طبول الحرب الفارغة و دوافع التهويل!-خليل الفائزي

Mon, 14 Nov 2011 الساعة : 14:38

للمرة المئة دقت دول وأطراف الحرب الكونية الثالثة الطبول الفارغة للعمليات العسكرية المزعومة و صار كل طرف فرح بما لديه من أسلحة دمار شامل للبشرية و أجهزة قتل متطورة للإنسانية و تخريب كامل للبنى التحتية و المدن، و تفاخر كل طرف انه قادر على تدمير نصف العالم بضغطة زر في اي وقت ما يشاء و كيفما يشاء!، وكأن البشر مجموعات من صراصير و نمل يتم القضاء عليهم بكل برود و بساطة و قتلهم جماعيا ببخاخات نووية هذه المرة!
الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقدت إيران لما أسمته سعيها امتلاك سلاح نووي وادعت في آخر تقرير لها ان إيران تخطط ومنذ أعوام للحصول على القنبلة النووية وتجهيز رؤوس صواريخها البعيدة المدة بأسلحة نووية. أمريكا و كالعادة سارعت الى تهديد إيران بالضربات العسكرية داعية حلفاءها الى الانضمام لها في تنفيذ مثل هذه الضربات اذا تطلب المخطط المرسوم لاحتلال دولة جديدة، فيما اعنت أوروبا انها تؤيد فرض عقوبات صارمة هذه المرة على إيران قد تشمل قطع العلاقات ورفض شراء النفط الإيراني وفرض عقوبات كالتي كانت قائمة على نظام القذافي بعد إثبات تورطه في حادثة لوكربي وقبل دفعع التعويضات المالية المعروفة. و لكن التهديد الأبرز في هذا السياق جاء من قبل إسرائيل التي هددت انها ستقصف جميع مواقع إيران النووية في حالة عدم إيقاف إيران لنشاطها النووي فورا.

الحكومة الإيرانية و على لسان رئيسها احمدي نجاد أكدت انها لن توقف برامجها النووية مطلقا فيما هدد قادة إيران العسكريون انهم سيضربون قواعد أمريكا في المنطقة بالإضافة الى تدمير تل أبيب و مفاعل ديمونة في صحراء النقب و هم قادرون على ذلك حسب قولهم بفضل صواريخ شهاب 3 المطورة و كذلك الصواريخ المتوسطة المدى التي بحوزة حزب الله المتواجد عسكريا في جنوب لبنان، وهذا يعني ان طهران تقول لجميع أطراف الحرب من الجهة الأخرى انها لا تخشى المواجهة العسكرية و انها مستعدة للدخول في حرب مدمرة و قطعا لن تكون متكافئة اذا شاركت فيها أمريكا و أوروبا (الناتو) وحتى لو تم احتلال إيران على غرار ما حل بأفغانستان و العراق و أخيرا بليبيا دون ان يتم العثور على اي سلاح نووي و لا معدات لصناعة مثل هذه الأسلحة، و هذا يعني ان احتلال العراق على الأقل كان سببه دوافع أخرى غير الملف النووي المزعوم و لا أسلحة الدمار الشاملة التي لم يتم العثور عليها حتى الآن لا في العراق و لا ليبيا و لا أفغانستان.

و الحقيقة ان إثارة مثل هذه الضجة بين فينة وأخرى لها مدلولات ودوافع تحقق لجميع مثيريها عن سهو او قصد الكثير من الأهداف والنوايا، فمثلا إسرائيل تواجه الان معارضات داخلية ومسيرات تهدد بإسقاط الحكومة الحالية و هلع إسرائيل المبطن من ربيع الانتفاضات العربية، وقطعا إثارة شن الحرب على إيران يحقق لحكومة الإسرائيلية مكسبا إعلاميا و سياسيا هاما لإخماد الاعتراضات او إسكاتها مرحليا بذريعة ان الدولة الإسرائيلية تواجه خطر تدميرها بالسلاح النووي الإيراني.
و أمريكا هي الأخرى لا تختلف عن إسرائيل من ناحية المعضلات الداخلية خاصة اعتراضات وول ستريت ومسيرات (احتلوا) لأسواق البورصة و المراكز المالية وفشل حكومة اوباما في تحقيق الحد الأدنى من التطلعات لاقتصادية و المعيشية للأمريكيين خاصة الذين انتخبا اوباما وأوصلوه الى البيت الأبيض بأصواتهم و توقعاتهم.

و أوروبا هي ايضا تواجه معضلات اقتصادية مشتركة تتعلق بانهيار حكومات في القارة الخضراء بسبب الأوضاع المالية وتدهور العملة الأوروبية المشتركة كما حل مؤخرا باليونان و إسبانيا و تبعتها إيطاليا التي كانت حتى الأمس قطبا اقتصاديا كبيرا في أوروبا بفضل السياحة و البيتزا! و لكنها قد تعلن إفلاسها وخروجها ربما من منظومة اليورو قريبا.

فيما يخص إيران، هناك نوعان و تياران فيها على ما يبدو، تيار يدعو الى التهدئة و التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبار ان إيران موقعة على ميثاق هذه الوكالة وعليها الالتزام بمواثيقها و قراراتها و القبول بوفد المفتشين الدوليين وفتح كافة المواقع النووية أمامهم لاثبات حسن النوايا وإفشال ذريعة الغرب وإسرائيل بشن الحرب المدمرة على إيران و قطعا هذه الحرب لن تكون لصالح اي من شعوب المنطقة و العالم مهما كانت الدوافع و المبررات و ان الشعب الإيراني سيكون الأكثر تضررا من اي حرب غير متكافئة مع جبروت الغرب و أسلحته المدمرة بعيدا عن الشعارات الجوفاء و التضليلية التي لا تغني و لا تشبع الشعب الإيراني بتاتا.
و التيار الآخر هو التيار المتطرف وغير المقبول على الصعيد الجماهيري غير الرسمي الذي يصور للشعب الإيراني و للرأي العام في المنطقة و العالم من ان الحرب ستكون مجرد نزهة و انه قادر التحكم بوقتها ومصيرها ورقعتها، و هو قطعا ادعاء باطل او غير دقيق و لا يستند لاي من الحقائق القائمة و الملموسة على ارض الواقع. و كما قال الحكماء: ان الكي آخر الدواء. وقال الشرع:لا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة. اي الحرب ستكون اخر الخيارات و ليس أولها و ان على المسئولين في إيران تدارك كوارث الحرب و ليس تصعيدا و توسيع نيران أوارها و انه يمكن نزع فتيل الحرب و سلب الطرف الآخر كافة المبررات و الذرائع من خلال إثبات حسن النية و التأكيد للعالم ، كما يقول المسئولون الإيرانيون انهم لا يريدون و لم يخططوا إطلاقا لصنع أسلحة دمار شامل بل وقولهم أيضا ان صناعة و امتلاك مثل هذه الأسلحة يتعارض مع الشرع الإسلامي. و عليه لابد من إيقاف و احتواء التصريحات المتطرفة و عدم التباهي والنشوة و ذرف دموع الفرح لتصريحات غير واقعية و غير قابلة للتحقيق حاليا و في الظروف و الإمكانيات الراهنة بتدمير هذه الدولة و إحراق ذلك البلد و مواجهة العالم كله،لان مثل هذه الشعارات أطلقها في السابق معتوهون بالقدرة والعظمة أمثال هتلر وصدام و القذافي و بن لادن و زعيم الطالبان و كان مصيرها معروفا و أسوة للجميع وقتل هؤلاء او أذلوا على الأقل ولكن للأسف قلّما لدينا متعضون!، وقد أكد لنا التاريخ دوما ان المتطرفين و أصحاب الشعارات النارية والجوفاء هم كانوا أول الهاربين دوما من ساحة المعركة و لاذوا بالفرار قبل غيرهم كما فعل صدام و القذافي و بن لادن و الملا عمر و الحبل على الجرار!

ومن المؤسف جدا ان الكثير من الإعلاميين و أصحاب الأقلام الرمادية من المدافعين عن الحكومة الإيرانية او المدافعين عن الغرب لا فرق بينهم بدءوا و منذ ايام التحريض على الحرب وكتابة المقالات الساخنة و حساب قدرة إيران العسكرية بعدد المسلحين و وزن طلقات الرشاشات و العصي و الهراوات و الأحجار، و حساب قدرة إسرائيل و الناتو من و قدراته العسكرية و الأسلحة الليزرية و كم صاروخ لدى ايران و نماذجها و طول كل صاروخ و وزن كل دبابة و كم رأس نووي لدى إسرائيل و كيف سيضرب الناتو إيران وحتى انهم حددوا له الأماكن النووية و العسكرية التي يعتقد هؤلاء الإعلاميين او بالأحرى يقترحون ضربها و تدميرها و وضعوا سيناريو كيف سترد إيران بصواريخها على الناتو و إسرائيل و كيف ستعبر الطائرات الإسرائيلية أجواء دول المنطقة نقلا عن خبراء وجواسيس لدى هؤلاء الإعلاميين المفلسين في البيت الأبيض و البنتاغون و الموساد الإسرائيلي و الساواما الإيرانية! و رسموا الخرائط و المسافات بالمتر و السانتي و وضعوا سيناريو كيف ستدار الحرب من على طاولات كتابتهم الصدئة والمهرهرة وكأن الحرب القادمة ستكون حربا نظرية او على الورق دون الأخذ بعين الاعتبار اننا في القرن الواحد و العشرين ويمكن إدارة الحرب و تدمير مدن و إحراق بلدان و قتل الملايين من البشر من على بعد آلاف الكيلومترات و بأسلحة ترغب الكثير من الدول اختبارها عمليا لمعرفة مدى تدميرها للمدن و قتل الملايين من البشر.
و عليه فأن اندلاع اي حرب في المنطقة لن تكون نزهة يومية و لا عملية بسيطة و لا محدودة العواقب لا لإيران و لا لإسرائيل ولا أمريكا و لاي من دول المنطقة، و ان كل من يدعي من انها سوف تكون فرصة ذهبية للتيار المتطرف في إيران بان يبسط كامل سلطته و احتكاره للحكم فهو مخطأ ، وكل من يزعم ان مثل هذه الحرب ستكون لصالح إسرائيل و أمريكا وعموما الغرب فهو على خطأ افدح، لان مثل هذه الحرب و اي حرب على شاكلتها هي دمار للمنطقة و دمار للاقتصاد العالمي و كل الشعوب الواعية والخيرة ترفض الحرب و تراها فقط أسلوبا قذرا و منحطا من جانب المسئولون القمعيون والمعمرون في السلطة ودعاة الحرب الذين قطعا لا يذكرهم التاريخ بخير و لن تكن لهم اي مكانة بين الجماهير و دعاة إرساء المجتمعات المدنية.

ويجب التأكيد هنا ان ليس من حق إيران و كافة دول العالم فحسب الدفاع عن نفسها اذا تعرضت الى اي عدوان عسكري ينتهك سيادتها و يهدد أراضيها بل من حق هذه الدول تقديم شكوى عاجلة للأمم المتحدة بهذا الخصوص والتركيز في الإعلام من ان الطرف الآخر هو الذي يدعو الى الحرب و ينوي العدوان على دول مسالمة و ملتزمة بالقرارات و المواثيق الدولية لان الجميع وافق ووقع عليها و لذلك يجب احترام هذه القرارات والمواثيق في الظروف الراهنة، ونؤكد انه ليس من حق اي حكومة تعمل على تهيئة ظروف الحرب او يحاول المتطرفون و تجار الحروب جر الداعين للحروب الأساسيين إلى إشعال نار الحرب ودمار اقتصاد المنطقة و قتل مئات او ملايين من البشر الأبرياء و العزل من اجل إرضاء نزوة او غرور بعض الذين يرون استمرار سلطتهم و تبرير احتكارهم للحكم بذريعة الأخطار الأجنبية التي في الواقع هي أخطار تكرسها وتوجدها وتهيئ لها بعض الحكومات للتغطية على فشلها و إطالة حكمها غير القانوني و اللاشرعي كما رأينا كيف هيئ نظام صدام حسين مثل هذه الأرضية لاحتلال الأجانب للعراق وكيف بعده دفع نظام القذافي الناتو لضرب ليبيا و تدمير بناها التحتية دون ان يدين الناتو اي أحد في العالم ولم يحزن على مصير معمر (القذافي) الدامي سوى المعمرون مثله في الحكم و السلطة!.

وقطعا ليس من حق لا إسرائيل ولا اي دولة أخرى تمتلك مئات و ربما آلاف من الرؤوس النووية و أسلحة الدمار الشامل التذرع بشن الحرب على اي دولة ربما او يعتقد إنها تخطط لامتلاك أسلحة دمار شامل وعلى الوكالة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة التعامل بسوية وعدالة وحزم لإزالة الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل (الكيماوية و الجرثومية) من كافة دول العالم و القضاء عليها بجدية و ليس إعطاء الحق للبعض بذرائع ومبررات واهية وغير مقبولة لامتلاك أسلحة دمار شامل او جعل العالم أشبه بغابة في الأدغال يحكم فيها المفترس و يفرض سلطته كيفما شاء وعلى الجميع الاستماع إلى صوت العقل و عدم تكرار أخطاء الجناة و المجرمين على مدى التاريخ خاصة و ان التاريخ وضع جميع هؤلاء في مزبلته الأبدية و صفحته السوداء.

[email protected]

Share |