الدولة بين رجال الدين والسياسة-مهدي الصافي-استراليا

Fri, 20 May 2011 الساعة : 22:22

لم يتمكن المسلمين بعد وفاة الرسول الأكرم محمد( ص) من تأسيس أو تطبيق مفهوم الدولة الإسلامية الحقيقية,فقد عملت الدولتين الأموية والعباسية بكل قوة على فصل الدين عن السياسة ,مع إعطاء دورا منفصلا للفقهاء ورجال الدين في تولي أمور القضاء وبعض المسؤوليات الاجتماعية,
كان الحكام يمارسون فنون الدهاء والمكر وحتى الخدع السياسية في إدارة أمور الدولة والعباد,ملوك بلباس الخليفة الشرعي(الذي يؤم المسلمين في الصلاة أحيانا كي يعطي طابعا دينيا لحكمه),امتدت إمبراطورياتهم إلى أمم وشعوب, وبلدان ماوراء البحار القريبة والبعيدة,استخدمت في بعض تلك الفتوحات أمورا لايقبلها الدين الإسلامي,مع إنها أثمرت بإدخال بعض تلك الشعوب إلى الإسلام,إلا انه كان إسلام تحت حد السيف ,تماما كما تفعل كل الأديان السماوية والوضعية الأخرى
تعد فترة حكم الأمام علي( ع )هي بداية بناء مشروع التطبيق الحرفي للدولة الإسلامية الشرعية ,لكنها بقيت دولة غير متكاملة الأطراف, واجهت عدة أزمات وانشقاقات وصراعات وحتى حروب(أهمها معركة الجمل-حرب صفين-فتنة الخوارج) ,لذا فهي تعد نموذج معطل أجهض بفعل الدهاء السياسي المتداخل مع القشور الدينية.
يقول الشيعة وبعض علماء المسلمين السنة بأن بناء نموذج الدولة الإسلامية المتكاملة,لايعد أمرا محرما أو مستحيلا,عند الشيعة يحتاج إلى إمام معصوم أو من ينوب عنه(كولاية الفقيه), وعند السنة يقترب من فكرة إحياء دولة
.الخلافة,ولكن البعض من رجال الدين يختلفون في طرح تلك الأفكار الصعبة التطبيق,وفق المستجدات السياسية الدولية ,التي تفرض بعض القوانين والمعايير الدولية الملزمة للجميع ولو شكليا,ولهذا انفتحت أفكار بعض علماء المسلمين على المستحدثات السياسية المتمثلة بفكرة تشكيل الأحزاب والحركات الإسلامية,المنخرطة في دوامة الصراع السياسي مع الأحزاب المختلفة(العلمانية القومية والوطنية او المستقلة وغيرها),ولكنها تبقى أسيرة الفكر والمنهج وشروط التطبيق الفعلي لنظرية الإسلام السياسي ,ومؤهلات القائمين على تلك الأحزاب الدينية الروحية والنفسية,وهنا يحصل الاصطدام بين مفهوم الدين والسياسة وضرورة الفصل بينهما,عندما يجد بعض المشتغلين بالسياسة ممن يؤمنون بفكرة إقامة الدولة(المؤمنة بأن الدين الإسلامي مصدر التشريع الدستوري) العصرية القابلة للنمو والازدهار والبقاء,أن بعض رجال الدين (علماء ومراجع) لايفقهون شيئا في السياسة,ولهذا عليهم أن لايمارسوا سلطاتهم الدينية لخنق الدولة وتعطيل مسيرتها الطبيعية,
فقد كانت جهود السيد الخميني والسيد محمد باقر الصدر رحمهم الله منصبة على إحياء مشروع دولة الإمام علي ع,مع إنها واجهت عدة إشكالات داخلية وخارجية,الداخلية المتمثلة بخروج السيدين الخميني والصدر عن السير المألوفة لرجل الحوزة المنكفئ على دراسة العلوم الشرعية والفقهية فقط,والمواجهة التقليدية مع رجال الحوزة البعيدين عن أغوار وأسرار السياسة(وهي القطب أو الجهة الأقوى في هذه المواجه),والخارجية المتعلقة بالمخاوف الامبريالية من بزوغ نجم الإسلام السياسي المتحرر من قيود وشروط الاستعمار الرأسمالي.
لهذا عندما نسمع أحاديث وأفكار تتحدث عن الفصل بين الدين والسياسة,لايقصد بها أحيانا إخراج النظام السياسي والقانوني للدولة عن المسار الإسلامية المتداخل مع المجتمعات الإسلامية بشكل روحي ووجداني,وإنما المعني بهذه القضية فصل رجال الدين الذين لايعرفون فنون السياسة المحلية والدولية عن التدخلات الغير مدروسة في خضم الصراعات السياسية الدائرة بين الأحزاب والحركات والتوجهات السياسية الوطنية .
تجربة السيد السيستاني تجربة رائدة في مجال الابتعاد عن بعض تلك الصراعات السياسية الدائرة حاليا بين الكتل المشاركة في الحكومة الحالية,إلا إن إقحام اسم المرجعية مع السفرات الاستعراضية المكوكية لبعض السياسيين والشخصيات السياسية الداخلية والخارجية,أصبحت نقمة وبلاء اضر بمصالح الشعب العراقي,البعض أراد استغلال المرجعية لمصالحه الفئوية,سارقا أضواء الإعلام الموجه واللعب بورقة تأييد المرجعية(حتى مع إنكار المرجعية إعطاءها لهذا الصك المستغل من قبل البعض),تبقى ملامح التأثير والاستفادة من هذه الزيارات طافحة على سطح التنافس السياسي,
تبقى فقط حيرة الجماهير الموزعة بين مرجعياتها الدينية(الغير مؤمنة تماما بفكرة الدولة المدنية الإسلامية) وبين من استحوذ على قاعدتها الجماهيرية الكبيرة.
إن أكثر الشخصيات الدينية المتفاعلة والمتداخلة مع الوضع السياسي العراقي حاليا ,هي شخصية السيد الشاب مقتدى الصدر حامل لواء والده وعمه الشهيد الصدر الأول(على اعتبار إن لها كتلة ممثلة في البرلمان العراقي),رغم صفة العنف والتشدد الملازمة لتياره الصدري,وكذلك السيد عمار الحكيم وريث قيادة المجلس الأعلى الإسلامي وعائلة دينية عريقة,وعوائل دينية معروفة يتجاهلها الإعلام عمدا كعائلة الشيخ الناصري في الجنوب وآخرين (في محافظات العمارة والسماوة والبصرة الخ),ولكننا لا نجد تيارا سياسيا علنيا يمثل سماحة السيد السيستاني في البرلمان أو الحكومة,مع إن له ثقلا جماهيريا يفوق الجميع .
السؤال المفتوح للنقاش هل إن مفهوم ربط أو فصل الدين عن السياسة, تعني إبعاد رجل الدين(الفقيه) المقتحم لعالم السياسة دون خبرة ,أم تعني الرجل المسلم(سواء كان رجل دين أو شخصية اجتماعية عادية) الملتزم دستوريا وأخلاقيا بتعاليم الدين الإسلامي وشريعته الإلزامية,والمؤمن بالدولة المدنية المتحضرة ,العاملة وفق أحدث النظم الإدارية العالمية.

Share |