحاضرة ( المشتركات في الفكرة المهدوية بين الأديان السماوية) والثوابت في الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي , والأفكار الماركسية التي ترى صورة مشابهة للفكر الديني للأديان الثلاثة في نهاية العالم وكيف يسود العدل والحق ربوع الأرض, غير أن نظرتهم تذهب إلى نشر المذهب الشيوعي العلماني وانه هو الذي يحقق العدل والسلم في العالم , ولكن الفكر المسيحي يتقارب مع النظرة الإسلامية كثيرا في ظهور العلامات التي تتحقق قبل انتصار الدين في ربوع الأرض, ويكاد يضيق الاختلاف بينهم وبين المسلمين في رؤية خروج عيسى (ع) من قبره وبين رؤية المسلمين بنزوله من السماء .. وهذا لا يعد اختلافا كبيرا حيث الهدف الفكري يكون موحدا للغاية التي من اجلها استحضر الله تعالى نبيه عيسى (ع) لمهمة العدل التي قال عنها رسولنا الكريم (ص) انه سيملأها قسطا وعدلا بعد أن ملأت ظلما وجورا.. هذا الموقف الفكري واضح من خلال القران , قال تعالى : وَلَتَجِدَنّ أقربَهم مَودّةً لِلَّذينَ آمَنُوا الَّذين قالُوا إنّا نصارى، ذلك بأنّ مِنَهم قِسِّيسِينَ ورُهباناً وأنّهم لا يَستكبرون, وكان للأخوة المسيحيين موقفا إنسانيا من شعائر كربلاء الحسين عندما أعلنت مرجعيتهم وللسنة الثالثة على التوالي إلغاء احتفالات رأس السنة الميلادية للسيد المسيح(ع) وهذا شعور اخوي وأنساني وديني راعى فيه الأخوة المسيحيون شعور المسلمين في العالم كافة بأحياء ذكرى شهادة أبي الأحرار الحسين بن علي(ع) ....
وللمسيحين دماء مشتركة مع أهل البيت (ع) في كربلاء من خلال الشهيد وهب بن حباب الكلبي, الذي طلق الدنيا رغم انه متزوج حينها حديثا كما تقول الروايات عنه, وسمعت قصة فصل عشائري في بغداد ذكرته على المنبر , أن رجلا من المسيحيين اصطحبه شيوخ عشائر في منطقة الصدر ببغداد لجلسة فصل , وعندما بدا شيخ عشيرة المجني عليه يتنازل عن بعض المبالغ لكبار الشيوخ والشخصيات كما جرت العادة في الفصول, قال المسيحي ( وأنا ماذا لي ..؟) سأله شيخ عشيرة المجني عليه , جنابك من تكون.؟ قال : أنا لست شيخ عشيرة لآني مسيحي ولا يوجد عندنا نظام عشائر مثلكم ولكن لنا رجل قتل مع إمامكم في كربلاء اسمه وهب بن حباب الكلبي ولم تعطونا انتم الشيعة ديته التي تعلقت برقبة إمامكم الحسين . وأنا أريدها الآن.. كانت كلماته حاسمة ومؤثرة انتهى الفصل أكراما للشهيد وهب وتصالح القوم بفضل دماء شهيد الحسين وعيسى(ع) . .وللحسين كلمة يقول: كان بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء , والنواويس ورد ذكرها في كتاب من (لا يحضره الفقيه ) والحموي في معجمه ,قال النواويس القبر واحد.. وفي نفس الرحمن للشيخ النوري . النواويس مقابر النصارى . كما في حواشي الكفعمي.. فهم يشاركون الحسين في كربلاء ... في العهد القديم كانت مجموعة مقابر للنصارى ,والذين سكنوا هذه الأراضي في الأحقاب السالفة . واليوم يقال لها . أراضي ـ الجمالية ـ وفي شمال شرقها أراضي الفراشية . قالوا وكانت النواويس قبل الإسلام مقبرة للأنباط والمسيحيين.. وثورة الحسين فيها سنة اسمهم عثماني الهوى.. لأنه لم يكن شيعة وسنة بل علوي وعثماني .. فالسنة فيهم قيادات قاتلت في كربلاء , قائدهم الشهيد زهير بن القين البجلي , وأخرهم عثمان العبيدي الاعظمي الذي مات من اجل إنقاذ زوار الإمام موسى بن جعفر (ع) ولا زال السنة يتلقون ضربات من التكفيريين بسبب موقفهم من الحسين(ع), واستشهد عدد منهم أثناء الزيارات المليونية أو حضورهم المجالس الحسينية بسبب التفجيرات التكفيرية ... ومواقف المسيحيين مشهودة حديثا وقديما , عندما جاءوا برأس الحسين إلى يزيد وصار ينكث رأس الإمام بمخصرته , لم يعترض عليه سوى سفير الروم المسيحي الذي قتلوه من اجل كلمة الحق ونصرة ابن بنت رسول الله.. قال ليزيد مستعظماً فعلته: إن عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى ونحن نحج إليه في كل علم من الأقطار ونهدي إليه النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم ، فأشهد أنكم على باطل هناك روابط تاريخية بين السيد المسيح والإمام الحسين (عليهما السلام ) ,والى جانب هذه الروابط لم يتنصل النصارى عن جذورهم الأخلاقية والإنسانية ,وكانت مواقفهم واحترامهم لرموزهم الدينية بشكل ترجموه في موقفهم خلال العشرة الأولى وتقديمهم العزاء والطعام من خلال موكب يحمل اسم ( موكب السيد عيسى بن مريم ) والديانة المسيحية ديانة سماوية هدفها المحبّة والتمسّك بالفضائل...والنصارى أقربهم مودة للمؤمنين المسلمين كما في صريح الآية الكريمة . يقول الدكتور الأديب أنطوان بارا : الفكر المسيحيّ العربيّ يقدّس آل البيت (عليهم السلام) كالمسلم، وفي أخذه لأيّة حادثةٍ تاريخيّةٍ تخصّ العالم الإسلاميّ الذي يعيش فيه، يهدف إلى الحِيدة، مبتغياً الواقع، باحثاً عن المنطق والرُّؤى العقلانية السليمة، وهي صعوبةٌ تتكاثف على قلمِ غير المسلم.. فشخصيّة الحسين محيطٌ واسعٌ من المُثل الأدبية والأخلاق النبويّة وأنصار المسيح تستمر مواقفهم الطيبة التي تعبر عن سمو الأخلاق النبيلة . وهذا يرتب موقفا أضافيا على المسلمين عامة والشيعة خاصة باتجاه الأخوة المسيحيين في العراق وموقفهم حُجّة، وللحجّة سببٌ ودليل ,منها أنّ الفكر المسيحيّ ّ يستمدّ تراثه الفكريّ من تراثٍ عربيٍّ إسلاميّ، ويتعايش ويتفاعل مع المسلمين إنسانيا ، ويعي كلَّ حادثةٍ تاريخيّة لاتّصاله بظواهرها،.. بينما لا يملك الفكر المسيحيُّ الغربيّ الخشيةَ والإحساس والورع بقيمة الشخصيّة القُدسيّة التي يتناولها الإسلام , لذلك نرى التفاوت من الذين يسيئون لشخص النبي محمد (ص) في أوربا وبين المسيحيين الشرقيين الذين يحترمون أحزان محرم الحرام وموقف الإمام الحسين (ع )
وللشعراء والأدباء المسيحيين موقف مشرف من القضية الإنسانية الإسلامية ونصرة الحق, فهذا سليمان كتاني يكتب عن الإمام أمير المؤمنين ويفوز بجائزة النجف لأفضل نص عن علي في الستينات من القرن العشرين .. وجورج جرداق يتحف المكتبة الإسلامية بصوت العدالة الإنسانية وأنطوان بارا في الحسين في الفكر المسيحي والملاحم الخالدات لعلي والحسين عليهما السلام من بولص سلامة وجورج شكور الذي التقيته في طهران عام 2007 بمناسبة رحيل الإمام الخميني (قدسره) ليقرا لي ملحمة الدم الحسيني . ويبدو أن الحسين (ع) أرادها هكذا أن تكون ثورة إنسانية تغطي جميع أنحاء الأرض , وفعلا عشقها المؤمنون الإنسانيون .. فهذا سيروب المسيحي جارنا الذي يتبرع كل عام بالوقود غاز وحطب لطبخ الطعام لأبي عبد الله(ع) ويصر أن ينقلها بنفسه رغم كبر سنه.. وتلك الشابة الصابئية المندائية التي تشكو العقم لأكثر من عشر سنوات بعد زواجها , تحضر مجلسا نسائيا , وفي اليوم السابع شهادة العباس , وبعد انتهاء المجلس تقوم بعقد راية العباس لقضية في نفسها, وبعد عام تأتي بيدها عباس ولدها الصابئي تحمله على يدها وهو ملفوف بعلم اخضر . تتباهى أمام النساء ( هذا بسبب العباس الله انطانياه) ويكون لها حصة من ذبيحة تقدمها كل عام في يوم العباس فيختلط طعام المسلمين والمسيحيين والصابئة في كل ذكرى شهادتك يا حسين..
وبعد تحسن الأوضاع الأمنية في البصرة نسبيا عام 2011 وبعد أن أسس الأخوة المسيحيون موكبا خدميا للسنة الثانية باسم موكب عيسى بن مريم(ع) رأينا موكبا للصابئة المندائيين في البصرة يشارك جموع المعزين ويرفع الرايات السود والأعلام الحسينية مشاركين الجميع في تقديم الخدمات ..و النصارى في العراق والبصرة تحديدا ,مواقفهم واحترامهم لاتقل شأن عن غيرهم من الديانة المسيحية ,ففي كل عام يقوم رئيس ديوان الوقف المسيحي رعد عمانوئيل بإصدار قرار بإلغاء احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة لتزامنها مع شهر محرم الحرام.
وحتى في أحياء ذكرى مأساة كنيسة النجاة التي فجرها الإرهاب المجرم ,نجد مواقفهم لا تتغير في أحزان شهر محرم الحرام .وموكبهم الذي يدخل الحضرة الحسينية والعباسية كل عام في زيارة الأربعين دليل على إن الحسين (ع) للإنسانية جميعا وليس لدين او طائفة معينة