القيادة في الفكر الإسلامي-الشيخ عبد الحافظ البغدادي- البصرة

Mon, 12 Dec 2011 الساعة : 9:47

لا بد لكل دين سماوي, او ثورة تغييريه شاملة من منهج تسير عليه , ويحرص قادته في تحقيق أهدافه ضمن عملية التبليغ والتعبئة العامة, وبدون هذا النهج تضيع الأهداف وتتميع المبادئ ويتحول ذلك الدين او الثورة الى عملية ارتزاق , يصعب معه أقناع الشعب تبني أهدافهم والتضحية من اجلها, وتبدا حالة الانحسار ثم الاندثار , وكانت ثورة كربلاء بقيادة الإمام الحسين (ع) تسير بتخطيط ومنهجية دينية وسياسية تخطيطها ان تكون قيادة سرمدية تستمر مع اي شعب وفي أي وقت عندما تتكرر حالات الانهزام الاجتماعي مقابل الفرعنة والغطرسة التي يمارسها الطغاة ضد المستضعفين , وقد تمثلت بالحسين (ع) كل صفات القائد الرسالي , وبايعته الجماهير بيعة لم يشهد التاريخ مثلها في اي امة..!! .. فما هي الاسس التي يجب ان تكون في القائد ..؟ وهل تواجدت في الحسين وأهل بيته (ع) وكيف تجسدت صور القيادة يوم عاشوراء..؟؟
الصفة الأولى جذور وتاريخ القائد.. عملية الوصول إلى مركز القرار باتت قضية سهلة وميسرة , وطرقها عديدة يمكن أن يصل أي شخص ضمن عملية تخطيط وبحسابات دقيقة أن يكون قائدا, ولكن هل تصلح قيادته.؟ وهل تبايعه الجماهير قائدا سرمديا كما بايعت الحسين(ع) .؟ , إذ يمكن لمجموعة في الأنظمة الديمقراطية أن ينتخبوا شخصا لا أصل له كما يقولون , أو انه كان مجرما سفاكا للدماء كما يحدث الآن .. ويمكن لجماعة من قطاع الطرق السيطرة على مقاليد الحكم في انقلاب عسكري , وهؤلاء لا يحكمون الشعب وفق الرؤية الإسلامية حتما, والتاريخ الإسلامي يذكر لنا شخصيات كانوا يسيطرون تجاريا على مكة ووصلوا بطريقة وأخرى إلى أعلى قيادة دينية سياسيا, ولا زلنا نلعق جراحنا مما جنته أيديهم , لان الثورة أو القيادة لا تعطي البعد الأسري امتيازات وشرف , بل التاريخ يسجل كل حركة لأي عائلة بحروف الشرف أو بالصفحات السوداء بما مارسته تلك العائلة في تاريخها .... والحسين واحد من ذلك البيت الذي مدحه الله ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) ..عندما كتب عهده لأخيه محمد بن الحنفية فيه نص يخضع للنقاش اليوم , وهو هل إن الحسين (ع) جدير أن يكتب عبارة ( إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي) هذا كلام لا يمكن لأي قائد أن يقوله عدا الحسين(ع) فجده سيد الأنبياء محمد بن عبد الله (ص) وهو خاتمهم , وأبوه علي بن أبي طالب سيد الأوصياء وقسيم الجنة والنار , وأمه فاطمة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها, وعمه جعفر الشهيد الذي يطير بجناحين في الجنة مع الملائكة وخاله إبراهيم ابن رسول الله(ص) , ويتقاسم مع أخيه الحسن(ع) سيادة الجنة , ونزل بحقهم وفي بيتهم جبرائيل يتلوا آيات الله على جده بحقهم .. ( سورة الدهر والمباهلة والبيعة بالولاية والتصدق بالخاتم وبحديث الدار ) وغيرها .. هذا يعطيه مشروعية في عبارته [ لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله] هذا في الإطار النظري أما في الإطار العملي فان الإمام وجد نفسه مسئولا أمام الله لأداء هذه الفريضة..
الصفة الثانية : احترام العهود والمواثيق :.. الثورة ليست فوضى وانتقام وعدم احترام العهود والمواثيق, والفوضى لو وجدت في أي قائد فان ثقة الجماهير ولو بعد حين تتزعزع ولا تتغلغل في العمق الشعبي, ومعاوية بن أبي سفيان كان نموذجا سيئا في التاريخ كله , عندما نكث عهده مع الإمام الحسن(ع) قال: ( ألا إن كل شرط أعطيته للحسن بن علي فاني أضعه تحت قدمي ) هذا هو الأسلوب الميكافيلي بعينه, بينما نرى الحسين (ع) وأصحابه أعطوا العهود حق رعايتها لان الحسين وثورته تحترم نفسها , مرة عندما كتب شيعة العراق بعد شهادة الإمام الحسن (ع) للحسين(ع) إنهم ينقضون بيعتهم لمعاوية , وحاولوا أن يحملوه على إلغاء المعاهدة التي وقعت بين الحسن والحسين من جانب وبين معاوية, وهذه دعوة لو أراد استغلالها في خلع معاوية خاصة إن الطرف الآخر لم يلتزم بها مطلقا , فامتنع وذكر لهم أن بينه وبين معاوية عقدا لا يمكن أن ينقضه حتى تمضي المدة , فان مات معاوية نظر في ذلك..
وموقف آخر يعطي صورة ناصعة لموقفه من العهود, عندما جعجع به الحر بن يزيد الرياحي ومنعه دخول الكوفة وعدم التوجه في بلاد الله العريضة , ووصلت أليه أخبار شهادة مسلم بن عقيل وغدر الكوفيين له وقتلهم هاني بن عروة , وسجن أربعة آلاف رجل موالي للحسين في سجون ابن زياد, في تلك اللحظة سدت الأبواب جميعا بوجه الحسين , وأصبح الموقف السياسي والعسكري غير مشجع , في تلك الأجواء زاره يوم الرابع من محرم الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي وعرض عليه أن يصحبه إلى اليمن وهناك يضمن له ولاء عشيرته بنحو عشرة آلاف سيف , إضافة إلى جغرافية الأرض التي وصفها الطرماح , منعتنا من الأبيض والأسود, ولم يتمكن منا النعمان بن المنذر عندما حاربناه, يعني ارض وعرة جدا.. فأجابه الحسين (ع) [ آمنك الله يوم الفزع الأكبر] ثم قال له: إن بيني وبين القوم (قول) وهي الكلمة التي اتفق بها مع الحر أن يرسل رسالة إلى ابن زياد ليرى فيهم رأيه.. هذا الموقف كلفه كثيرا.. دمه وحياته وكرامته وأصحابه.. ولكن التاريخ كتب ذلك الموقف بحروف من ذهب لأنه موقف من الكلمة والعهود , هذه صفة القيادة الإسلامية وموقفها من المجتمع ..
الصفة الثالثة العدالة والحب المتبادل بين القائد والجماهير: هذه الصفة لا تتحقق إلا في القادة الأوفياء, فكثير من القادة عندما ينزاحون من كراسيهم التي يعتبرونها ملكا لأسرهم , وعلى الجماهير أن تصفق وتزغرد لهم وتعلن حبها وأنهم مشاريع للشهادة من اجلهم , القادة الفاشلون لا يهمهم ما في قلوب الناس من كره لأنهم يحيطون أنفسهم بكتلة محترفي القتل المرتزقة تحميهم وتنفذ أوامرهم بقتل الناس, أما الحسين النموذج الإسلامي الذي قدم ولده الأكبر قبل أي مقاتل هاشمي , والأصل أراد تقديم الهاشميين على الأنصار في قصة معروفة, ثم يوزع حبه الكبير لكل الناس حتى أعدائه ..!!!! حين بكى عليهم ويقول لأخته زينب ابكي لأجلهم لأنهم سيدخلون النار بسببي , أما أصحابه فقد رسموا لوحة ليس في التاريخ أروع منها, هذا مسلم بن عوسجة يوصي حبيب بن مظاهر في آخر لحظة من حياته .. أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين , أن تموت دونه..!! وواضح التركي الذي وضع الحسين خده على خده , ينسى جراحاته ودمائه التي تنزف ولا يحس بألم الضرب , يبتسم ويقول من مثلي وابن رسول الله واضع خده على خدي.. وتلك المرأة التي قتل زوجها في الحملة الأولى ولم يبقى لها في الدنيا سوى ولد واحد ترى الدنيا من خلاله وترى ذاتها فيه, تشد حمائل سيفه وتقول اذهب وقاتل بين يدي ابن رسول الله لتنال الشهادة ..!! وزوجة علي بن مظاهر التي أراد زوجها أن يخرجها وينقلها لأهلها قبل المعركة , فقالت والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر , انتم تنصرون الرجال ونحن ننصر النساء لن اترك زينب ولن اترك الحسين ... هذا جزء من سيرة القائد الإسلامي الحسين بن علي , ولأجله بايعته الجماهير قائدا وإماما قبل شهادته وبعدها ... وستبقى تردد للقائد.. ابد والله ما ننسى حسيناه....

الشيخ
عبد الحافظ البغدادي
15 محرم 1433

 

Share |