أنصار الإمام الحسين(ع) -حسين البعاج

Tue, 6 Dec 2011 الساعة : 22:25

 والشعائر الدينية والاجتماعية عبارة عن عادات وتقاليد مكتسبة منذ القدم وموجودة في كل بلدان المعمورة ولذا يمكن ان توجد عدة طقوس وعدة شعائر في بلد واحد إن كان يوجد فيه أكثر من دين أو مذهب، وان تمارس شعوب هذه البلدان طقوسها وشعائرها بحرية تامة وبصدور متسعة دون خوف أو خجل، والعراق إحدى الدول التي تمتلك شعائر وطقوسا بعضها مرتبط بأسباب سياسية والآخر مرتبط بأسباب سياسية دينية مشتركة.
وقسم منها له جذور دينية خالصة وقسم هو ليس أكثر من عادات اجتماعية مكتسبة بعيدة عن هذا وذاك، والشعائر الحسينية التي مارسها العراقيون منذ ما يزيد على الألف وثلاثمائة سنة وخلال أعتى الفترات السياسية والدموية بدءاً من الأمويين ومروراً بالعباسيين وانتهاء بالنظام الصدامي ، فالقضية الحسينية لم تقتصر على بقعة محددة من الأرض أو فترة معينة من الزمن بل كانت قضية إنسانية في كل العصور، لان اتخاذ الحسين(ع) قرار تحدي الظلم والقيام بثورة ضد الجبروت قد أعاد للإنسان كرامته المهدورة وللإسلام قيمته فأصبحت ثورته نقطة انطلاق للكثير من الثورات ضد الظلم والطغيان، ولذا ومنذ ذلك اليوم ولأهميته في التاريخ الإسلامي فقد بدأت الشعائر الحسينية التي لم تقتصر على العراق وكربلاء أرض الطفوف التي جرت على أرضها هذه الملحمة الخالدة بل تعدتها الى الكثير من البلدان العربية والإسلامية.
ومن هذا المنطلق جاءت الشعائر الحسينية وطقوسها الحسّية المادية التي تصوّر لنا قضية الحسين ومعركته ومبادئه فتصورها لنا تصويرا تمثيليا حتى تقترب من أذهاننا وتفكيرنا فنؤمن بها ونتفاعل ونتجاوب معها، وهذا هو السر والمغزى في الشعائر الحسينية لتكون مظهراً للجزع أو للفداء أو للاحتجاج أيضا، فمثلا الإنسان عندما يلطم على صدره يعتبر هذا اللطم رمزا لعدة قضايا كالجزع إذا تأثّر بمصيبة معينة فيظهر هذا التأثّر على جسده ويلطم على صدره أو رأسه أو وجهه، كما قد يرمز اللطم على الصدر إلى الفداء كأن الذي يلطم على صدره يريد أن يقول إنّ صدري فداء لصدر الحسين.

فيما يمكن ان يأخذ اللطم رمزاً للاحتجاج حيث لم تقترف الأمة جريمة أكبر من جريمة عاشوراء التي فيها أبيدت عترة النبي المصطفى (ص) فيكون الاحتجاج على تلك الجريمة الشنعاء وأمثالها من الجرائم في حق الإنسانية.

وبما ان الشعائر الحسينية هي بالأساس حالة عزاء كبير وبكاء ونواح لما جرى في كربلاء ، ورغم انها اتخذت صورا وأشكالا متنوعة لكن الحقيقة ان هذه الشعائر والمراسم التي تنظم عادة من قبل الهيئات الحسينية أو ما تسمى (المواكب الحسينية) هي الضمان الحقيقي لبقاء الثورة الحسينية حيّة وخالدة في أذهان الأمة لأن هذه الثورة جاءت لتكشف القناع المزيف والمخادع الذي كان ولا يزال يستخدمه الطاغوت أينما كان على مدى العصور السابقة واللاحقة وإظهار الوجه الحقيقي للإسلام وانتشال المسلمين من الجور والظلم فبُنيت الثورة الحسينية على مقومات أساسية من أهمها الدور الإعلامي الذي ضمن بقاء الدم الحسيني الطاهر يرسم خطوط الحرية على مرّ العصور دون تزييف.

ونجد من بين أشكال الشعائر هناك مواكب المعزين المتشحين بالسواد والحاملين (زناجيلهم) وهم يلطمون بإيقاع مرافق لإيقاع القصيدة الحسينية المصاحبة لهم مع الطبول الكبيرة والصنجات، هذه المواكب باتت تقليداً ثابتاً وثقافة استمدت جذورها من وهج واقعة الطف فأصبحت رمزاً للتحدي ومناراً للصمود ودروساً عطرة في الإنسانية والسمو بها.

الزنجيل بحد ذاته هو أداة تستخدم لحبس وسجن الأفراد في سجون الظالمين منذ عصور قديمة وفي حضارات مختلفة إلا ان أنصار الإمام الحسين(ع) وثورته الجهادية استخدموه رمزاً لرفض الظلم والاضطهاد وأداة للتعبير عن استنكارهم لكل ظالم وجائر وهم يضربون ظهورهم بالزنجيل تعبيراً عن رفض قمع الحرية وأصواتها حينما يستخدم ضد الأحرار والمطالبين بحقوق وحريات إنسانية أو تعديل لنهج الحاكم الجائر كما انه يعبر عن إرادة الأمة في وقوفها بوجه الظلم ومحاولات إخضاعها بالقوة والطغيان لإسكاتها عند سلبها استقلالها وحريتها وكرامتها.

فالمواكب الحسينية بمسيرتها الراجلة والمنتشرة في كل بقاع الدول الإسلامية حزنا على ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة هي بالضبط أشبه بمظاهرة سلمية ومسيرة جماهيرية حاشدة يمكن رؤيتها في أية دولة في العالم تخرج تظاهراُ للمطالبة ببعض حقوقها ، لكن تظاهرات عزاء الحسين أكبر وأوسع وأشمل وأنقى وأكثرها تنظيما وخلودا وعراقة وامتدادا تأريخيا.

كذلك نجد هناك معلم آخر مهم من معالم هذه المواكب وعبر استخدام فن (التشابيه) لتجسيد الأحداث العسكرية والمعارك التي جرت في واقعة الطف والحوار وأساليب الإقناع وإلقاء الخطب من الطرفين بشكل يصور وينقل لنا تلك الأحداث تصويرا متقنا ونقلا واقعيا دقيقا، هذا الفن الذي هو عبارة عن فن مسرحي تمثيلي يجسده أبطاله لتصوير قصة أو رواية معينة يحيك كلماتها كاتب ويترجمها مترجم متمرس ومحترف على شكل لقطات فنية وبوجود معدات ووسائل وتقنيات وجميع أركان العمل المسرحي، ورغم قلة وجود تلك التقنيات في مسرح التشابيه إلا ان القائمين عليها بدؤوا خلال السنوات العشر الماضية بإتقانها بشكل كبير وأحيانا بمساعدة مسرحيين مختصين أو أكاديميين، ولتصبح المواكب أهم سمة من سمات العزاء الحسيني وصفة خاصة بشهر محرم الحرام وتقليدا مهما لا يمكن تجاوزه في مراسم عاشوراء، ولن نتمكن ان نقول ان هناك محرم دون وجود المواكب والزنجيل والسرادق والسواد والرايات واللافتات وغيرها.
 

Share |