بغداد تظل موحده عبر العصور-محمد خالد علي السبهان
Tue, 15 Nov 2011 الساعة : 14:33

قبل ان ناتي على معنى كلمة بغداد أو اسم بغداد: المركب من كلمتين آراميتين،هناك على الأقل تحليلان اثنين وتفسيران من حيث البناء اللغوي والمعنى.
في التحليل الأول، نجزئ بغداد الى بَ وهو اختزال لكلمة بيت وهذا يرد كثيرا في الأسماء الآرامية القديمة لا سيما أسماء المواقع الجغرافية من القرى والأرياف، نحنو بعقوبا(بيت المتعقب) بعشيقا (بيت المتكبر) وبرطلي (بيت الأرطال) ثم نجزئها الى جذاذ (بغداد) وهي كلمة آرامية سريانية معناها إما هو خيط أو نسيج عنكبوت ) وهكذا إذن يكون معنى اسم بغداد ( (بيت نسيج العنكبوت)، نجزئ بغداد الى باغ: وهي تعني في الآرامية السريانية (جنينة، بحر،بطيح، سهل) ثم نجزئها الى داد: وهذه أيضا كلمة آرامية سريانية، ومعناها (حبيب، عم، خال) وهكذا هنا أيضا يكون معنى اسم بغداد (جنينة الحبيب أو العم أو الخال) أو بستانهم وان لفظة داد قد وردت في الاكدية بصيغة داد: وفي العبرية بصيغة دود (بإمالة الواو) وفي العامية العراقية بصيغة داد أيضا.
بغداد مدينة السلام المدينة الابية , عاصمة الدولة الاسلاميه , ذات تاريخ زاهر ومستقبل باهر وحضارة مجيدة وآثار عتيدة , وهي من المدن العالمية التي قارعت الأحداث , وقاومت الزمن , ورأت مجديات التاريخ ووجوه أهل العرب وأهل السياسة ورجال العلم والفنون والكياسة ما قل أن رأته عاصمة من عواصم الدنيا وان سميت مدينة السلام , ما من مدينة من مدن العالم العربي والإسلامي انفردت بشهرة واسعة وذاع صيتها في الآفاق مثل بغداد واسم بغداد كان ولا زال يرن في آذان الدهور ورسمها لا يزال متعالياً على تعاقب العصور.
جمعت بغداد العلماء والأدباء والدنيا والدين والأصالة والقدم والجمال والجلال وظلت بغداد تعبيراً في الشيء الجميل النفيس الثمين الرائع البديع وبغداد ملاذ الطيور المهاجرة وفي مقدمتها اللقالق التي كانت تتخذ أعشاشها على أعالي قباب المساجد والمآذن وبعض قباب الكنائس وأجراسها وتظل ليالي الصيف تلقلق بأصواتها التي ألفها أهل بغداد وكانوا يستطيبونها ولا يضجرون منها وكان يتغنى الشعراء بها ويتغنى بثقافتها.. بغداد والشعراء والصور.
فهي المدينة العامرة بالمحبة والإيمان والعطاء..بغداد ألق الماضي وزهر الحاضر , ظلت صامدة على مر العصور متحدية المحن وعاديات الزمن تجدد نفسها في كل حين وتنفض عنها رماد الفجيعة ليلة جاءها هولاكو غازياً حاقداً وغادراً لإطفاء جذوة النور التي جاء بها الإسلام فطوت صفحته السوداء لتستمر رسالة بغداد إلى الإنسانية تنويراً وعقلاً لبناء الحياة وتشييد حاضرة الإسلام الموحدة رفاهاً وعدلاً لتواصل نهضتها. هذه بغداد حاضرة الدنيا , ومعدن لكل فضيلة , والمحلة التي سيق أهلها إلى حمل ألوية المعارف , ورقة الأخلاق والنباهة والذكاء وحدة الأفكار ونفاذ الخواطر والعراق بلد إبراهيم عليه السلام جعل الله تعالى خزائن علمه في أهل العراق واسكن الرحمة قلوبهم.العراق بلد الحسين عليه السلام بلد الشهداء والصالحين
العراق مسير حضاري قديم طويل مستديم مستمر في خدمة المدينة والعلم والفكر والإنسان، طلعت شمس بازغة في العراق واستطال ضياؤها اللامع ونورها الساطع في الآفاق يستفاء بإشراقها ويهتدي بأضواء كلمتها تظل بغداد تتفجر بالنفحات وتنبثق بالخيرات يتهدل دوحها بأنواع الثمار وتقترب تينها عن لطائف الإزهار رياضها بشوارق الأنوار
لقد تناول وصف بغداد عدد كبير من المؤرخين والباحثين , أرخو خططها وسجلوا هندستها وحضارتها , ووصفوا مجدها وتراثها وآثارها وأخبارها وحضارتها. وقد وصفت بغداد بأنها كانت من أعظم المدن هندسة وإحكاما والتئاماً والتصاقاً. قال الجاحظ في وصفها ( رأيت المدن العظام بالشام والروم وغيرهما فلم أر مدينة قط ارفع سمكاً , ولا أجود استدارة. ولا أوسع أبوابا ولا أنبل نبلاً , مدينة بغداد , كأنما صيغت في قالب وكأنما أفرغت إفراغا ).
(دار السلام ) وهو اسم مقتبس من القران الكريم عن الجنة في قوله تعالى في سورة الإنعام ( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ).
(الزوراء ) لان الجانب الغربي من بغداد كان يسمى الزوراء في العصر الإسلامي...( المدينة المدورة ) لانها شيدت على شكل دائرة وقالوا في بغداد انها ( حاضرة الدنيا) وقالوا إنها دار الدنيا باجمعها وقالوا انها ( جنة الأرض ) وقالوا إنها معبر العرب وقالوا ومدينة العلم وينبوع الآداب ومثبت الحكم. وست البلاد وعين العراق , ونزهة الأمصار والآفاق , بغداد عاصمة للعراق , وميراث تاريخه الفريد , مرفأ الحكمة والشجاعة وعنوان المعرفة على امتداد الزمن , والحضور الدائم في ذاكرة الإنسان. تفنن بها الشعراء وشدت إليها الرحال من كل حدب وصوب طلباً للعلم..
مدينة بهذا العمق من الحضارة والتاريخ لابد لها من ان تجتاز حاضرها الصعب المرتهن بمطرقة الارهاب الأعمى .
وستبقى بغداد كما كانت عاصمة الدنيا ومنارة الحضارة الانسانية.
وتبقى بغداد تضرب بها الأمثال بثقافتها.. “القاهرة تكتب.. وبيروت تنشر.. وبغداد تقرأ".
سكريبت اتصل بنا 2.5 من إنترنت بلس