واقعة الطف .. دروس وعبر-طالب شريف ال طاهر- الناصرية
Sun, 4 Dec 2011 الساعة : 12:34

الحديث عن الميول والأفكار والإرادات التي تصل بالإنسان إلى الرفعة وبلوغ المقامات العالية , يقود المخيلة إلى أولئك الذين شيدوا الإرث الإنساني بدمائهم وجهدهم وآثروا على أنفسهم إلا أن يمدوا سبل الحياة بنور تستهدي به البشرية من وحشة طريق الحق.
والتاريخ الإنساني الذي ملأت صفحاته بالبطولات , لابد أن يكون شاهدا على ما انفردت به البشرية من مآثر وأحداث , ويفصح عن سمو ما حملته الأدبيات ومجالات الفكر, ويصبح التاريخ هو المعيار في تمجيد الرجال ويمنحهم الشأن الذي يشق له أثير السنين , ولكن وهج هذه الهالة التي تحيط ذلك الشأن , تبقى مرهونة بأثر الفعل وتأثير الفاعل , ولذلك سرعان ما تندثر الأسماء أو الإعمال التي لا تشكل ( ظاهرة فريدة ) , من هنا تبرز واقعة ألطف شاخصة في أفق التاريخ تحمل سمات الوفاء والصدق والإيثار والتضحية ومعاني الإيمان الحقيقي , ولو أجيز لنا الافتراض والمقارنة ( جدلا ) بين سعي رجالات الفكر الإنساني والأهداف التي خلدت أسماءهم وبين المكانة السرمدية التي حضي بها الإمام الحسين (ع) ورفاقه في واقعة ألطف الخالدة , لوجدنا البون شاسعا في ما حققته ( الساعات المعدودة ) للواقعة من دروس إنسانية خالدات ما دارت الأيام ، وبين ما تحقق في بطون الكتب من شواهد العلم والمعرفة.
وشعار ( هيهات منا الذلة ) , تلك العبارة التي خلدها الإمام الحسين ( ع ) عبر التاريخ _ كغيرها في واقعة ألطف _ ابتدأت بالنفي الدال على الرفض والتحدي ، والواقع ان السنين دلت على انها عبارة مسددة , فبالرغم من إنها تصريح ملزم للبشرية بعدم الاستكانة والرضوخ ، إلا أنها تضمنت ايضا إشارة بليغة تعبر عن هدف ايماني وقضية بمنتهى السمو ، لربما تمثل رسالة إنسانية وأخلاقية عظيمة للأمة ، تقول إن هنالك ظلم لكن هناك أيضا صبر ووراءه غضب شديد وانتفاضة عنيفة يمثلان الصيرورة التي لابد تقوم بتغيير الواقع الفاسد فلا استكانة ولا قبول بدوام التسلط والاستبداد , كما إن العبارة تحصر كلمة ( منا ) ، من هم ؟ هل المقصود هم آل بيت الرسول عليهم أفضل الصلاة والسلام لوحدهم ؟ ام المقصود الأمة الإسلامية بأكملها ؟ ، والواضح بل والمؤكد كان المقصود ب( منا ) هم من يحملون لواء الحق والعدل فقط الذين يرون في نفسهم - اليوم - الإيمان الخالص الذي يؤهلهم لحمل وتطبيق مبادئ الثورة الحسينية ساعات واقعة ألطف تحديدا ، فانه المعني بعبارة ( منا ) حقا ، لماذا ؟
لأنه لو صحّت مقارنة واقعة ألطف مع الكثير من الوقائع الجهادية التي أتت بالنصر للمسلمين وحققت غاياتها في نشر الدعوة الإسلامية أبان الفتوحات ، لجمعت واقعة ألطف أهداف كل هذه الوقائع ولفاقت كل المتحقق منها عبر هذه السنين ، لأنها تميزت بالانعطافة والنوعية في الجهاد ، فالمواجهات السابقة للمسلين كانت أمام كفار ملئت نفوسهم بعقائد فاسدة لم تصمد ازاء قيم أريد لها ان تمدهم بالكرامة والعزة ، لكن في واقعة ألطف كان الإمام الحسين ( ع ) إمام جيش كبير من المسلمين يقوده نفر ضال ، وعليه فان أية مساومة للحفاظ على حياة المسلمين تعد نصرا للنفر الفاسد الذي يقود الجيش ، وهذا يعني انتكاسة للإسلام ما بعدها انتكاسة حتى قيام الساعة ، فكان لابد من الشهادة ، ولذا فان من يمتلك روح الإيثار والتضحية من اجل الإسلام اليوم هو من أتباع الإمام الحسين (ع ) ، وواقعة ألطف أصبح ذكراها اليوم أيضا يمثل تعظيما وتمجيدا وتكريما للدين الإسلامي وبيعة متجددة لرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم .