من احياء مدينة الناصريهمحلة الشرقيه-اياد علي الحسني
Thu, 17 Nov 2011 الساعة : 13:15

بيوت وازقة باعة الدوندرمة ، والشعر بنات، والشربت مقاه متوزعة بين الازقة، شقاوات يقيمون فيها، حمامات للرجال ، الفة وحنين، حب متبادل بين الجميع، سكان اصليون من الكرد والعرب والفرس، و نازحون من مدن العراق المختلفة، بأديان وطوائف متباينة.. صبايا جميلات يتراكضن هنا وهناك نساء يفترشن دكات البيوت، هذه هي منطقة محلة الشرقيه ، وهي احدى المحلات التي تأسست بعد سنة 1954 , وقبل ذلك حياة ضاجة بالحركة ، يدفع بها ايمان السكان بالانتماء الى هذه البقعة الصغيرة من الارض، التي تجاور حضارة عظيمه هي الحضارة السومريه ، محلة الشرقيه الذي كان يحيط ببناياتها البسيطه الفقراء من العراقيين والهنود، من المعاقين والمعافين، من المجانين والعقلاء، وباعة الاكل الذي كان يباع بسعر رخيص يتناسب ودخل هؤلاء الفقراء.
اجمل سنوات العمر
حدثني المحامي حسين الحاج فياض (ابوعلي): اجمل سنوات عمري قضيناها في هذه المنطقة، حيث البساطة والطيبة، كنت اجلس في مقهى ابو شكر والعب الدومينو مع هادي قنبر ومرات اذهب الى ساحة الحبوبي او محلة الصابئه المندائيه لمتابعة مباريات كرة القدم التي كانت تقام هناك، اما تجوالنا في الازقة والشوارع فكان له طعم خاص.
وماذا بعد؟
كنا نغادر محلتنا الى سينما الاندلس التي تقع في محلة السيف شاهدت اجمل الافلام ولا سيما افلام الكاوبوي والغراميات وغيرها. وفيلم ابي فوق الشجره ، وتزوجت فتاة من المنطقة ولي منها اولاد وبنات.
كيف تنظر الى المنطقة الان؟
كانت المحلة مزدهرة في الستينات والسبعينات في القرن الماضي وبعد ان عمدت بلدية الناصريه على اقامة شارع سريع يربط جنوب الناصريه بشمالها الممتد من جسر ذي قار الى تقاطع سيد دخيل ادى الى ترحيل العديد من العوائل من محلتهم الشرقيه بعد ان ارادت الحكومه جعل مسحه من التطور على هذه المحله وايجاد سكن جديد للعوائل ذات السكن الوقتي الذين جاؤا الى هنا بعد فيضان ابو جداحه سنة 1954 م ،تفرقة العوائل المتآخيه التي عاشت سوية بوئام منذ عشرات السنين , , وحدثني الحاج بهلول البيضاني صاحب محل للاقمشه ان التهديم شمل العديد من البيوتات القديمه التراثيه ,
ومنذ الثمانينيات بدأت المنطقة تفقد خصوصيتها شيئا فشيئا فاصحاب محال (التورنة) زحفوا بشكل غريب نحو بيوت المنطقة، ودفعوا اموالا طائلة، مقابل تخلي اصحابها عنها يمارسوا مهنتهم وتعمقت الحالة في التسعينيات
.
البحث عن الماضي
ذهبت الى هناك وجدت الحديد هو القاسم المشترك بين بيوت المنطقة، شعرت بأن هذه المنطقة ليست تلك التي اعرفها، منذ سنوات طويلة لا ادري ان كانت هي كذلك ام ان نظرتي اختلفت اليها الان
.
ولكن يبدو ان نظرتي صائبة، هي هي، وانما الاشياء اختلفت المنطقة ازيلت مقاهيها الرئيسة، والغي الحمام، حمام النساء، وحمام الرجال والشقق معظمها اغلقت وبني بدلا من ابوابها جدرانا من الطابوق
.
شخصية نوري ، يسمونه المختار، لكثرة معرفته باحوال ودقائق المنطقة، يعرف الازقة، يعرف الناس، يعرف الاطباء في شارع عكد الهوى.
يقول نوري: ولدت هنا في محلة الشرقيه وترعرعت فيها، وما زلت متواصلا معها اشعر ان كل مكان فيها، هو بيتي وملاذي لذلك يعرفني الناس هنا.
بماذا تختلف هذه المنطقة عن سواها؟
المناطق الشعبية تكاد تتشابه فيما بينها، من حيث الالفة والمحبة وعدم التمييز بين عائلة، واخرى واعدني نوري على تكملة الحديث ليوم آخر، وبعد ايام وللاسف توفي نوري لاصباته بشظية في رقبته، نتيجة انفجار سيارة مفخخة في الطريق العام قرب بيته، وبذلك فقدنا (نوري) والحديث الذي كان يريد تكملته السيد عصام محمد أمين متقاعد: وهو من سكنة المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فكان لحديثه طعم خاص عن المنطقة وناسها اذ قال:
كنا في محلة الشرقيه في خمسينيات القرن الماضي نقضي اوقاتا في ازقتها لاعبين مستأنسين في صبانا لانعرف شيئا اسمه سياسه ولا ولا وكنت مستغلا زيارات والدتي للخياطة ام فاطمة التي تطل دارها على واجهةبارزه من بيوتات الشرقيه المتحضره .
تنتشر في منطقة محلة الشرقيه مجموعة من المقاهي الشعبية التي لا يرتادها الا المسنون، لان ليس من الاصول في تلك الفترة، ان يدخلها حتى الشباب احتراما للقيمة الاجتماعية.
لكن متغيراً مهما حصل ما بين 1958/1959 حينما اخذت بعض المقاهي، تحصل على اجهزة التلفزيون بعد ان افتتحت محطة تلفزيون بغداد عام 1956 ولما كانت العوائل لا تستطيع تحمل عبء شراء جهاز تلفزيون، كان صبيان تلك الاحياء يتجمعون في ركن من اركان المقهى الى جوار التلفزيون، مقابل مبلغ قدره (عشرة فلوس) يستحصله صاحب المقهى، ليقدم بعد ذلك، قطعة من الحلوى (الحلقوم) لان شاي المقاهي (السنكين( لا يتجرعه هؤلاء الصبية.
,
وعن طبيعة الحياة في تلك الفترة قال: كانت تمتاز بالبساطة والالفة المبالغ فيها، فحتى المشكلات التي عادة ما تحصل في تلك الاحياء، سرعان ما تحل حينما يُقبل احد وجوة المنطقة على دعوة المتخاصمين على مائدة غداء، وكانت ابرز هذه الوجوه الشيخ محمد حسن عليوي الخضري وقاسم السيد هجر الدخيلي و الحاج جواد العضاض والسيد راضي السيد عثمان
.
في عام 1958، بينما كان التراحم والتحابب علامات بارزة لتقاليد ابناء المنطقة، ويهمني ان اذكر في مواسم عاشوراء كان ابناء المنطقة بعيدون عن الانتماء المذهبي، يحيون المناسبات من خلال مواكب عزاء النساء في البيوت ومواكب عزاء الرجال في الفضاءات العامة بما يعرف(السباية) فكان هنالك عزاءان كبيران احدهما يحييه الحاج جواد العضاض ، وعزاء الاكراد الفيلية، يقام في محلة السيف.
ثم تحدث عن المهن في المنطقة فقال: اهم المهن التي كانت تمارس في تلك الفترة هي مهنة المجبرجية اذ كانت مزدهرة في تلك الفترة لان الاطباء عادة ما يعجزون عن علاج الكسور والرضوض كما يردد الناس ذلك، في حين يمتاز المجبرجية بمهارة فائقة تكاد تكون روحية ونفسية في التعامل مع المريض بسبب عمر المجبرجي الذي كان رجلا كبيرا وحاجا مما يولد الاطمئنان لدى الجميع بمراجعة حتى النساء كن يراجعن هؤلاء المجبرجية دون حرج يكشفن عن ارجلهن وسيقانهن التي قد تتعرض الى كسر
او رض.
الحلويات
كانت هنالك نوعان من الحلويات الاولى الحلويات الشعبية التي يقبل غالبية ابناء المنطقة على التلذذ بها وشرائها لرخص سعرها ومن هذه الانواع الزلابية والبقلاوة والبرمة والشعرية وتقع اماكن بيعها في شارع الصباغ. اما النوع الثاني، فينتصب محلات ابو شكريه وهي من الحلويات الجيده والفاخره في المنطقه.
الحياة هكذا
ناس تذهب، ناس تعود، لكن الحياة تستمر وتعلن عن تجددها في جميع المجالات، ولا تبقى مستمرة في مكان واحد، او عند نقطة واحدة.
ولكن يبقى طعم اول مكان في حياتنا طعم خاص لا يريد ان يفارق كل ما فينا، بدءا بالذاكرة وصولا الى دبيب اقدامنا فوق رصيفه.