المندائيون محتارون بين الهروب خارج الوطن او التمسك بالأرض ومجابهة الإرهاب

Sun, 22 May 2011 الساعة : 9:15

وكالات:

في منطقة جزيرة الاعراس وعلى ضفاف نهر دجلة الخير  كانت الجموع المحتفلة من الطائفة المندائية بعيد التعميد الذهبي ( دهفة ديمانة ) تمارس طقوسها الدينية في ذكرى تعميد النبي يحيى التي جرت في نهر الاردن قبل الاف السنين .
ابناء الطائفة  يحتفلون بهذه الذكرى كل عام وهم يتطلعون الى اعادة الاستقرار في العراق يجنبهم خيار الغربة والهروب خارج الوطن بعيداً عن شبح الارهاب  , الذي استهدف كل العراقيين وضمن مخطط خبيث لافراغ العراق من مكوناته  . المهم ان المندائيين يعتبرون هذا العيد عيدا قوميا ودينيا ، وهو واحد من اربعة اعياد يحتفل بها ابناء الطائفة الذين يعتبرون اول الموحدين منذ زمن نبينا الكريم ادم ابو البشرية..

 جزيرة الاعراس
من تلك الجزيرة الساحرة المطلة على نهر دجلة الخير كانت لنا هذه الوقفة لنقل احتفالات ابناء الطائفة المندائية حيث التقينا شيخ الطائفة ستار الحلو الذي كان يرتدي الزي الديني الابيض المكون من خمس قطع بيضاء وهو يردد بوثا خاصة (سورة) من كتاب كنزا ربى ( الكتاب المقدس ) للطائفة و يقول : ( باسم الهي العظيم انا ( ... ) صبائتي بالنبي ابراهيم الكبير ، ان تزكيني وتصعدني الى العلا ) ويشرح لنا الشيخ الحلو طريقة التعميد وهي ان  يغطس المصلي  بالماء  ثلاث مرات ،بحيث يمر من على الراس ، على ان يكون المتعمد نظيفا جسديا وروحيا ، ثم يمسح جسم المتعمد بزيت السمسم المقدس  وهو شعار الاديان القديمة . وعن بعض تاريخ الطائفة حدثنا قائلاً :
- تسكن الطائفة المندائية في بغداد وفي المنطقة الجنوبية من العراق وحيثما وجدت الانهار لان طقوسهم تعتمد على مياه الانهار الجارية ، وهم من اقدم الاقوام الموحدة التي سكنت العراق ولغتهم المندائية من اللغات السامية وتعود الى اللغة الارامية الام ، مشيراً الى ان عدد الطائفة لا يمكن تحديده فهو لم يتجاوز بعد المليون ونصف، وان غالبية الصابئة المندائيين يمتهنون مهنة الصياغة لانها تحتاج الى الدقة والصبرالى جانب الفن ، وهذا لا يعني عدم  بروز العلماء والشعراء والمثقفين من ابناء هذه الطائفة .
-  اما عن الحياة الاجتماعية التي يعيشها ابناء الطائفة فقد اكد الشيخ الحلو انهم يعيشون بسلام واطمئنان مع اخوتهم من باقي الاديان والقوميات التي تشكل نسيج الطيف العراقي الذي بدونه لا يمكن ان يكون هذا الشعب الذي نطلق عليه بشعب وادي الرافدين ،  وكان وهو يحدثنا يمسك بغصن من ورق الياس الاخضر ، وعندما سالناه عن اهمية تلك الاغصان التي يحرص المتعمدون على رفعها والغطس بها اشار الى ان هذه الاغصان تعني السلام والمحبة وعودة الروح الى الجسم ، انها تعني الحياة بكل الوانها ومباهجها .
وكانت اقراص من الطين المجفف المخلوط ب( التبن ) وهي بمختلف الاحجام تتناثر بين الجموع على الدكات وقد وضع عليها قطع ( فردة ) التمرالمغطى بمادة السمسم وكذلك السكر التي قالت عنها احدى السيدات التي كانت ترتدي ملابس التعميد الخاصة اننا نقوم بوضع الطعام على  هذه الاقراص المصنوعة من الطين المفخورالذي يسمى ( طريانة ) اوهي اشبه بالـ( صينية ) وهي مستخدمة منذ زمن النبي يحيى عليه السلام .
ويستعرض الشيخ انمار عودة مهاوي الذي يحمل درجة ( تلميذ ) وهي اولى الدرجات في سلم المشيخة للطائفة  وهو طالب في كلية الاداب ، الجامعة المستنصرية / فرع التاريخ وعمره 23 سنة وهو اصغر المشايخ التي حضرت الى جزيرة الاعراس التي تقام فيها هذه الطقوس ، الاعياد الخاصة وهي  اربعة:
- عيد الخليقة ويسمى ايضا بعيد الكرصة حيث يبقى ابناء الطائفة في بيوتهم لا يبرحونها لمدة خمسة ايام وهي المدة التي خلق الله بها الارض بعد الطوفان
- عيد  التعميد الذهبي  ومدته يوم واحد ويكون في العادة عطلة رسمية لجميع ابناء الطائفة
- العيد الكبير
- العيد الصغير
ويوضح ان التقويم المعتمد للطائفة هو التقويم الشرقي والسنة تبدأ في شهر شباط حسب التقويم المندائي الموافق شهر تموز وفق التقويم العربي ، وان عدد ايام السنة  360 يوما مطروح منها مدة عيد (الكرصة)  البالغة خمسة ايام اذ ان هذه الايام الخمسة غير محسوبة من عمر الفرد المندائي . وعن عيد التعميد الذهبي يشير الشيخ انمار الى انه يتوجب على الشخص المندائي ان يزاوله بعد شهر من عمره الى نهاية عمر الفرد ، على ان يقوم به كلما استطاع الى ذلك سبيلا ، وهو احياء ذكرى تعميد السيد المسيح من قبل يوحنا المعمدان ، وتاتي اهمية التعميد كون الفرد قد انتمى الى الديانة المندائية واصبح فردا صالحا فيها فالتعميد يعني اعتراف بوحدانية الخالق ومزاولة الصلاة الواجبة وهي ثلاث مرات في اليوم ، ودفع الصدقة و الزكاة .

 معاناة الغربة وأسبابها
رغم ان الاخوة المندائيين قد جاء ذكرهم في بنود و فقرات  شريعة حمورابي القديمة الا ان عددهم ما زال قليلا بالقياس الى عدد الطوائف الاخرى في بلاد وادي الرافدين ، وقد حدد احد مشايخ الطائفة الذي رفض ذكر اسمه السبب فقال :
سبب قلة عددنا هو ان الزواج منحصر بالطائفة فقط ، كما ان لدينا شروطا وقيودا كبيرة في ديانتا تمنع التكاثر وتحد من الانتشار ، ويتحدث بالم عن ما تعرض له ابناء الطائفة من عمليات ارهابية خاصة الصاغة منهم، لذا فهم  يشعرون بعدم الارتياح بل ان حالة القلق هي السائدة بسبب استهدافهم من عصابات الارهاب , لذا فقد  هاجر عدد كبير منهم وبالاخص الصاغة الى ارض الله الواسعة وتشهد قارة استراليا تواجد الكثير من المغتربين من ابناء الطائفة وتاتي المانيا بالدرجة الثانية ثم السويد .
 ويشير الشيخ الى  ان الهجرة قد بدأت منذ حروب صدام وليس فقط الان ، لكنها الان زادت إثر الاحداث الاخيرة التي شهدها ابناء الطائفة والتي كان اخرها استهداف الصاغة في منطقة القاهرة في قضاء الاعظمية ،حيث قتل عدد من الصاغة هناك ، وما زال ابناء الطائفة غير مستقرين في بلدهم العر اق ، مع ان الغربة قاسية حيث اعتاد المندائيون العيش على ضفاف الانهار وهذا غير متوفر في الدول الاوربية الا ما ندر .
سعدي الحلو المغترب في المانيا جاء من اجل التعميد في  هذا العيد يقول:  اعمل صائغا وقد غادرت العراق قبل ثلاث سنوات مرغما لان الظرف الامني غير مستتب ، وافضل العودة النهائية الى بلدي العراق . وعن عمله يقول انه يعمل صائغا ويرى ان هذه المهنة تهدد حياة الطائفة لذلك فقد هجرها الغالبية ، كما هاجر البعض الاخر من الصاغة المشهورين في بغداد العاصمة بعد ان تم استهدافهم ، ويجد الحلو ان الارهاب لا يفرق بين الطوائف والاديان فقد عانى من ارهاب كل الطوائف بما فيها المسلمين , لكن بسبب كونهم قلة فقد وجدوا انفسهم مضطرين للهرب الى الخارج.
احدى المندائيات كانت ترتدي الملابس البيضاء الخاصة بالتعميد وكانت قد خرجت توا من نهر دجلة سالناها هل ترى ان ماء النهر نظيف بما فيه الكفاية ( كان ماء النهر متسخا وقد كانت بعض الاوساخ ما زالت طافية فيه) اشارت الى ان الغطس في الماء ما هو الا طقس من طقوس الدين الصابئي المندائي . و اضافت السيدة وهي تخشى ذكر اسمها  انها معلمة وغير متزوجة وانها الوحيدة الباقية من اهلها بعد ان هاجر الجميع الى السويد ، لكنها تحب بلدها العراق ولا تريد ان تغادره، فالغربة على حد قولها قاسية . في العيد التقينا بعض النساء وبأياديهن ( ملزمة ) كتب فيها كلام غير عربي وبلغة مندائية قالت احداهن  انه بعض من كتاب ( كنزا ربا ) الكنز العظيم الذي يعود تاريخه الى عهد النبي ادم وفيه بعض من تعاليم نبي البشرية النبي ادم عليه السلام الذي تجله وتحترمه كل الاديان السماوية وتنحصر تعاليمه في تكريس الفضيلة والصدق والعمل الشريف الذي يرضي الله ،الى جانب عدم الاشراك به ، وقالت السيدة انها قادمة من دمشق بعد هجرة قسرية بسبب الظروف الامنية التي تشهدها البلاد ، وقالت سيدة اخرى انها تسكن عمان بعد ان غادرته هي وزوجها واطفالها الاربعة بعد مقتل الصاغة في الطوبجي ، ذلك لان زوجها صائغ هو الاخر، لذلك يخشى العودة وقد غادروا بغداد قبل ثلاث سنوات ويسعون الان لتدبير امر العودة مجددا بعد ان سمعوا بتحسن الوضع الامني . سيدة اخرى كانت قد هاجرت هي الاخرى الى السويد سألتني عما اذا انصحها بالعودة الى وطنها العراق ، وقد مسحت السيدة بردائها الابيض دمعة حملت حزنها لفراق الوطن ، وهي تقول ( انتم الصحافة اكثر الناس معرفة بامور الامن ، هل تنصحيني بالعودة ) ،  وقفت حائرة عن اجابتها ونصحها وهي التي تعيش في السويد ،  لكن النساء اللواتي وجدن الصعوبة في ذكر اسمائهن اجمعن على انه رغم الخوف من الارهاب فان الغربة امر لا يحتمل وانهم جميعا مرغمون على ترك العراق بعد الاحتقان الطائفي الذي نال من الجميع بدون استثناء ويظل الجواب والنصيحة حائرة تبحث لها عن شيء حقيقي  ،لا تضليل فيه ولا مبالغة  لكني مثلهن لا املك الا الدعاء  بعودة الطمأنينة الى القلوب الخائفة الوجلة وان يعم السلام مدينة السلام ، انها امنيات هللت لها النسوة الباحثات عن الجواب الشافي ..
وختاما غادرنا ضفاف دجلة الخير وتلك الطقوس التي نقلتنا الى حقب تاريخية موغلة في القدم ،   مع مكون اساسي من ابناء الطائفة المندائية  فهم سكنة العراق القديم منذ عهد النبي ابراهيم الخليل الذي عاش في العهد السومري في بلاد ما بين النهرين وفي مدينة اور بالذات مهبط الالهام الاول ومنبع الحضارات.

المصدر:المدى

Share |