تساؤلات حول الثورة الحسينية-حسين ناصر الهلالي
Mon, 12 Dec 2011 الساعة : 9:50

كانت تشغل فكري مجموعة من التساؤلات حول بعض الأفكار التي لم أجد لها جوابا شافيا وكانت الاطروحات هي:
1- يردد لنا أصحاب المنابر وأصحاب الأقلام أن ثورة الأمام الحسين(ع) قد أسقطت الدولة الأموية .
2- الأمر الأخر هو أن ثورة الأمام الحسين(عليه السلام )حفظت بيضة الإسلام حتى قيل أن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.
3- الأمر الأخير أن الواجب الذي وقع على عاتق الأمام الحسين(عليه السلام) قد خصه هو دون غيرة من الوجود في زمانه.
وقد سمعت وقرأت الكثير من الأجوبة ألا إنني لم أجدها تعطي الدليل الواضح والملموس على تلك الاطروحات ويمكن تلخيص الإيضاحات التي كانت تطرح بالنقاط التالية :
أ-إن ثورة الأمام الحسين (عليه السلام)قد فتحت الباب أمام الثورات بوجة الدولة الأموية وبالتالي استمرار عدم الاستقرار الداخلي الذي أدى إلى سقوطها في نهاية المطاف.
ب- خلد الأمام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر ذكر الأنبياء والمرسلين وأبقى صدى أسمائهم الشريفة يدوي في سماء الانسانيه فان هدف الانبياء يتمحض في أكمال وتثبيت دين الله في الأرض , لان الدين الكامل المتمثل بالإسلام يوصل البشرية الى كمالها اللائق
جـ- أنّ خروج الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) كان ثورة في وجه ( الجاهلية الثانية ) التي أعادها الحكم الأموّي باسم الإسلام حينما أصبح مثل ( يزيد ) شارب الخمور ، وراكب الفجور ، وقاتل النفس المحترمة ، والمعلِن للكفر ، خليفة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
وهنا يمكن أن يرد على ما تقدم بما يلي:
1- أن الدولة الأموية لم تسقط بل بدأت ومرت بعد عهد يزيد بمراحل الازدهار والصعود وعهد عبد الملك مثال لذلك بل أخذت بالتوسع ومراحل ترف مادي فضيع فأين السقوط إذ استمرت أكثر من ثمانين عاما ولا يمكن الربط بين السقوط الفوري بما جرى في ألطف وانتهاء الحكم الأموي بعد ثمانين عاماً.
2- أن الإسلام سيبقى مهما حصل من انحرف بما يمثلة من صلاه وصوم وقران وحج وأذان فأين الحفظ إذا أخذنا امتداد المنهج الأموي بما موجود حاليا من حركات تسير بهذا الاتجاه أمثال الحركة السلفية فرغم انحرافها واختلافها مع المذاهب الأخرى ألا أن القران والصلاة والصوم والأذان مستمر بل يعتبر أظهار التمسك به شعارا لهم.
3- أن خصوصية الواجب يمكن أن تقع على ما موجود من أئمة كالإمام زين العابدين بالإضافة إلى ما موجود من أبناء الأمام علي(عليه السلام)وغيرهم من صحابة وأولادهم فلو قام احدهم بتلك الثورة يمكن أن تعطي نفس النتائج وقد شهد العصر الأموي شهادة الإمام السجاد والإمام الباقر(عليهم السلام)والعديد من الثورات ومنها ثورة المختار وزيد الشهيد.
بقيت هذه التساؤلات مستمرة حتى وجدت الإجابة من خلال اطروحات احد علماءنا الأفذاذ الذي وضع الخطوط العريضة والتي يمكن أن ننطلق منها إلى الحقائق التالية كاطروحات تدور حول الإجابة عن التساؤلات السابقة من خلال المقدمة التالية:
1- ان الفترة التي تلت رحيل رسول الله (صل الله عليه واله) رغم انحرافها الا انها اخذت شكل خلافة الرسول كنبي ومشرع الهي حاول المتواجدين في دكة السلطة التحرك بهذا المنطلق بما يحملون من صفات تركزت بالصحبة وبذلك تم التصدي لعملية التشريع واصدارها امثال عملية مصادرت فدك بالاضافة الى ما جرت من عمليات اجتهاد من قبل الخليفة الثاني في بعض الاحكام والتشريعات.
2- التوجه العام لدى المسلمين باعتبار ان التشريع الصادر من هذا المنصب هو من صميم الدين ويمثل الخط الرسالي للرسول محمد(صل الله عليه واله) تحت شعار (أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم)
3- ان تلك الفترة وما رافقها من انحراف تصدى لها أمير المؤمنين (عليه السلام)ومن معه من أصحاب مخلصين
4- مثلت مرحلة تسلط معاوية وبعده يزيد مرحلة الانقلاب التام نحو الجاهلية لما يمثله الخط الأموي من مؤهلات للنقلاب منذ مراحله الأولى في الجاهلية عبر مواقف واضحة وصراعاته المستمر .
لنصل الى نتيجة مفادها
اولاً السقوط:
أن استلام يزيد السلطة بما يمثلة ويمتلكه من صفات الانحراف التام عن الخصائص الإنسانية فضلا عن الخصائص الإسلامية تمثل نقطة الانقلاب التام والتوجه السريع لبدء مشروع الجاهلية من خلال نفوذ الخط الأموي في مفاصل الدولة وما يسحبه من غطاء بصفة المشرع الإسلامي امتدادا للمرحلة السابقة لذا كانت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وحركتة المباركة هي حركة ممتدة للخط النبوي بوجه الجاهلية لفك ارتباط السلطة المنحرفة عن سلطة التشريع الإسلامي(حسين مني وأنا من حسين) هنا تكمن قيمة ثورة الإمام الحسين .. كونها خرجت من تحت عباءة رسول الله وكسائه للوقوف بوجه الاستمرار باغتصاب هذه الصفة لأنه يؤدي إلى أن يكون الانقلاب التشريعي شرعي وما يشهده التاريخ وبشكلا ملموس هو ان اللحظة التي جرت فيها شهادة الأمام الحسين(ع) حصل الفصل وأصبحت الدولة الأموية حكومة ملوك حكام دنيويين لا يمثلون التشريع الإسلامي ومن المفارقات أن نرى المخالفين والأعداء أصبحوا يطلقون على مرحلة ما بعد الرسول (ص) عصر الخلفاء الراشدين وما تلاهم بالعهد الأموي ويمثل عندهم العهد الأول عهد تشريع إسلامي يؤخذ منه الأحكام بينما الغيت هذه الصفة عن العهد الذي تلاه وقد اطلق على عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس لقترابه برايهم من ذلك العصر وبالتالي فان اللحظة التي استشهد بها الامام الحسين (ع) شهدت سقوط الدولة الاموية سواء بقيت ثمانين سنة او ثمانية الالاف لان صفة التشريع خسرتها كغطاء للنحراف لذا نجد الامام الحسين (عليه السلام) سجل هذه اللحظة من خلال وصيتة لاخية محمد بن الحنفية(من لحق بي استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح) فبشهادتة مع اصحابه حصل الفتح والنصر وحفظت بيضة الاسلام وبالتالي بقاءه مبتعدا عن السلطان الجائر وبقي التاريخ يسجل في سيرته اسم فقيه السلطة لكل فقيه يقترب من السلطان واخذ المسلمين يبحثون عن احكامهم الاسلامية لدى العلماء لا لدى السلاطين وبذلك فان ثورة الامام الحسين (عليه السلام) كسرت الاطار الديني المزيف الذي أحاط الامويون به أنفسهم باعتبارهم خلفاء لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وفتحت الطريق امام الثورة على كل ظالم ومنحرف مهما تشدق كذبا بتمسكه بالاسلام , وأمدت – الثورة - الامه بالمعنويه اللازمه ونبهتها على الحضيض الذي هوت اليه برضوخها واستكانتها وذله
ثانياً القربان:
(خطّ الموت علي ولد ا´دم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافياشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيرٌ لي مصرع أنا لا قيه) أوضح الامام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء ومن خلال خطبه ان واجب الفصل ومنع استمرار اغتصاب سلطة التشريع لا يمكن ان تتحقق الا من خلال قيامه هو وشهادته هو بالذات بقولة(ما من ابن بنت نبي غيري) وبالتالي أثارهم بالتسأول (افتشكون اني ابن بنت نبيكم) وبالتالي فانه بذاته المقدسة يمثل النبي الاكرم(صل الله عليه واله) وكما قلنا سابقا انه ينطلق من عباءة الرسول (صل الله عليه واله)والجميع يدرك ذلك بضمنهم السلطة الاموية وغيرها من سلطات حتى قيل ان الامام الحسين(عليه السلام) عندما شاهد الخليفة الثاني على منبر الرسول(صل الله عليه واله)صاح به انزل عن منبر جدي فقال له أي والله انه جدك, لتكون النتيجة ان شهادتة هو بذاته تتحقق عملية الفصل المذكورة ليكون قربان البقاء للرسالة السماوية وسجلت هذه الشهادة السيدة زينب عليها السلام وهي تندفع نحو جسد أخيها وأمامها وهو مضرج بدم الشهادة لتضع يديها الطاهرتين تحت جسده الشريف لترفعه بجهد الكبرياء والنبالة، وهي تلقي بطرفها إلى السماء مخاطبة الباري تعالى في قولها: "اللهم تقبل منا هذا القربان" لتحقق تلك العلاقة العقائدية بين مطلق الإخلاص والولاء للعقيدة السماوية وبين تحقق مطلق الفعل بالاستشهاد التي تفجر ثورة التغيير والإصلاح امتدادا لرسالة الأنبياء والرسل والتي لا يمكن أن تسرق والنزاهة والصدق اكبر لوحاتها البارزة عنوانها(إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) وهذا القربان بينه(سلام الله عليه) لاصاحبة ليلة العاشر من محرم ان القوم لا يطلبون غيري ولو طلبوني شغلوا عن غيري ومن اجل زيادة ترسيخ مبدء الفصل وإزالة صفة التشريع من السلاطين على امتداد التاريخ قدم الأمام الحسين(عليه السلام) نوعين من القرابين
اولهم: اصحابه واهل بيته فكان يكثر من نداءه اثناء المعركة الا من ناصرا ينصرني فما فائدة كثرة الانصار اذا وجدنا ان استشهاد اول اصحابه الى اخرهم لم يوقف قتل الامام الحسين(عليه السلام) لنجد اننا يمكن ان نضع اطروحة انه سلام الله علية اراد زيادة سرعة وقاعدة ترسيخ المبدء الذي خرج به ليكونوا قرابين البقاء للرسالة ( لا والله حتى يختلط هذا الدم بدمائكم اهل البيت).
ثاني القرابين: هو عياله ففي الوقت الذي كان الواجب يقع عليه هو سلام الله عليه بالخصوص ولا يمكن ان يعطي قيام غيره نفس النتيجة نجد أن الواجب الذي يقع على عاتق عياله لا يمكن ان يقوم غيرهم به ولا يمكن ان يعطي نفس النتيجة(شاء الله أن يراهن سبايا) لان على راس العيال بنت فاطمة الزهراء وبنت النبي (عليهم الصلوات والسلام) ليحصل السقوط التام للدولة الأموية بوصول الركب إلى الشام لان رحلة السبي ثبتت الفصل من خلال ما كشفت من انقلاب للسلطة الغاصبة (أظننت أن بنا على الله هوانا) من خلال مجريات الرحلة وتخلي الحاكم الأموي العلني عن المبادئ الإسلامية وكون المتصدي هم أل الرسالة ومن خلال إيصال وترسيخ حركة الإمام الحسين(عليه السلام) بما طرحته خطب أل البيت(عليه السلام) خلال المسير ومأسية لان النتيجة وضحها الإمام الحسين(عليه السلام) وسيعوضعكم الله بأنواع النعم وادرك يزيد ان المشروع الاموي تلقى ضربته القاضية وانكشفت الاوراق عندما قال لاينزل الا بفضيحة ال سفيان وما ان خطب الامام السجاد (عليه السلام) الا وتم الاعلان عن سقوط الدولة الاموية .
ثالثاً شواهد التاريخ:
أدركت حركة بني العباس وهم الاخبر بحقائق ما جرى لذا توجهت لمحاولة الحصول على السلطة التشريعية من خلال أنشاء النقابة الطالبية والتي ضمت الفروع(الحسني والحسيني والعباسي) والشعار هو يالثارات الحسين للعودة إلى تلك النقطة بإعطاء السلطة لشخصيات دينية يمكن أن تصبغ السلطة بمباركة التشريع والسماح لها بان تكون مشرعة ولكن انسحاب الأمام الصادق (عليه السلام )ممثل الفرع الحسيني أدى إلى كشف زيف الدعوة مما ادعى إلى انقلابات دموية بين الثائرين الفرعين الحسني والعباسي ولقد أدرك المأمون هذا الفصل فقام بمحاولة استعادة تلك السلطة التشريعية عبر أجبار الأمام الرضا (عليه السلام) على ولاية العهد ألا أن شروط الإمام أفشلت هذه المحاولة مما دفعة إلى التوجه إلى خطوة أخرى بتشجيع تأسيس المذاهب المقابلة من خلال حصرها بتلك المذاهب ومنع تداول غيرها .
رابعا ادوارً:
ولقد تولى الائمة( عليهم السلام) وفي مقدمتهم الامام السجاد(عليه السلام) اكمال الحركة الثورية لسيد الشهداء ففي اللحظة التي استشهد الامام الحسين (عليه السلام) وادى واجبه بفصل السلطة التشريعة عن حكم السلاطين فلقد بادر على الفور بالحفاظ على هذا الفصل ولم يسمح لاي محاولة للالحاق اهداف حركة الامام الحسين(عليه السلام) بالثورات والتحركات والصراعات التي تنطلق اتجاه ظلم السلاطين وعلى هذا سار بقية ألائمة عليهم السلام وهذا مايفسر الهستيرية التي أصيب بها الحكام الأمويين والعباسيين إزاء الوجود المقدس لشخص ألائمة ويدفعهم إلى ارتكاب جريمة قتلهم بل ان الحاكم العباسي هارون كما تصف بعض الروايات يتجرىعلى ان يقوم بضرب الامام الكاظم (عليه السلام )بالسوط بنفسه للتعبير عن هستريته من عدم قدرته على امتلاك سلطة التشريع لان قوة سلطانه تبقى ريشة في مهب الريح وبذلك يكون الائمة ثوار حركة التصحيح الممثلين للشريعة الإسلامية التي هي مصدر قوة السلطة .
خامساًً حتمية العودة:
حتمية عودة السلطة التشريعة الإسلامية إلى الحكم يمكن اختصارها من خلال كثرة الأحاديث الواردة عن الرسول الأكرم(صل الله علية واله) واصفا الانحراف في الأمة الإسلامية ومن ثم حتمية العودة بالظهور المهدوي (ولو لم يبقى من الدنيا الا يوم واحد ) ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.