الإعلام الفضائي:: سلوكيات وحلول-جواد كاظم الخالصي
Sat, 3 Dec 2011 الساعة : 0:35

الإعلام رسالة هادفة لها أبعادها في العمل السياسي والاجتماعي فإما أن تكون الوسيلة الإعلامية موجهة بشكلها المهني الصحيح وإما أن تعمل بإطار آخر خاضع لأجندات وبرامج سياسية لدولة ما أو جهة حزبية ما ،، وعندما يكون الإعلام تابعا ومُسيّسا بشكل كبير فانه من المستحيل أن يعبّر عن رأيه بالشكل الملموس والواقعي ويعطي بعدا صحيحا للحقيقة وسيكون من المؤكد أنه داخل شرنقة من النفاق والكذب، فلا بد من استقلالية الإعلام ورسالته التي يجب أن تكون واضحة وفق معايير مهنية حقيقية.
لقد كان العراق مختبرا هاما لوسائل الإعلام العربية والعالمية والعراقية بشكل خاص حيث محّص الكثير من هذه الوسائل ووضعها على المحك وحدد موقفها من الشعب العراقي فأظهر لنا الوجه القبيح للعديد من القنوات التي أساءت للعراق وشعب العراق وأجّجت كثيرا الوضع المتأزم في البلد مما دفع بهذه القنوات الى سلوكيات خارج نطاق الخُلقية الإعلامية والتوازن المهني الشريف، ولكن في نفس الوقت أعطت وقدمت لنا الكثير من القنوات الإعلامية الصادقة والوطنية والحريصة على العراق الجديد شعاعا يضيء الطريق أمام المواطن العراقي، كما هو ذلك في الكثير من الصحف والمواقع التي عبّرت بوضوح عن موقفها المناصر للعملية السياسية والتغيير الجديد في العراق ونبذت كل أساليب العنف الدموي الذي ضرب العراق في كل مكان فكانت ضريبته أنها قدمت الكثير من شهداء الرأي ووضعت نفسها في ميزان المواجهة مع أشرس وأعتى التنظيمات الإرهابية على وجه الأرض ولذلك كانت الساحة العراقية ميدانا لمن يريد أن يقول الكلمة الصادقة ونقل الخبر الصحيح بعيدا عن المواربة والكذب.
منذ أن سقط نظام حزب البعث العراقي في العام 2003 والى الآن ونحن نرى ونتابع كما العالم يتابع آلية الإعلام العراقي،، والتساؤل الذي يطرح نفسه هل نجح هذا الإعلام من خلال الحرية التي يتمتع بها منذ سقوط النظام السابق والى الآن؟؟ أم أنه أصيب بالفشل ولم يقدم شيئا ملموسا على الساحة الإعلامية المنفتحة في العراق ؟ الجواب ربما يُقر البعض خصوصا من هم خارج العراق على أن الإعلام العراقي كان ضعيف الأداء في نقل الواقع بصورته الحية إلى العالم من حوله، حيث لم يقدّم لنا هذا الإعلام غير الموت المتحرّك بين أبناء الشعب في كل شارع ومدينة وهي صورة يجب أن تنقل بمصداقية لا يعتريها الشك حتى يعرف المواطن العراقي أين يعيش وفي أي موطئ يضع قدمه ليتحرك بالشكل الصحيح ويمارس واقعه المعيشي بما يتناسب وقدرة كل واحد منهم .
فالإعلام جميل عندما ينقل الحقائق الصحيحة للمواطن العراقي ويضعه في صورة الحدث الحي والصادق ولكن للأسف كما لوحظ خلال السنوات الماضية من تبعية الإعلام المحلي بما يصل إلى نسبة 90% للأحزاب السياسية والتوجهات الفئوية في المجتمع وهي أجندة غالبا ما تنقل إلينا الحدث الغير الواقعي والخاضع لتجميلات الحزب السياسي أو الشخصية الحزبية بما يعطينا الوضوح الكامل للصورة المسيّسة لهذا الإعلام من قبل التوجهات السياسية والمتنوعة، وفي رأي الشخصي أن الآلية التي اعتُمدت في هذا النمط المؤدلج إعلاميا وفكريا هي الآلية المنقادة بسبب فقدان الإعلامي حرية مساحة الحوار التي يمكن أن ينطلق منها إلى فضاء الإعلام الصادق، وهو بالنهاية موكول لأمر الشخص الإعلامي نفسه وكيفية تعاطيه وتقبّله لهذا الأمر والذي قد يخضع قبوله هذا إما للابتزاز السياسي، أو المالي، أو لا هذا ولا ذاك، وإنما الشهرة الإعلامية التي يمكن أن تجعله في مصاف الإعلاميين الناقلين للحدث المباع والمنمق بسمعة صاحب المؤسسة الإعلامية، أو لبروز مفاجئ من خلال تصرّف غير مسؤول يقوم بتنفيذه هذا الإعلامي وإن اقتضى ذلك النيل من مهنة الصحافة،، ومهنية الإعلامي الحقيقي الصادق يجب أن تكون مع الكلمة الحرة وليس مع الشخص أو الجهة التي يطبّل لها من أجل إيصال أجندتها .
أمام كل هذا التداخل الإعلامي والإفراط في التعاطي عبر وسائل الإعلام المتعددة قد نجد أن هناك ثمة إشعاع مضيء في الوسط الإعلامي العراقي حيث لا يمكن أن نقر بأن إعلامنا الحر قد فشل بالكامل لدواعي عدم استقلاليته وتبعيته للأحزاب السياسية والشخصيات المتنفّذة بل نجده كان بارعا في نقل المواطن العراقي من عصر عتمة الإعلام الخاضع بالكامل للنظام السابق والفرد الشمولي إلى انفتاحه على العالم الآخر الحر ، كما وأوصل فهم الديمقراطية الحقيقية وان كانت غير مكتملة في تبني المشروع الوطني وحماية البلد من الديكتاتورية البغيضة وذلك بسبب ما نمتلكه من إعلاميين كبار وطاقة إعلامية جبارة وقوية، والتي للأسف أهملها الإعلام العربي مستعيضا عنهم بجميلات الصحافة من دول عربية أخرى مثل بلاد الشام وغيرها،ولو استُغلت هذه الطاقة لكانت قادرة على فرض منهجية الإعلام العراقي في جميع دول العالم لتقرّ وتعترف بها على أنها فكر إعلامي ثاقب قادر على نقل الحدث بالشكل المتوازن والصحيح حينما يكون حرا في نقل الحدث وبعيدا عن الضغوط التي تحاصره سياسيا.
ليس غريبا أن يبقى الإعلام العربي يبحث عن سبل للغوص في مياه راكدة أملا في الوصول الى غاية هي قديمة حديثة لأجل زرع الفتنة في بنية النظام الاجتماعي العراقي الذي بدأ يتعافى بفضل الجهود المضنية من قبل الحكومة والفعاليات السياسية تفاعلا مع العشائر العراقية ومنظمات المجتمع المدني التي كان لها الدور الكبير في ترسيخ هذه القاعدة الوطنية لتلصق الفرد العراقي بوطنه وأهله وأن يعود ابن العراق الى سابق عهده ويترك خلفه الخوف من عودة الفتنة الطائفية التي استشرت في البلاد بفعل الأفكار الجهنمية لتنظيم القاعدة الإجرامي والدول الإقليمية التي دعمته ماديا ومعنويا من أجل بقاء العراق مُقزّما غير معافى ويكون ندّا لتلك الدول التي لم يكن لها ذلك الدور والتأثير السياسي عندما كان العراق أول المؤسسين للجامعة العربية.
أما هل ما زالت أجندات العرب تريد ذلك وبعد مرور تسع سنوات من الدمار وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية؟ الجواب نعم لا زال قسم من هذه الدول يريد ذلك ولن يتركوا هذه الأجندة حتى يتغير الواقع العراقي ليكون مقسّما وفق مخططاتهم تاركا خلفه نظاما ديمقراطيا أقره الدستور رغم الربيع العربي الذي يحاصر عروش أنظمتهم الديكتاتورية الداعمة لوسائلهم الإعلامية وهذا ما نستوحيه من خلال إعلامهم الذي يحاول الإيغال بدماء العراقيين،، لأنك أحيانا تجد أن الرسالة الإعلامية هي أكثر جرما وإيغالا في تفشي الخلاف والمذهبية بين الأعراق والمذاهب في أي مجتمع كان، ولن يتوانى الاعلام الأصفر وممن حاولوا أن يمحو العراق من الخارطة ويفتتوه الى مناطق متنازعة في الاستمرار بذلك لكنهم لم يجدوا الأرضية المناسبة لمخططاتهم بسبب مواجهتهم الجدار الوطني العراقي الصلب ، إلاّ ما ندر من أولئك الشرذمة التي تحن الى الماضي السحيق وتريد العودة بنا اليه عبر مخططات مسمومة من خلال وسائل خبيثة طالما نفخوا فيها نظام صدام حتى انتفخ عليهم وأهان كرامتهم.
ولكي نصنع إعلاما قويا ومهنيا وفاعلا له القدرة على التصدي لهذا الإعلام الأصفر لا بد من اتخاذ جملة من الخطوات التي يجب العمل بها حتى ننهض بإعلام عراقي حقيقي يبني بلدا مثل العراق ويزرع روح المواطنة والانتماء في نفوس مجتمعه وكما في أدناه.
أولا: نحتاج الى دورات مكثفة لتطوير كفاءة كادر تحرير الأخبار ليتمكنوا من صناعة الخبر وتسويقه وتفعيله ، وهذا الموضوع جزء منه أكاديمي يحتاج الى مناهج ودورات والجزء الآخر منه عملي يحتاج الى ممارسة ميدانية تحت إشراف مختصين واعتقد ان هناك الكثير من هذه الدورات قد نُظمت ولا زالت تُنظم الى اليوم سواء داخل العراق أو خارجه في دول الجوار او بعض الدول الآسيوية ولكن الواجب ان يتم اختيار من هم الأكفأ لهذه الدورات الإعلامية.
ثانيا:هناك حاجة الى دورات معدي ومقدمي برامج الذين يجب اختيارهم على أساس الكفاءة العالية والثقافة الموسوعية لا كما يتم الآن من محسوبية وشللية لكون البرامج لها أسلوبها الخاص في التحاور ونقل المعلومة في وقتها المناسب ووضعها أمام من يتم الحوار معه سواء كان مسؤولا في الدولة او أكاديميا مختصا له تأثيره في الواقع الذي نعيش فيه مع اعتزازنا بوجود بعض الكفوئين حاليا في تلك البرامج.
ثالثا: وضع نظام إداري يتسم بالشفافية ويوزع الصلاحيات بين إدارة الإنتاج، وإدارة البرامج، وإدارة الأخبار مع متابعة ذلك من قبل مجلس إدارة مهني وكفوء وأن لا يتم اختزال القرار بيد مدير الفضائية أو أقاربه والمحسوبين عليه لأنه بدون مساحة من الحرية وبدون قدرة على اتخاذ القرار لا يمكن أن يكون هناك إبداع .
رابعا: تشريع قوانين تحمي الإعلامي داخل مؤسسته وتحفظ له كرامته حتى يستطيع أن ينتج ويبدع ويثابر بعيدا عن هيمنة رئاسة التحرير او إدارة المحطة في مؤسساتنا الإعلامية ، حيث يدفع الإعلامي المبدع والمثابر ثمن إبداعه خصوصا عندما يكون الهرم الإعلامي على أساس العائلية والمحسوبية ، لذلك يصبح للاجتهاد ثمن وللإبداع حساسية.
خامسا: استقلالية التمويل ،، فلا يجب ان يتحرك رأس المال السياسي في وضع نمط وسقف المادة الإعلامية لأن ذلك يخلق إعلاما حزبيا أحادي النظرة غير فعال وغير مؤثر ولا يتسم بالمصداقية،، وهنا لا بد من أن تأخذ المؤسسة التشريعية في البلاد دورها باعتبار أن مجلس النواب هو من يمثل الشعب العراقي وعليه تقع مسؤولية حماية السلطة الرابعة وعدم تسييسها وذلك من خلال لجنة الثقافة والإعلام احدى اللجان البرلمانية التي ترتبط بها هيئة الإعلام والاتصالات المسؤولة عن إدارة وتنظيم الإعلام الفضائي في العراق وفق قانونها ونظامها الداخلي ، كأن تقدم مقترحا برلمانيا بذلك عبر تخصيص جزء من واردات الهيئة أو أي وسيلة قانونية أخرى تساعد القنوات الفضائية المستقلة كدعمها بالإعلانات الخاصة بوزارات الدولة شرط عدم تسييسها او جعلها عطية من الوزير أو أي مسؤول آخر حتى لن تكون في النهاية وسيلة تلميع له،، أي يجب أن تحدد بقانون فتُقسّم بشكل عادل بين القنوات باعتبار ذلك مالا عاما لا يخضع لحزب او كتلة سياسية لكي نصل الى إعلام واقعي وحقيقي يتمتع بروح الحرص الوطنية ويساهم في بناء مصطلحي الوطن والمواطنة وعندها تكون رسالة إعلامية صادقة غير خاضعة لتوجهات هذه الشخصية أو تلك من الذين يمثلون حزبيتهم أو أجندتهم التي ربما تكون إقليمية او دولية وهذا ما نلحظه اليوم في عراقنا الحبيب الذي عانى ما عانى من هذه الأساليب الإعلامية التي شوهت الواقع العراقي وحولته الى صورة قاتمة ،، بل أرادت أن تشوّه حتى المفاهيم الاجتماعية وأقصد بذلك الإعلام العربي وبعض القنوات المغرضة المُمولة من قبل جهات مشبوهة سرقت أموال الشعب العراقي عندما تهاوى نظامهم الدموي السابق.
بغداد ::: بيروت