يطرقون على الحديد .... لكن الامراض تطرقهم الحدادون في الناصرية مخاطر وامراض -علاء كولي
Sat, 3 Dec 2011 الساعة : 0:14

تعتبر الحدادة في العراق من الصناعات الحركية والمتميزة في الحضور اليومي لدى الكثيرين فهي ماتزال تمثل سوقا رائجة في الكثير من الاحيان ويزداد الطلب عليها خاصة عندما تكون هناك حركة عمرانية قد تشهدها هذه المدينة او تلك ، ومهنة الحدادةاصبحت تمثل حضورا قويا مقارنة بالصناعات الاخرى خاصة في السنوات الاخيرة كونها ارتبطت بالبناء ودخول الموديلات الحديثة والتصاميم المتنوعة للمنازل وايضا شمل التنوع هذا مهنة الحدادة خاصة الجانب الذي يتعلق بالتصاميم اسوة بالمنازل حتى اصبحت المهنة الشعبية الاكثر رواجا لدى المواطنين نتيجة لتلك التحولات لكن يبقى السؤال الاكثر عرضة لعالم الحدادة .؟ كيف هي تلك الحياة التي يعيشها الحدادون ؟ وماهي البيئة التي يقضي بها الحداد ساعات طويلة يوميا فهي بيئة خطرة جدا فبرادة الحديد فيها لاتفارقهم فهي على الدوام ترافقهم وانبعاث الغازات الضارة من عملية اللحام جعل الحدادة مهنة لا تقل خطورة عن الأمراض الأخرى التي تفتك بالإنسان العادي لكن خطورتها باللحظة وليس هناك أية انذارات مسبقة لوقوع الحوادث .
مخاطر المهنة ...افضل حداد يطرق اصبعه
سلام علي يعمل حدادا منذ(25)عاما فقد قال وهو يتحسر كلما ذكر ايامه الاولى في الحدادة عندما بدأ بتعلم سر المهنة قطع اصبعين من يده اليمنى وهو يجرب احدى الآلات القاطعة (الكوسرة) بشكل عرضي كان نادما لكنه يقول انها المهنة الوحيدة التي تعلمتها ولا اجيد غيرها سلام وهو يستذكر تلك اللحظات التي قطع اصابعه وهو يتأوه بكل حسرة لكنني لا استطيع ان اترك العمل فلدي عائلة لخمسة افراد وليس هناك من يعيلهم غيري لكن في كل الأحوال أنا اعتاديت على المهنة وحسب.
ابو احمد حداد من الطراز الاول كما يعبر عنه اصدقائه الحدادين والذي مارس المهنة منذ اكثر من (35) عاما فقد قال ان الحدادة تجري في عروقي ولا افكر في يوم ما ان اتركها فهي المهنة الوحيدة التي تعلمتها واصبحت اعشقها كل يوم على الرغم من كل المخاطر التي فيها لكن ابو احمد امتعض قليلا ثم ردد قائلا نعم افضل حداد يطرق اصبعه في هذا المثل اشار بانه قد تعرض لحادثة وهو يعمل فقد وقع على إحدى الآلات القاطعة وهي تعمل فأصيب بجرح بالغ وقع بين كتفه وصدره لكنه قد تعافى فقد اشار ان هذه الحادثة كادت ان تودي بحياته لكنه نجا منها بصعوبة .طه صادق يعمل في الحدادة منذ زمن ومنذ ان رأيتها منذ الوهلة الاولى تفاجأت بشكله الملفت للنظر فهو رجل لايزيد طوله عن المتر ونصف المتر وبوجهه الذي باتت عليه جروح وكدمات تدل على انه كان قد خرج من حرب او معركة ضارية اما اصابعه وكأنه قد فقدها اثناء تلك المعارك صادق الذي قضى كل حياته وهو يعمل في الحدادة وعلى الرغم من كل ماسببت له تلك الحوادث من الم جسدي ومعنوي لصادق فهو لايقرأ ولايكتب لكنه بارع في وضع التصاميم المذهلة للشبابيك والابواب بصورة مختلفة عن اقرانه لكنه بقى يحتفظ بتلك الذاكرة المؤلمة لحوادث الحدادة
امراض تصيب الحدادين
اضافة لتلك المخاطر التي تعرض لها الحدادون ثمة خطر اخر بانتظارهم وربما هي لاتقل عن تلك الحوادث انها الامراض التي تصيب الحدادين فمنها مرض الضيق في القصبات الهوائية وامراض الرئة والربو وحساسية الجلد والعيون والتهاب المجاري البولية والكلى هذه كلها تصيب الحدادين
حيدر الملا احد الحدادين في الشطرة يعمل في الحدادة منذ اكثر من (25)عاما فقد قال هو الاخر انه اكثر الحدادين ممن راجع الأطباء نتيجة للاعتلال كبير في صحته وتابع الملا انني اراجع بين الحين والاخر الأطباء فقد راجعت طبيب العيون لأنني كثيرا ما اشتكي منها بسبب كثرة اللحام وعدم التزامي بالوقاية الصحيحة ويضيف الملا كما انني اشتكي ضيق في القصبات الهوائية ولان عملي يعتمد بالأساس على القطع واستخدام الآلات الكهربائية حيث تنبع من عملية القطع غاز الكاربون فيؤثر على التنفس كما قال لي الطبيب المختص الدكتور عدنان الاسدي والذي قال لي يجب ان اترك مهنتي كي اصبح في صحة جيدة لكني لا استطيع .
رافد حسين هو الاخر يعمل في الحدادة منذ 8 سنوات ويشتكي من عينيه لأنه لم يلتزم اثناء عمله بالوقاية المهنية كما يقول كالخوذة وما شابه ذلك ويضيف حسين انني اعاني من ضيق في القصبات الهوائية لكنني احاول التأقلم مع العمل وتلك الاعراض التي اصابتني نتيجة العمل المتواصل .
وفي ذات السياق قال اخصائيون ان الامراض التي يتعرض لها الحدادون هي حساسية العيون او تدمير القرنية واخطر من ذلك هو جفاف العين والذي يؤدي بدوره الى حدوث تشققات على سطح القرنية وهذه التشققات قد تؤدي لموت الخلايا الدمعية وكل تلك المشكلات قد تقود مع مرور الزمن وعدم العلاج يؤدي الى فقدان البصر كما يقول البعض الاخر ان الامراض الجلدية والحساسية في كافة انحاء الجسم وتخلف تلك الحساسية حكة في الجلد لدى المصاب
اضرار اخرى
ونتيجة للإرهاق وطول ساعات العمل والضوضاء المتواصلة من الحدادين وكون ان الاسواق التي يستخدمها الحدادون هي غير صحيحة وبسبب سوء اماكن العمل يكون العمل في بعض الاحيان يشوبه بعض الاخطاء وزيادة احتمال الاصابة في بعض الحوادث مما يؤدي الى نقص القدرة على التركيز في العمل جعل اغلب الحدادين في توتر مستمر بسبب ظروف العمل الصعبة لذلك نجد دائما ان هناك مشادات كلامية تحصل للحدادين مع بعضهم البعض او مع الزبائن في التعامل والتفسير العلمي لتلك الاضطرابات النفسية والعصبية حيث تقول التقارير ان هناك تقلصات في العضلات الارادية في الساقين وعضلات البطن كما ان الاجهاد الحراري وتمدد الاوعية الدموية بالجلد واندفاع الدم اليها وزيادة عدد ضربات القلب يؤدي الى الدوخة ،الصداع ،القيء ثم الاغماء وفي السياق نفسه اوضح امير العبادي اختصاص في الامراض والاضطرابات النفسية قال ان للضوضاء اثار جانبية ونفسية كثيرة على الإنسان فاغلب الدراسات أثبتت تأثيرها المباشر على الجهاز السمبثاوي للإنسان وتدخل بالتأثير على الأجهزة العصبية المتحكمة بالأمزجة لذلك ترى ان الذين يتعرضون للضوضاء كثيرا والاصوات العالية غيرالمنتظمة يصابون بالانهيارات العصبية المفاجئة وحدة المزاج والعصبية غير المبررة ويضيف العبادي ولذلك غالبا ما يوصي الباحثون بضرورة ابعاد المدن الصناعية عن المدن السكنية لما لها من تأثيرات كثيرة بعدة اتجاهات ونتيجة لما تحمله مهنة الحدادة من مخاطر هي بالاساس ترجع الى الحداد نفسه كونها لاتؤثر الا بمن يعمل بها ويرى عدد من الحدادين اضافة لخطورة هذه المهنة ان هناك اضرارا اخرى مصاحبة لخطورة مهنة الحدادة يقول ابو علي وهو صاحب محل لبيع لمواد الانشائية قرب سوق الحدادين ان الحدادة اصبحت الان تؤثر على الجميع فليس هناك ضوابط صحيحة لتلك المهنة وكأنها عشوائية فالجميع هنا عندما ينتهي من المراحل الاولى لتصميم بعض انواع الحديد تكون هناك مرحلة رش الحديد بالأصباغ المتنوعة وخاصة تلك الاصباغ التي تحمل مواد كيميائية والتي تؤثر بدورها على المارة في هذه الاسواق والتي بدورها تؤثرعلى البيئة كما ان هناك اصوات الالات القاطعة المختلفة الحجم وكذلك اصوات المولدات التي تتصاعد اصواتها وابخرتها الى الهواء وهذا ما يؤثرعلى بيئة المدينة .
غياب السلامة المهنية
الحداد حيدر الملا فقط قال في سياق اخر ان كل تلك المخاطر والحوادث والامراض التي يتعرض لها الحدادون كلها لم يكن هناك متابعة من مجتمع مدني أو او الصحة او حتى البيئة بل حتى الاتحادات المعنية في الامر ليس لها علاقة بنا وكأننا في مجتمع فوضوي ويضيف رافد حسين ان الحدادين الذين يعملون في الشركات الاجنبية التي تأتي الى العراق عادة ما يكون العمل معها عن طريق تقديم كافة التسهيلات للحدادين من اقنعة او ملابس واقية لهم لكننا لم تشهد أي شيء قد تقدم لنا من قبل تلك الهيئات الخاصة كاتحاد الصناعات وغيرها لكن لم يحصل أي شيء من ذلك اما الحوادث التي يتعرض لها الحدادين ليس هناك أي تامين او ضمان من قبل الدولة لهم او تقديم إعانات أو مساعدات لإكمال مشاريعهم تبقى حسب الخبرة والذكاء في العمل.
حلول ..غير مفعلة
حسين الدبوس رئيس اتحاد الصناعات في ذي قار فقد قال إن علاقة اتحاد الصناعات بالحرفيين الحدادين مقتصرة على أصحاب ورش الحدادة فقط أي رب العمل ذلك ما نص عليه قانون اتحاد الصناعات العراقي رقم 34 لسنة 2002 إما العمال العاملون في هذه الورش فيتبعون إلى نقابة العمال وينظم عملهم قانون العمل رقم 71 لسنة 1987 وهذا القانون ينظم العلاقة بين رب العمل والعامل ويوفر الحماية للطرفين رب العمل والعامل على حداً سواء وذلك من خلال ما ورد فيه من نصوص ومنها المادة 116 أولا التي نصت على تشكيل لجان التفتيش على المشاريع الصناعية وهي تتكون ممثل كل من اتحاد الصناعات ونقابة العمال وممثل عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهذه اللجنة تتابع تنفيذ قانون العمل والضمانات التي نص عليها لحماية العامل وصاحب العمل ويوضح الدبوس وكذلك قانون الضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 والذي ينظم التامين الاجتماعي وهو النظام الذي تفرضه الدولة على الأفراد لحمايتهم من المخاطر الاجتماعية كل المرض وإصابات العمل والعجز والشيخوخة والوفاة مقابل اشتراكات محددة تدفع من قبلهم مقابل تمتعهم بالحقوق التي يرتبها التامين
ويضيف الدبوس أما بخصوص الضمانات التي يقدمها اتحاد الصناعات العراقي فهي تمثل رب العمل في محكمة العمل وهي المحكمة المختصة بفض النزاع الذي يحصل بين رب العمل والعامل ضمن قانون العمل رقم 71 لسنة 1987 وكذا توفير القروض لأصحاب المشاريع الصناعية والحرفية وهي الآن موجودة وبإمكان صاحب العمل أن يزور مقر الاتحاد في ذي قار وان ينظموا استمارة القرض وأيضا تخصيص قطعة ارض للصناعي لغرض إنشاء مشروع صناعي عليها وفق قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 98 والاتحاد هو الممثل الوحيد للصناعيين وفق قانون الاتحاد رقم 34 لسنة 2002 وتابع الدبوس وقد خاطب الاتحاد الحكومة المحلية في ذي قار حول حصر المشاريع المختصة بالحدادة إن تكون حصرا للحدادين من أهل المحافظة وان لا يقبل دخول حداد إلى المناقصات والمشاريع المعروضة في المحافظة إذا لم يكن يحمل هوية اتحاد الصناعات العراقي فرع ذي قار لتميز الحدادين من أبناء المحافظة عن غيرهم لكن لم نلقى تعاون من الحكومة المحلية في ذي قار إطلاقا
وفي ذات السياق اشارت دائرة العمل والضمان الاجتماعي في ذي قار ان كل الحرف الموجودة في المدينة هي مسجلة لديهم وان اغلب الحوادث التي تقع فبعض المهن الخطرة كالحدادة فهناك قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتي تضمن راتب تقاعدي او تعويض عن تلك الحوادث اما فيما يخص الذين لم يسجلوا في الضمان الاجتماعي يكون هناك تبليغ لصاحب الحرفة اما اذا لم يستجيب فهناك عقوبة لهذا الغرض لعدم التسجيل
وتبقى دائرة العمل هي الضمان الحقيقي لتلك الحرف فليس هناك من يكون خارج صلاحيتها الا فيما ندر لكن القوانين تلاحق كل من لا يسجل في تلك الضمانات لأنها أولا وأخيرا تبقى لصالح العامل أو الحرفة المعنية بالأمر