كلكم حسينيون إلا أنا ! - مصطفى العمري

Sat, 3 Dec 2011 الساعة : 0:43

ما إن فتحت عيني في هذه الحياة المتقلبة الموازين حتى رأيت الشعارات الحسينية اللاهبة , الداعية الى الحماسة , والجهاد , والتضحية , و الذود عن المبادئ بالاموال والارواح ( فياليتنا كنا معك سيدي يا ابا عبدالله ) لم تفارق مجلساً حسينياً ولو لمرة واحدة , والحقيقة كم كانت تأخذ منا هذه المقولة وتلك الشعارت من مأخذ , حيث نصعد بأفقنا العاطفي الى عنان السماء ونتحمس ونبكي ونلطم وكأن الامام الحسين قد قتل اليوم , كم كنت أفكر في نفسي لو أني كنت في ذلك العصر مع ذلك الامام الوحيد الغريب , لكي أنصره وأقاتل دونه .
سرت في منهجي هذا الى ما شاء الله لي أن اسير , دون تشكيك في ما أؤمن به , او تفكير في ما أنا عليه  ,همي و مخيلتي وعيناي منشدّة الى تلك الواقعة الاليمة , وكأني خلقت في الزمن الخطأ لأني من المفترض أن أكون مع حبيب بن مظاهر او زهير بن القين , حتى أصول وأجول بسيفي  وفرسي . كان ذلك التفكير البسيط الموغل بالعاطفة قد جعلني أعيش في عالم الطموح و التمني دون الإلتفات الى الواقع الذي نعيشه من تعسفٍ وقتلٍ وإسفافٍ وازدراءٍ و تشريد . إننا نطلب الثأر لمقتل الحسين بالوقت الذي كان فيه منهج الحسين وخط الحسين وقيم الحسين تستباح وتنتهك دون هوادة و بإصرار وثبات .
عندها غامرت في تفكيري لكي أسأل نفسي هل لي الجرأة الحقيقية أن أقول كفى ظلماً يا صدام فالذي فعلته فاق ما فعله فرعون ؟  بالتاكيد لا  ولو حصل لما كنت اليوم هنا , إذن الطعام مع معاوية أدسم , والسكوت على الباطل أنعم . فشلت في الاختبار كما فشل الكثيرون غيري . فشلت حينما رأيت كيف يقتل علماؤنا ومفكرينا وأخيارنا ,  إختبأت حينما رأيت ان أسم الحسين غير مقبول من قبل السلطة .  وسكتّ عندما علمت ان الحسين قد قتل مرة اخرى ولم يكن معه من إخوته و أصحابه  إلا اخته الامينة الصابرة . عندما اجهز الطيش على نغمة الحياة الجميلة ,   

  أيقنت أنني لم أكن إلا ذلك الغر الحالم , المأسور بهاجس البطولات الهلامية الفارغة , والمغرم بالشعارات الرنانة , أيقنت انني لست حسينياً كما كنت أتصور وربما لو كنت في زمن الامام لفعلت كما فعل أحدهم , أعطيه سيفي وأقول له إعفيني عن القتال , هذا اذا لم أكن في الطرف الاخر .

 

اليوم نحن مدعوون الى مراجعة حقيقية في تراث الامام الحسين , بالتأكيد دون مزايدات أو مناقصات , تخوين أو تلوين , مراجعة تأمل في واقع الثورة الحسينية , الثورة التي أوكلناها الى بعض ( الرّوزخونيون ) لكي يعرف الناس بها , وهم أكثر الناس إنحرافاً عنها .        

   

الملاحظ هذه الايام كثرة الشعارات الحسينية التي بدأت مع مطلع , شهر محرم , حيث أُلاحظ ان نسبة الحماسة قد أرتفعت فوق المعدل المعتاد و الطبيعي , فأصبحت كل الاماكن العامة والخاصة ترفع الشعارات الحسينية ! والناس متوشحة السواد , مطالبةً بدم الامام الحسين عليه السلام . الموضوع الذي أحببت أن أستفسر عنه , هل الامام خرج وضحى بدمه  ونفسه وعياله , لكي نخرج نحن بشعاراتنا , نلطمه , ونبكيه , و ( نطبر) من أجله ؟؟ أيعقل أن ثورة الامام الحسين هي صوت ( الدمام والزمور ) ؟ أو هل أصبحت إستعراض لفنون اللطم وأنواع الزناجيل ؟  انه الانحراف بالمبدأ  إذن انتم الحسينيون ولستُ أنا !! .

 الذي يعرف الامام الحسين يعرف الجواب جيداً , الحسين ليس لإستدرار العواطف , ولا لإستنزاف الطاقات , ولا لتسطيح الوعي , الحسين وكما نعرفه من كتب التأريخ هو : الإسلام , الصبر , التضحية , الثورة ضد الباطل , والاقتداء بالسيرة , والسير على النهج المحمدي , الإمام الذي يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر . السؤال : هل هناك مصداق من هذه المفاهيم الحسينية العملاقة , مع هذه الشعارات المرفوعة اليوم ؟ هل هناك نهج انساني مخلص كخلوص الصحابة الذين كانوا مع الامام الحسين ع ؟؟؟ الجواب لا يحتاج الى تفكير , فقط يحتاج الى تمعن في حالة الشارع العام , و سينبؤك ذلك الشارع بالجواب . أخيرا ً قصة حقيقية : أحد الاخوة ( رجل مسكين ) جلس صباحاً فوجد حماره غير موجود في البيت فذهب يفتش عنه في الشوارع و ( الدرابين ) فصادف في ذلك اليوم , يوم العاشر من محرم والناس مستنفرة , تبكي , وتلطم , وأين ما ذهب وجد الجموع والجماهير المتحمسة , فهز بيده وقال بلهجة عراقية صرفة : ( بويه اذا هاي الناس كلها اتدك وتلطم جا منو باك ( سرق ) مطيي ) . بالتأكيد هذه ليست مزحة بل هي دعوة إسترجاع للثورة الحسينية الحقيقية الثورة التي بقيت عالقة بذهن الاحرار من الناس لانها كانت بذلك الارتباط الحقيقي مع الله . السلام على الحسين وعلى من يسير على نهج الحسين .

 

[email protected]

Share |