محمــــد حنــــون والحقيبــــة المخمليــــة-أثيـــــــــــــر محمــــــــــد الشـــمـــــــــســي
Sun, 4 Dec 2011 الساعة : 12:27

عنــــــدما تبدأ الإمطار بالتساقط بغزارة تقتل الربيع مبكراً ويصبح من الصعب المسير برحلات مشوشة ، فيراود فكري التوأمان اللذان يتكلمان مع بعضهما برحم أمهما فيقول احدهما إلى الأخــــــر .
هـــــل يوجد عالم غير عالمنا الذي نحن فيه فيرد أخيه قائلا، لا يسعني التفكير بذلك أن هذا العالم يسعنا وهو دافئ ، فقال أذهب بنظرك بعيدا أن أجمل نظرة للعالم الأخر أن تنظر له من خلال عالمك الذي تعيش فيه إذا كان جحيما فعليك النظر من خلال ذلك الجحـــيم . وعنــد خروجه بعيدا عن رحم أمه تساقطت دموعه على وجنتيه بحرقة فأتاه نداء أخيه أريت هبة الظلام وهي منغمسة بالترف ،فهذا هو الخيط الرفيع لحياة البشر يستقبلونه بوجوه باسمة مهللين والمشاعر تترسب وتطفوا فرحا بوجوده والجدلية مستمرة بجمالية وحجم وهيئة العالم الأخر والسماء الكبيرة التي نسألها ونتفكر بها هل هي لأهل الأرض وحدهم أم لعالم أخر ،فينادي القدر ويطلب من العالم الاستيقاظ لكي يحمل البعض إلى النعيم المباشر والبعض إلى الخطوة نحو المحتوم فيستحضرني تلقين المتوفى في الديانة اليهودية التي لا يذكر بها الموت والاحتضار فالوقت يمر سريعا عند الإحياء وهم يتذوقون الجمال بالأشياء الأكثر أناقة باقتناص الملذات .
وها أنا محلقا فوق أهاتي وذكرياتي باحثا عن الملاك الأسود الذي يحمل معه حياة لا يصيبك بها المرض ولا الموت لكي تهيم روح من أتحدث عنه حرة كالريح فأبحث عن أفكار أتكلم بها بصوت عالي إمام الملأ ولكني لا أريد إن استنسخ أفكار ساحرة الأساطير العقيمة لأنها تذكرني أن الحياة عقيمة كالقطن الأبيض وهي التي تتغير مع كل نفس نتنفسه .
ونحن نراقب أحلامنا قد تبددت برحيل صديق فكري الذي كان يتعبد بحلقة من نار بقايا الحلم البارد وكأنه الأمير الذي لف ذراعيه بالحرير المبلل ليبتعد عنه سفاح القربى ليبقى قويا منتفض يخاف الموت ولكنه لا يهابهُ ،وبفجوة من ذراع الزمن وبعد فنجان قهوة ولد علاقة أعوام بحساب الزمن وشذرات مضيئة بحساب الفكر الحر ، أعيش اليوم مع نفحات قلمه السيال بأساليب الطرح الواقعي ، وهو الذي لم يكن قد إلف بعد على ممارسة الكتابة بحرية الطير الذي سقط متجمدا على غصنه فهو لا يلهمه شئ إلا تفكره بأن هناك حدود للقيود وأغلال للفشل يتحملها الإنسان لكي يرسم الليل الذي يخلقه لنفسه ليصبح سحرا له .
لقد وضعت ذكرياتي معك يا أبا فدك بحقيبة مخملية ووضعتها بقفص غير مرئي وجسدتها برشفة ماء أتت من عبق الماضي وسحر المستقبل وكان المتكلم الروحي ينادي ويسألك هل لك إن تدليني على سمات الثوار الذي أنت منهم ؟ فإجابتنا ذكراك العطرة ؟
الشغــــف و الكلــف، الذي يولد من رحم الجمال المتبرج الخالي من العيوب . فبذكرى سفر روحك أشعر بالذعر عندما ابحث بين المشاعر عن وصف الصديق ولكنني أقولها إن فكرهم لم يتحرك ولن يتحرر من عقد حالة فصل المنقود وعقيدته ولا يمكن للرحيل أن يبدد الطبيعة ، نعم يا أبا فدك نحن من ندفع ثمن الوصول إلى الكرامة ويا ليتنا ندفن أحزاننا وإنا لازلت أستشعر تعبيراتك الجامحة وأدرك انك ترى أحبتك عبر ضوء القمر بعيناك اللتان تشعان طيبة ومودة .
بفقدك يا أبا فدك تعطلت قدماي وارتفعت عن الأرض لأنني أعيش أنين الثعبان بين شجر الصنوبر فبحثت عن الأمان فلم أجده حتى بموت كل دمث و متجرد صلب يعكس حالة حزني وخوفي على أحبتي ، لقد ملأ قلبي بفقدك قلاع جليدية جعلتني حصان أندلسي انظر عبر عيون أعدائي لكي لا أنكر مشاعري واشعر بدفء ذكرياتي التي هي كالسكين تجتزئ مني أي جانبا ترغبه .
أن جراحنا لا تشفى وأن ضمدت بزيت القرنفل النادر لأننا فقدنا قذى العين وسلوى أنيس الفكر فأغلقنا قلوبنا أمام الصارخين ببيع الخطيئة فحاربتهم بفكرك لكي لا تتقاضى أجر دم قلوب أحبتك فقد بدد الرحيل الطبيعة لكي نحفظ الحكمة بدمائنا حيث دونت فصلك الأخير بدمك للوصول إلى ربيعك المبكر فهاجت مشاعري وأصبحت أكبر وأعمق مما يتحملها جسدي فسالت دموعا سوف تروي حكاية الثراء المعرفي ، والثعبان المدلل وبلابل الشعير والحقيبة المخملية وأحجار البيدق لكي أقنع الناس بمشاركتهم رؤياهم فالحياة جرفتنا بعيدا وأشخاص قلائل أصبحوا ما يريدون وليس هم المحظوظين بل الذين من حولهم وأنت يا أبا زهـــراء أحدهم .
أبا فـــــــدك هذه هي أسطري الأخيرة أقولها لأبدد حزني. أنت عندما تدخل يتبسم الجالسون وعنـدما تتكلـم يستمعـون وبطرحـك هـم مستأنسـون فهـذه هـي خـدمة الفـكر تحتـاج إلـى شـرف وذكـاء وقد جسدتهـا بمشاهدتـك روعـة الفجـر الـذي تعشقـه حيـن رأيـت بزوغـهُ أخـر مـرة وأنـــت تلتقــط دموعنـا ودموعـــك بيــدك وترفعــها إلــى السـماء وكأنــي بك قلـــت أن كــان هذا يرضـــيك فخــــذ مــنا حتــى ترضـــــى .
إلـــى روح صديقـــي وأســـتاذي الفكـــري محمـــد حنـــون الطائــــي الـــذي اغتالتـــه العقـــول الدمثة الدغمائية صبيحـــة الخـــامس من شهـــر ديسمبــر سنـــة إلفــان وستــة ميــــلادي 2006-12-05
أثيـــــــــــــر محمــــــــــد الشـــمـــــــــســي