اطلالة على تجربة شكيب كاظم النقدية-كريم الوائلي
Wed, 23 Nov 2011 الساعة : 14:03

اشتغل الناقد شكيب كاظم في المنطقة الوسطى من الساحة النقدية العراقية ، وقد اختار موقع مشغله النقدي بتروي متسللا من فراغات الرؤى التي غادرها مجبرون النقاد العراقيين النمطيين من رواد المدارس التي افّلت في الثلث الثالث من القرن الماضي ولا سيما رواد الواقعية الاشتراكية وباتوا يتحدثون عن الحداثة اتساقا مع الدعوة للبدائل الفكرية لاثبات حضورهم وهذا ما يبرر صمتهم النقدي الشائع اليوم ، وقبل ذلك تراجعت الرؤية النقدية الواحدية التي رفع رايتها في العراق المثقفون المحافظون طيلة الفترة التي سبقت عام 2003 في وقت لم نسمع فيه او نقرأ عن مدرسة نقدية اسلامية معاصرة ، ويمثل هذا هزيمة مستمرة ومنكرة للادب الاسلامي في العراق حتى يومنا هذا ، وعلى ذلك فأن المقام هنا يفرض علينا ان نلتمس بإيجاز الاسس الفكرية التي اقام عليها شكيب كاظم مشغله النقدي وهي اسس طالما اظفى عليها الناقد شيء من العتمة والغموض . تخرج الناقد شكيب كاظم عام 1975 على يد اعلام النقد العربي في العراق منهم على جواد الطاهر إبراهيم الوائلى , صلاح خالص , حسام سعيد النعيمى, على عباس علوان , عبد الرحمن رشيد العبيدى, عناد غزوان , جلال الخياط, على الزبيدى وآخرون , وفي فترة تعد من اغنى الفترات ثقافة ومعرفة في العراق واكثرها خصوبة ولا نغالى لو قلنا ان الناقد شكيب كاظم يعد وريثا شرعيا للتجربة النقدية التي عاصرها وتتلمذ على يد روادها واذا اردنا البحث في الاسس الفكرية التي ابتنى عليها شكيب تجربته النقدية فما علينا إلاّ العودة الى المهيمنات الفكرية التي القت بظلالها على اساتذته ، وقد اغترف شكيب كاظم من مناهل التراث العربي ما يكفي لملأ حيّز واسع من مخياله ، ثم انار حيّز آخر من ذهنيته من نور القرآن الكريم وما تكتنزه آياته الكريمة من ثراء . كتب ناقدنا اول مقالاته الثقافية عام 1966 وبذلك يكون الناقد شكيب كاظم قد عاصر فترة تصاعدت فيها الرؤى النقدية المختلفة وتنوعت مصادرها وشاع فيها ما كان يسمى ب((الادب الملتزم)) في وسط تميّز بالصراع السياسي الجارح ولابد ان ذلك قد ترك اثره على تشكيلته الثقافية ورؤيته النقدية والتي انتهت به الى خيار الوسطية ومقت كلمة الالتزام ((لأنها تحولت في أحيان كثيرة إلى قسر وإلزام فالالتزام الوحيد لدى المبدع و المفكر هو ما يقبله الضمير والوجدان المتعفف المتصوف )) كما قال الناقد شكيب كاظم في حوار معه منشور في جريدة الزمان ، ولم يكن الناقد شكيب في وسطيته مائلا او خارجا عن السرب النقدي وتقنياته وانما متفردا ومهيمنا بعد ان اطاح الالتزام في تلك الفترة بالمنظومة الابداعية وافقدها الاصوات النقدية الاحترافية وافرغها من الانفعال الذاتي الذي انتج الابداع الاصيل . وافضل ما منحته الوسطية للناقد شكيب كاظم استمرارية صوته النقدي وحظوره الفاعل وتفرده على الرغم من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي حصلت في العراق قبل وبعد 2003 وعلى ذلك فقد وجدنا لدا قراءتنا لعدد كبير من مقالاته النقدية ان شكيبا قد اتخذ من النقد متنفسا فكريا وابداعيا فهو فكر من حيث انه يقيّم ويقوّم الخلق الابداعي الذي يبتني يوتيبيا يحكمها فكرا بنيويا ، كما هو ابداع من حيث انه يفكك الخلق الابداعي ويعيده الى مادته الخام وعلى ذلك فأن العملية التفكيكية للخلق الابداعي هي ابداع معقد ومن طراز مختلف وهذا ما نستشفه في الاحكام النقدية التي يطلقها القضاء النقدي عند الناقد شكيب ، ومن اللمساة الابداعية التي تستفز القارئ في النسيج النقدي الذي يغزله شكيب كاظم ان هناك تنصيصا حكائيا مخبوء بين السطور يظهر صوته بين حين وآخر ويمارس غواته على القارئ ان باكورة قراءات وكشوفات الناقد شكيب كاظم ما زالت تتحكم بتجربه النقدية الى اليوم ولا سيما تلك التي التهمها من التراث العربي ون القرآن الكريم وكثير ما يزخرف مقالاته النقدية بشهادات تراثية وهو الذي خص التراث بعدد من كتبه دون ان يتخذ منه محرابا .