دولة الرئيس ..خذنا جميعا الى اليابان -محمد الكاظم

Sun, 4 Dec 2011 الساعة : 12:35

قول الكاتب الياباني نوتوهارا ان العالم العربي ينشغل بفكرة النمط الواحد، ما يتسبب بذوبان استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين.
وبالطبع عندما تغيب استقلالية الفرد وقيمته كإنسان يغيب ايضا الوعي بالمسؤولية تجاه كل ماهو عام ووطني وتغيب فكرة الاملاك العامة . ومعها يغيب مفهوم المواطن الفرد وتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام وهذا هو جوهر مأسينا في النظام العربي .
يعتنق اليابانيون العقيدة البوذية ويسود بينهم مذهب الشنتو وهم لايؤمنون بمبدأ الثواب والعقاب لكنهم يعتقدون انهم يتسببون بأيذاء الاخرين اذا لم يقوموا بالواجب المطلوب منهم . وهذا ماينمي عندهم نوعا من المسؤولية العالية لدى الفرد تجاه الافراد الاخرين والمجتمع بصورة عامة . ويعتبر بعض الخبراء ان فكرة المسؤولية تجاه الاخر هي التي تتسبب بالالاف من حالات الانتحار سنويا حينما يشعر الفرد بأنه اخل بمسؤولياته تجاه الاخرين
لذلك ينظر اليابانيون الى المنتحر بتعاطف كبير واشفاق لانه ضحى بحياته لكي لايسبب الالم او الاحراج للعائلة. ولكي يؤكد للمجتمع انه احساسة بالذنب الكبير الذي لايمكن احتماله.
وبنفس الوقت ينظر المجتمع باحتقار شديد للفاسدين والسراق . فاليابانيون لا يرحمون الفاسدين ولايغفرون لهم ولايتهاونون معهم بل يعزلونهم اجتماعيا ويدفعونهم لاختيار طريق الانتحار للخلاص من العار حتى لو تمكنوا من النجاة من ملاحقة القانون .
وحينما لم يتمكن اليابانيون من الحفاظ على بلدهم بعد الحرب العالمية الثانية انتحر الكثير منهم بطريقة الهيراكيري المعروفة لدى مقاتلي الساموراي بشق بطونهم بواسطة السيف تعبيرا عن اعتذارهم للمجتمع لانهم لم يتمكنوا من رد هجوم الحلفاء .
وسنويا تشهد اليابان حالات انتحار ابطالها شباب فشلوا في تحقيق الدرجات المطلوبة منهم في اختبارات الثانوية العامة كإعتذار لذويهم لأنهم لم ينجحوا، رغم ان عوائلهم وفرت لهم كل مايحتاجونه للنجاح . وخشية من الصدمة النفسية التي من الممكن ان يتسببوا بها الى لعوائلهم ، كما تشهد نهاية العام الدراسي حالات متعددة لأنتحار عدد من الامهات اللائي يفشل ابناؤهن في الدراسة لأنهن يشعرن انهم لم يولين ابناءهن العناية الكافية لينجحوا ,
وهناك حالات شهيرة لانتحار مسؤولين كبار دارت حولهم شبهات الفساد ، او التسبب بخسائر لمؤسساتهم . وحالات لانتحار موظفين لم يتمكنوا من تأدية ماهو مطلوب منهم هذه الحالات تجعلنا نقف امامها مشدوهين .على غرار الغربيين الذين استغربوا ايضا من قصة الاب الذي قتل ابنه بعد ان القت الشرطة القبض عليه بتهمة السرقة، ثم انتحر وترك رسالة اعتذار للمجتمع معترفا فيها انه قتل ابنه لانه لم يحسن تربيته، وانتحر لانه يحس بانه اخطأ تجاه المقربين منه وجلب العار لأسرته
وفي ظل شيوع ثقافة العيب يتجنب الياباني الجريمة حتى لايلحق العار بأسرته واصدقاءه  وجيرانه وليس فقط خوفا من الجزاء لذلك تعتبر اليابان اقل بلد بالمحامين .
وبمناسبة زيارة رئيس الوزراء الى اليابان كنت اتمنى ان يأخذ معه جميع موظفي الحكومة الى اليابان أو يجبرهم على قراءة الثقافة اليابانية لعل ثقافة العيب من الفشل ، والعيب من تفشي الفساد، والعيب من عدم الإيفاء بالوعود، والعيب من الفشل في تحقيق انجاز، والعيب من عرقلة المسار تنتشر في مؤسساتنا ودوائرنا وأحزابنا لعل بعض اولئك المسؤولين يعلنون إستقالتهم في الأقل.
ربما نحتاج في علاقتنا مع اليابان الى اكثر من مجرد توقيع بروتوكولات تجارية وصفقات وعقود تجارية ، أعتقد اننا ايضا بحاجة الى تكليف مجموعة من الباحثين والاكاديميين والكتاب والاعلاميين بتفكيك اسباب نهضة الدول المتقدمة والناهضة، ودعم مراكز ابحاث خاصة بدراسة الطفرات الاقتصادية والسياسية التي حققتها بعض البلدان من اجل نقل ملامح تلك التجارب الخلاقة والاستفادة منها في مشروع بناء الدولة العراقية ، والاستفادة من بعض القيم الايجابية التي ساهمت في بناء وتقدم المجتمعات وتوظيفها بما يتلائم مع حاجتنا . فالدولة لاتبني فقط بالنخب السياسية والأطر التي تمارس تلك النخب عملها السياسي من خلالها ، بل تبنى ايضا باعادة ثقة المجتمع بنفسه وتدريبه على قيم الدولة المعاصرة.
 

Share |