إلى متى وزارة السياحة والآثار بلا قانون ؟ !!!! الباحث الاثاري عامر عبد الرزاق الزبيدي

Wed, 30 Nov 2011 الساعة : 12:08

 من ينكر أن العراق يتربع على أكثر دول العالم بعدد المواقع الأثرية التي تجاوزت ( 20000 ) عشرين ألف موقع اثري في ضل المسوحات الأخيرة , وكل العالم يعترف بأن حضارة وادي الرافدين هي أقدم الحضارات القديمة , وهي أم الدنيا , فهذه الحضارة وفي تلك البقعة المباركة من الأرض ( العراق ) اكتشفت الكتابة قبل خمسة ألاف وخمسمائة عام في مدينة الوركاء , وهاهنا أسس لأول قانون عرفته البشرية ( قانون أورنمو ) , وأول مدرسة , وأول نظام للري , واخترعوا العجلة , ودولاب الفخار , وفي هذا البلد أنشأت أول دار عدالة , وأول متحف , وأول دار لتعليم الموسيقى , وأول نضريات الطب والهندسة والرياضيات , وبنوا أولى المعابد , والقصور والزقورات , وهاهنا بدأت أولى الإصلاحات ( إصلاحات أوروكاجينا ) , وأطلق في هذا البلد أول تعبير لكلمة الحرية في العالم ( امارجي ) .
وهاهي جميع دول العالم يرفعون القبعة إجلال واحتراما عندما يذكر أسم العراق وحضارة وادي الرافدين اعتزازا لحضارة بثقت النور في هذه الأرض المعمورة , وعلمت البشرية الحرف الأول , لكن للأسف الشديد عانت حضارة وادي الرافدين وآثارها من نكبات لاتغتفر فمنذ الاحتلال العثماني للعراق وتكالب البعثات الأجنبية على آثارنا وهي تنقب في أهم المواقع , وتصدر آثارنا إلى متاحفها كغنيمة بلا حق ولا مشروعية , حتى لا يخلو متحف في العالم من أكثر من (100) مئة قطعة من العراق ناهيك عن المتاحف التي تضم آلاف القطع المسروقة من حضارة وادي الرافدين , حتى لا يخلو متحف في العالم من شرقها وغربها من قطع آثارنا , وبقى هذا الحال حتى نظام الطاغية صدام الذي عاث بآثارنا الفساد وشكل المافيات لسرقة الآثار لحساب عائلته وأعوانه , وبعد أن من الله علينا بزوال أعتى نظام في التاريخ كنا نمني النفس بأن يعطون لآثار العراق بعض حقها لتعود حضارة وادي الرافدين إلى الريادة , لكن كان هناك خنجر مسموم في انتظارها , فدمر متحف بغداد وسرقت أغلب قطعه المهمة , وسرقت المواقع الأثرية , وهربت مئات الآلاف من القطع خارج حدود العراق , بأكبر جريمة منظمة لسرقة الآثار في العالم ,على مرأى ومسمع من منظمات الأمم المتحدة ودول الجوار المتورطة , وقوات الاحتلال.
وكنا نحن كمختصين ننتظر أن تشكل وزارة للسياحة والآثار لأن هذا القطاع بحاجة إلى نهضة , والوزارة شيء ضروري لمساعدة ذلك الجانب الحيوي, حيث إن هناك مئة وستة وعشرين دولة في العالم تعتمد في اقتصادها ألان على السياحة والآثار , وأصبحت السياحة والآثار الاقتصاد البديل المهم لأغلب دول العالم , ونحن في العراق لدينا خزين كبير لا يعد ولا يحصى من المواقع الاثارية والتراثية من شمال البلد إلى جنوبه , وأصبحت الآن في القرن الواحد والعشرين السياحة والآثار عبارة عن صناعة يجب تطويرها والاهتمام بها واستغلال إيراداتها لصالح البلد , فدولة مثل فرنسا أحدى الدول الصناعية السبعة الكبرى في العالم وتعتمد في اقتصادها ب 20% منه على قطاع السياحة والآثار .
وبعد أن شكلت وزارة السياحة والآثار بعد مخاض طويل ولدت بشهرها الثامن !! ففوجئنا بأنها وزارة دولة لشؤون السياحة والآثار أي وزارة بلا سلطة ولا صلاحيات ولا مالية ولا قانون ولا خطط للنهوض بالواقع الأثري .......فمجرد منصب وزير بلا حول ولا قوة .... وأصبحت الآثار تدار من قبل وزارتين فالمالية والصلاحيات لوزارة الثقافة , وبعض الإداريات للسياحة والآثار !!! وكلا الوزارتين تقول عائديه الآثار لي وكأننا أصبحنا مولودا لأبوين !! فلا نعرف من هو مرجع الآثار ؟ فشكلوا وزارة السياحة والآثار وأعطوا مرجعية الآثار للثقافة , وهذا لم يحدث في أي دولة في العالم فهل توجد دائرة تدار من قبل وزارتين؟!!!!! , وإذا سألت فالعذر موجود وهو إن قانون وزارة السياحة والآثار قد رفع إلى البرلمان العراقي , لكنه حفظ حفظا جيدا على رف البرلمان ولم يرى النور منذ أكثر من أربع سنين , وما هو السبب ؟ ومن هو المسئول ؟ ومن هو المستفيد من تأخير ذلك القانون ؟
أسئلة بلا جواب شافي , وحضارة تضيع يوما بعد يوم , فإهمال وتهميش , وسرقة المواقع الأثرية لا زالت مستمرة إلى يومنا الحاضر , وقد قلتها مرارا وتكرارا بأن تعطيل إقرار قانون وزارة السياحة والآثار سوف يزيد من عمليات السرقة , والتستر على كل المتورطين بتدمير آثار هذا البلد في الداخل والخارج من أناس عاديين ومسئولين وعصابات ومافيات ودول إقليمية .
وبعد أن سمعنا بأن هناك ترشيق لوزارات الدولة تقوم بها الحكومة , قلنا بأنها رصاصة الرحمة لموت تلك الوزارة ونسيانها إلى الأبد , لكن ما يسعد ويبكي إن الوزارة لم ترشق وحولت إلى وزارة للسياحة والآثار , لكن بلا قانون أيضا وكل شهر يقولون الشهر القادم التصويت عليه .
وبعد لقائي الأخير بالسيد معالي وزير السياحة والآثار الدكتور لواء سميسم رأيت أن هناك الهمة بالنهوض بواقع السياحة والآثار, ولدية الخطط الكفيلة لحماية المواقع الأثرية , وإعطاء الوجه المشرق لحضارة وادي الرافدين , وهو بانتظار إقرار القانون حتى يستطيع أن يعمل , ومن ثم نقيم ذلك العمل وأداء الوزارة , والدكتور بهذا الوقت لا يستطيع إن يزور المواقع الأثرية , أو أي محافظة فهو بلا صلاحيات أو إمكانيات مالية لوزارة الدولة ولا الوزارة المستقلة .
وأن قرر قانون وزارة السياحة والآثار فهذه هي الخطوة الأولى بالطريق الصحيح لكنه طريق طويل يحتاج إلى العناء وتكاتف الجهود من الجميع لرسم البسمة على ثغر حضارة وادي الرافدين , وعلى الحكومة العراقية أن تخصص الميزانية ألائقة لتلك الوزارة حتى تقوم بعمليات التنقيب والترميم والصيانة وتأهيل بعض المواقع الأثرية إلى مدن سياحية , وتسييج التلال الأثرية , وتوفير الحراسات , وتعيين خريجين الآثار .
وعلى وزارة السياحة والآثار أولا الخروج من المنطقة الخضراء التي لايدخلها إلا المسؤوليين , وعليها بناء متحف عملاق في بغداد يليق بحفظ وعرض آثار العراق , وإقامة مؤتمر يجمع كل اثاريين العراق لتقييم وإعادة دراسة عمل الآثار , وعلى وزارة السياحة والآثار أن تقوم بفتح ملف سرقة الآثار منذ عام 2003 إلى يومنا هذا , ومحاسبة كل المقصرين والمتورطين بتدمير الإرث الحضاري العراقي .
وفي الختام أقول للسادة البرلمانيين الكرام إن البرلمان العراقي هو أقدم برلمان على الأرض أسسه كلكامش قبل ثلاثة الاف عام قبل الميلاد في مدينة الوركاء , فإجلال واحتراما لهذا البلد العظيم وتاريخه وحضارته أن تقروا قانون وزارة السياحة والآثار , وأن تعطوا لذلك القطاع المساحة الكافية في أفكاركم وعقولكم , وأن لا تناموا وأثار العراق تسرق في النهار قبل الليل .
فهاهو كلكامش وأورنمو وسرجون وحمورابي يقفون على أبوابكم يترجوكم لحماية اثار العراق , وتشكيل وزارة مهيبة لحضارة وادي الرافدين معززة بقانون رصين تصوت علية أياديكم .
وهاهي أيادي انو و أنليل و أنكي متضرعة للسماء لحفظ حضارة نقشت ارثها في طين ذلك البلد فسطرت الإبداع والبناء والتقدم الذي يتغنى به العالم , ونفتخر نحن به في محافل الدنيا والمؤتمرات العالمية .
ورغم أني محبط جدا لكن أني متأكد بأن العراق سينهض من جديد وإثارة ستبقى ترعاها الالهه وستحل اللعنة على كل من يسرق قطعة أثرية من ذلك البلد الجريح ..... وأني كلي أمل برجال العراق أنهم سيشمرون عن سواعدهم للنهوض بذلك الواقع الأثري المهم .

عامر عبد الرزاق الزبيدي
منقب اثار / دائرة اثار ذي قار
 

Share |