الأقاليم ومعايير المهام الوطنية -سلام خماط
Thu, 24 Nov 2011 الساعة : 11:08

لقد برهنت جميع التجارب الدستورية الناجحة وفي مختلف دول العالم بأنها لم تكن كذلك الا بعد بناء منظومة متكاملة من الوعي الثقافي والسياسي والحقوقي, واستحالة تحويل الدستور إلى قانون مُلزم للجميع إذا لم تتضافر فيه معايير المهام الوطنية الكبرى ومن أهمها ضمان حاضر ومستقبل البلدان التي حققت هذا النجاح . لذا نقول إن أخطر ما في الدستور أن يتحوّل إلى قانون يدافع عن مصالح أحزاب وكتل سياسية ساهمت في صياغته فأصبحت نقطة الضعف الجوهرية في الدستور العراقي الحالي, والذي جاء نتيجة توافقات (مساومات ) سياسية بينما نجد أن دساتير العالم تكتب بوحي منهجية واحدة تمثل هموم ومصالح الدولة والمجتمع وليس مصالح النخب السياسية ,فالأحزاب التي ولدت اغلبها بعد سقوط النظام السياسي السابق لم تجعل من الدستور وثيقة تمثل الأبعاد الكلية للتجربة العراقية بل جعلت منه وثيقة تمثل مصالحهم في توزيع الثروة والمناصب التي إباحتها المحاصصة البغيضة. من هنا نستطيع القول أن الدستور العراقي الدائم لم يكن دائماً من دون معايير وطنية عامة تتصف بالثبات الوطني في أوقات الانعطافات الحادة والتحولات المفاجئة والأوقات العصيبة. إن التجربة الدستورية الحالية ما هي إلا عبارة عن تجربة متعثرة من حيث الغاية وما رافقها من مصلحيه وتهميش وإلغاء وإساءة لمكونات عديدة من الشعب العراقي وفي مقدمتها المكون الثقافي, ناهيك عمّا تعرض له البعض ممن يطلق عليهم تسمية الأقليات من تهميش كذلك,وكأن الحق دائما مع الأغلبية ,يقول الأمام علي (ع) : (ليس الكثرة من علامات الحق ولا القلة من إمارات الباطل ) أما من حيث الوسيلة فقد لعبت الدعاية والإعلام دوراً مهماً سواء قبل كتابة الدستور أو قبل الاستفتاء عليه إلا أن مراحل التطبيق الفعلي قد كشفت عن المتناقضات الكثيرة في مواده وخضوعها لإرادة القوى السياسية التي أسهمت في كتابته فكان الصراع بين هذه القوى على أشده ليس من أجل تعميقها لفكرة الشرعية والنظام بل من أجل إدراج مطالبها وإعطائها الصفة الشرعية,حتى بات تشريع أي قانون يحتاج إلى توافق سياسي وليس الى تصويت من قبل أعضاء مجلس النواب , المتعارف عليه من خلال إطلاعنا على تجارب الشعوب أن الدساتير لا تكتبها النخب السياسية لأن الدستور وثيقة وطنية وليس وثيقة حزبية فقد ضم الدستور العراقي على العديد من المواد التي ساد فيها الخاص على العام وأصبح مصدر من مصادر النزاع ، مثال على ذلك المناطق المتنازع عليها بين المحافظات أو بين المركز وإقليم كردستان وخاصة حول مسالة كركوك.وألان طغت على الساحة السياسية مشكلة إقامة الأقاليم ومنها قرار مجلس محافظة صلاح الدين وما رافقه من لغط كبير بين رافض ومؤيد , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف النخب السياسية وانحرافها عن مستلزمات الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الحقيقي, وهذا الضعف قد يرجع إلى سببين أحدهما فقدان الحياة السياسية والحقوقية في العراق لعقود كثيرة، والآخر قد يرجع إلى خضوع تلك النخب لقوى خارجية قد تكون ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بصعود بعض هذه النخب إلى هرم السُلطة.