تواشيح عاشورا ..!-نعيم عبد مهلهل

Sun, 4 Dec 2011 الساعة : 12:42

1
لأني أدرك أن دمعتي شرق بلوتي صنعت لوجودي بكاء هو نصف حضارته. وعندما نبتسم ، الباكي الذي فينا يقول : لاتطيلوا الابتسامة كثيرا فأنا في أنتظاركم . فصرت أعرف تماما تفاصيل كل مآسينا التي وشمت جسد التأريخ بمئات المشاهد التي يتسيدُ فيها الظلم والسيف والقسوة والسبي .فتسكننا مشاهد الازمنة البعيدة .النبي الذي تثقبُ مسامير الخشب جسده المصلوب ، موسى الآتي من تيه سيناء يتوكأ على عصاه ويلج البحر بحثاً عن امان شعب لايأتمنه ...نبي مكة شُجَ رأسه بحجر وتحمل الاذى ووعورة ورهبة الطريق بين مكة ويثرب ..ايوب المبتلى بقروح جسده ويونس المرتعش في ظلمة بطن الحوت .الحسين المتأمل هجير فجيعة موت اهله وعطش عياله والمحاصر بآلاف وكل من معه نحرهم سهم حرملة وسيف الشمر ولم يبق معه سوى اخته الحوراء فيناجيها : أما للمقام علينا حرمة نكسبها من قداسة اصلنا ورحمنا النبوي .فترد عليه : بلا . ولكن العزاء عزاء.....!
محنة لتأريخ من أسى ما كان ويكون . فقراء وشعراء وشهداء كلهم يجمعون شجن الوجود القديم والجديد ، أمس كان السيف والمقصلة واليوم هي الدبابة وكاتم الصوت والحزام الناسف وحبال المشانق ، مالذي تغير فالمشاعر ذاتها تواكبنا بهجير عاطفتنا القلقة حتى لنحس إننا خُلقنا لنبكي لا لنقول للحديقة جئنا لنبتسم ونشم الورد ، مأدلجون لحزن القصيدة والعبارة والحلم . حتى في قبلة الشفاه تمارس مشاعرنا رهبتها الخائفة حين تريد أن تستكمل نشوتها وكأننا في الشرق لا نمارس متعة الروح والجسد إلا والخوف يلازمنا كما الطاقة الخفية فينا تشحننا بالنحيب وتروينا بدموعها وعقدها والملامح البائسة والقدر المصنوع بحسابات الغيب والتضرع الى قباب الذهب واضرحة اولياءها فيسكنا مع كل هذا التراث هول من التفكير والقلق والكبت .فيأتي تراثنا عميقا وموسيقيا وممتلئ بوجع فجيعة ما تعرضنا له من ظلم ولاة قساة وعمائم لخلفاء النزوة والخمر وجنرلات حروب الكرامة المهدورة في مجاري المياه الآسنة لخديعة إننا من وصل للصين وسمر قند فعلينا ان نعيد الكَرةَ ثانية ولكن لنجرب بإخواننا وجيراننا اولا.
هي العقدة الشرقية اذن كل انفعالتها هي اناشيد السيوف وملامح البطش واهازيج شعراء خديعة الاعتذار لما كان ولم يزل باقيا نحن الذين ولدنا في شريعة التدجين والتهجين وخيار أما أن تجوع أو تموت أو تصفق..!
يوم علقوا الحلاج على خشبتي الصلب تخيلت حوارا اظنه آتٍ من لسان حال المتصوف عندما قالوا له : ماذا ترى...؟
قال : الذي أراه في كل مرة ...ولكن هذه المرة أتقبله ببهجة الدمعة .عندما المي يختفي بين نظراتكم وجسدي يتشقق في بوح سعادة قسوتكم .فأشتعل بناري ولكنها نارٌ موقدها الحبيب فشتان بين حزني وسعادتكم . انا اطير وانت هابطون الى الحفرة عميقة لاقرار لها .
تاريخنا ممتلئ بتواشيح بحة الحنجرة في آساها الأزلي .
آدم بكى لأن الأخ قتل اخيه ...ابراهيم بكى لانه ينبغي أن يذبح ولده اسماعيل . ونوح نَحبَ كثيرا لأن ولده رفض الصعود الى سفينة النجاة .وهكذا هو الموقف الدرامي يتوارثنا بلحن التواشيح وايقاعتها ، يستبقنا حزن ويتعثر في خطواتنا حزن وحتى في رسائل الغرام اجنحة الحزن ورقة الكلمات في شحيح المناجاة هي من نريد ان نجعل فيها قلب الانثى يخفق اكثر...!
2
تواشيح عاشورا ....
أيقونة كل عام .ننتحب ، نتحاور بأبجدية البكاء والنعاء والحداء والأشتهاء. وهناك الحسين مضجرا بوحدته لفقدان أهله وفي الليلة العاشرة يسكنه جبروت الروح وتتسع في مساحات عينيه أرث الأمامة والمصير .وكما صوت السماء في رعدها يقول : ياسيوف خذيني......!
أخذته السيوف ....
يا عيني عليك يا أبا عبد الله ...
امي تقول : لايشفيني من عماي سوى دمعتي على ابي عبد الله الحسين....!
3
لقد كنت متيمكم في العشق وفي الظنون ...
لقد ورثتم مشاعري قبل أن تورثني عصا المعلم الدار والدور والنار والنور والبعير الذي على التل.
دشاديشنا ممزقة .
واليسار الجميل يعلمنا طرائق الشوق الى الاشتراكية واحلام هوشي منه وراقصة البولشوي تحرك فينا غرام القصائد .وعيون الممثلاث وسعال اباءنا والصباح الفقير على سقف بيت من الطين .
هناك كانت كل اساطيرنا ..
ومعها الحسين رايته خضراء ودمعته لامعة كما الماس على تاج أمي المذهب...!
4
تواشيح عاشورا...
كل عام يطير الحمام على المواكب.
تختفي فيروز وام كلثوم وسليمة مراد ويظهر عذوبة صوت باسم الكربلائي .
لكنني انا والكتاب الماركسي وفقه المذاهب الاربع لأسد حيدر اعود لأجمل ما سمعت من مراثي الحسين لرادود اسمه وطن وفي رائعة يقول فيها : آنه أم البنين ودهري ذبني ...حقي لو صحت يحسين يبني ....!

المانيا / اول أيام عاشورا / 2011
 

Share |