ثقافة الصمود في الثورة الحسينية-جواد كاظم الخالصي

Fri, 9 Dec 2011 الساعة : 23:44

منذ أن قامت ثورة الإمام الحسين(ع) قبل ما يقارب 1400 سنة وما زالت تتقد هذه الثورة على مر العصور حيث تتجدد حالة الوعي والفكر الثوري الثاقب لتكون الشعاع الذي ينير درب الثائرين ليجعل منهم رجالا يصرّون على مبدأ الحرية وبعنوانها العريض في واقع التصدي ضد حكام الجور والطاغوت الذين يُمسكون بعصا الحكم ويضعون شعوبهم تحت القهر والحرمان.
فالحسين (ع) عندما تحرك بثورته العملاقة بوجه الظلم والطغيان ذلك العنوان الذي يمثله آنذاك الحاكم الأموي في بلاد الشام يزيد بن معاوية كان هناك عدة أمور وثوابت حقيقية خرجت بالأمة الإسلامية عن جادة الصواب منها البدء بتحريف الرسالة السماوية التي جاء بها جده الرسول(ص) والتي تعتبر هي الدستور الأساس في قيادة الأمة وتوازنها والأمر الثاني هو قيام السلطات الحاكمة في الشام بقتل وتشريد المؤمنين الذي رفضوا تسلّم الخلافة بالشكل الوراثي الذي قام به معاوية عندما سلمها إلى ابنه يزيد ليتحكم بأمة الاسلام شخصا فاسقا شاربا للخمر ويحلّ حرام الله ويحرّم حلال الله ومثل هكذا إنسان لا يمكن أن يبايعه عامة الناس!! فكيف بإمام  وبابن إمام وابن بنت رسول الله ، فهذه العوامل وعوامل أخرى كانت ممّهدة وقاعدة أساسية لقيام الثورة مستخدما السيف بعد أن كانت قد بدأت ثورته سلمية بما يقارب العشر سنوات من أجل نصرة المظلوم وإبعاد الأمة ودينها وحضارتها عن الانحراف الفكري والانغماس قي قاع الدنيوية الذي أّفرغ من جميع مبادئ المثل الإنسانية العليا.
الإمام الحسين (ع) ومنذ بدء الثورة الفعلي عسكريا على أرض كربلاء كان خطابه واضحا إلى جميع من معه ووقف خلفه يناصرونه حاملين أرواحهم على أكفهم عارفين بمصيرهم أنهم سيفارقون الدنيا تاركين خلفهم أهلهم وأطفالهم يشقّون طريقهم لوحدهم في الحياة ، حيث كان خطاب الإمام لهم واضحا عندما قال (( أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعا خيرا ، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، ألا وإني قد رأيت لكم ، فانطلقوا جميعا في حلّ ، ليس عليكم مني ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وليأخذ كل رجل بيد رجل من أهل بيتي ، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم، حتى يفرّج الله ،فإن القوم إنما يطلبونني، فلو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.)) من هنا حدّد لهم الامام (ع) كقائد لثورة تصحيحية بأن الموت واقع عليهم  غدا وعرّفهم موضحا أن الواقع الذي يحكم هذه الثورة والمعركة ونتائجها تبدأ باستشهادهم ولن ينتهي إشعاع دمائهم  طالما سيبقى الدين ورسالة جده خالدة إلى يوم القيامة وقد كان جوابهم اليه أنهم أبوْ ذلك ورفضوا التخلي عنه وعن مبدأ الثورة التي جاء من أجلها قاطعا المدن والصحاري، وهذا التجلي من الصمود الذي رافق أصحاب الإمام وأهل بيته في واقعة كربلاء لم ولن ينتهي طالما كان هنالك يوما آخر في هذه الدنيا لأن بقاء مسيرة الحق تقابلها مسيرة الباطل وفي كل زمان ومكان نجد أن الخط الأموي التكفيري قائم ويتحرك بشكل متوازٍ بتحرك ذكرى ونهج الإمام الحسين (ع) ولا يزال هذا الصمود قائما ومستمرا منذ استشهاده والى اليوم فمهما حورب الذين يوالون الإمام الحسين ومُنعوا من زيارته تحت إرهاب القتل والذبح وقطع الأيدي والأرجل يبقى ذلك الصمود الحسيني الذي تعلمه من أحب الإمام الحسين(ع) بكل صدق واخلاص ووعي حقيقي حتى يومنا هذا قائما كما  هو معهود اليوم في العراق رغم الإرهاب الأموي بخطه الناصبي الوهابي الذي يقتل ويفجر في كل مكان يقام فيه الإحياء لذكرى هذا الإمام وثورته العارمة على مر العصور ، فرغم معرفتهم بأنهم معرّضون للموت والقتل الذي يواجهونه لكنهم يتحدون هذا الخطر الزاحف إليهم في أي وقت وأي مكان ويسيرون في ركب هذه الثورة ، وما حدث في السنين الماضية في كربلاء والنجف والكاظمية وبعض المناطق الأخرى في العراق ودول أخرى تحتضن ذكرى هذه الثورة من تفجير وتفخيخ وقتل واعتداء وكذلك ما حصل هذا العام أول أيام محرم من تفجيرات اجرامية  في محافظة البصرة جنوبي العراقي خلال التحضيرات لهذه الذكرى لهو دليل على أن الخطاب الذي وجهه الإمام الحسين(ع) يبقى في عقول وقلوب المناصرين لثورته التي علّمت حتى غير المسلمين كيف يقودوا مجتمعاتهم كما قال أحد كبار قساوسة المسيحية في العالم مخاطبا البشرية(( لو كان لنا نحن أبناء المسيحية كالإمام الحسين لاستطعنا أن نُنصّر العالم كله تحت رايته )) .
إذن النداء الذي أطلقه الإمام الحسين(ع) وإعلام أتباعه بمصيرهم وقبولهم بذلك كان نداء ليس آنيا في وقته وليس لزمن معين دون غيره وإنما كان هذا النداء يخترق العصور التي مرت على مدى القرون الطويلة من الزمن ولا زال هذا الاصرار وسيستمر إلى يوم القيامة دون أن يقف في مرحلة زمنية معينة أو مكان معين أو على جيل بذاته لتبقى ثقافة الصمود هي العنوان الرئيسي التي أسس لها الإمام الحسين (ع) في ثورته على الطغاة.          

Share |