الإنترنت وكُتّابه وبطلان إتِّهام ابن العلقمي -الدكتورفلاح شمسة
Mon, 14 Nov 2011 الساعة : 14:24

في الثمانينات من القرن المُنصرم، كُنّا في الولايات المتحدة نُسَيّرُ أعمالنا اليومية من خلالِ الإنترنت المقصورعلى فِئة مُختارة ،واستعمالهُ كان في مُزاولة الاعمال والمراسلات الرسمية والعلمية في المعاهِدِ العلمية والجامعات حصراً. وكُنّا وقتها نتكلم عن كل شيئ عدا هذه الامكانية باعتبارها من الأدوات المُتاحة للشؤونِ العلمية والعلماء الباحثين. وحين اكتشفَتْ الشركات الأمريكية الطريقَ الخفّي الذي يسير فيهِ العلماء والباحثين وكأنَّهُم يقولونَ لِلعالَم هذهِ شؤون أهل العلم ومدارسَهُم وتابعيها، كانَ اكتشافاً مُذهِلاً ذا جدوى اقتصاديَّة هائِلة استلبَ هذهِ الأداة من حرَمِ الفِكرِ ومعاهِدِهِ ليضعهُ في مُتناولِ الصغيرِ والكبير.
وللإغترافِ من هذا المنجم المغمور سارعت شركات أُخرى باكتشافِ الشبكات الضوئية التي كسرَت في التسعينات هذا الإحتكار العلمي وجعَلَت المُستّغلِّينَ لهذهِ الحِرفَةِ السريَّة يُفاجئون انَّها تُدارُ بشتَّى المداراتِ وقد لَحِقَ بركبهِم في استعمالها أطفالَهُم وفاقوهم في ّالتفنُّنِ والبراعة في استعمالها وأصبحت هذهِ الأداة قلماً يكتُبُ فيهِ العالِمُ والجاهِلُ على ذاتِ الصعيد والتاجِرُ الصادق ، والمُتلاعِب بالأموالِ وامتدَّ استعمالهُا ليدخل عالم الدعاية السياسيَّة تُديرها الأيدي الخفيَّة لِأجهِزَةِ المخابرات الاجنبيَّة لتفجير ربيعاً ثوريَّاً مثَلاً في العالم العربي يسقُطُ جرَّاءه المئات من الضحايا مِن دونِ أن يُحَقِّقوا أهدافهُم المرجُوَّةِ كامِلَةً بل وبنفس هذهِ الأداة تمَّ احتواء الجمهور بحقنهِ ذاتِ الابرة التي تمَّ تجريبها في العراق أوَّلاً لِلإتيان بوليدٍ غير قادِر على الوقوفِ على قدميهِ أحاطوهُ بأصنافِ القتلة والمجرمين ومرتزقة من طوائِف تكفيرية إلى زرعِ قنابلَ موقوتة داخِلِهِ تُهدده بالتقسيم والشرذمة تحت ستار حقوق القوميات فبهذا وضعوا العراق القوي بين الصخرةِ والجمرة فهو بين فتيلين لقنبلتين الطائفيَّة والعِرقيَّة . وبدلاً من أن يكونَ بلدا قويَّاً موحَّداً، أعادوا تصنيع واقِعِهِ بتجريدهِ من جيشِهِ وعِتادِهِ ليكون ديمقراطيّة منقوصة وستتلوها الديمقراطيّات المُماثلة في اقطارِ الربيعِ الغربي الخاضِعة الذي دعا جِهارا لإمُهالِهِ أشهُرٍ لِخلقِ الآلية الضرورية لِصِناعة ديمقراطيّات معوقة عن الأخذِ بمسؤولياتها الوطنيَّة.
واليوم ترمي الإنترنت بمقالات تفلت من أعيُنِ التمحيصِ وقلمِ التصويب وتترُك الباب مفتوحا ليتسنّى لِلقارئ وخصوصاً في العالم العربي الخوض في سيل هائل من الكلام احيانا كثيرة فيه من المُغالطات مايجعل هذهِ الاداة الرصينة للتخاطُبِ العلمي اساساً ، جارفةً للعلمية ولافظةً لها على هذهِ الضفة أو تِلك من دونِ قرار. وتبقى الصُحُف الملاذ الأوفر حظَّاً، أغلب الأحيان، لِلباحِثِ حين يُعَوِّلُ على انتقاء ِالمعلومات ببَعض الطمأنينة.
وقد وردني مقال عن طريقِ أحدِ الزملاء في حلقة بحث وتداول الأموريطلبُ من المُستلِم نشرهِ. وحينَ قِراءتي لِمقالِ الاستاذ نزار حيدر طالعني العنوان المُثير "ابن العلقمي وأحفادِهِ" وظننتَهُ بحثاً في مزايا وملامِحِ لشخصيَّة وطنيَّة نبيلة في التاريخِ الإسلامي سعى بشرفٍ وتضحية وحُب لصيانةِ شعبِهِ من موتٍ مُحقق. لكن لِلأسف جاءَ العنوان مُخيِّبا حتّى لِقناعَةِ صاحِبِهِ ومن دونِ قصدٍ لِلإساءة، حيثُ أنّي على يقين أنَّهُ ماكان يقصُد الإساءة حيثُ انسحبَ العنوان في شتّى الاتجاهات من دونِ هدفٍ واضح والنتيجة أنَّه ذهب مذهب الحاقدين باستعمال التشويه الاعلامي لهذهِ الشخصيّةِ الوطنيّة، ولرُبَّما من دونِ قصدٍ وبالتأكيد.
فبعد المُقَدِّمة الوجيزة عن ابن العلقمي في فقرة واحدة، كانت الطلقة الأولى في صدرِ الضحيَّةِ (وأُكرِّر من دونِ قصد) هواستخلاصه بعد التعريف الوجيزلابن العلقمي بعبارته: "ومنذ ذلك اليوم ذهب ابن العلقمي مثلا لكل مسلم يخون المسلمين فيمكن اعداءهم منهم، باي شكل من الاشكال". ثُمَّ يستطرِد وكأنَّهُ واثِقاً ثِقَةِ االمرجع الديني ابن البازالنجدي من سطحيَّةِ الأرضِ لا كرويَّتَها، بتأكيدهِ وهو في فخِّ الأعداء مِن أنَّ أبناءِ العلقمي (أحفاده) و (خلال المائة عام) حيثُ يختصُّ منهم الذين قادوا الربيعَ العربي، وهُم ليسوا على الإطلاقِ من أحفادِهِ، ويقول:
"وبغض النظرعن صحة الاتهامات الموجهة الى ابن العلقمي من عدمها، وما اذا كان نعته بالخيانة صحيحا ام لا؟ وعما اذا كان هو بالفعل من سبَّب في سقوط دولة بني العباس، الا انّني احاول هنا ان اتتبع خطواته لاتعرف، ومعي القارئ الكريم، على احفاده خلال المئة عام الماضية، خاصة احفاده الذين قادوا (الربيع العربي) ". وإلى هُنا يتأكَدُ لي عدمِ الدِقَّةِ في بلوغِ القَصدِ مِنَ الإسهاب. ثمَّ يرمي الأستاذ حيدر بطلقتهِ الأخيرة توكيداً على:خيانة ابن العلقمي التي دلَّلَ عليها مُنذُ البدأِ بقولهِ: " ولم يكتف احفاد ابن العلقمي بذلك، فلتوكيد طبيعتهم الخيانية الخسيسة المبنية على التآمرمع اليهود والنصارى ضد المسلمين، تعاهدوا مع الولايات المتحدةوالدول الاوربية على اهداء هذه الحرب لهم مقابل ان تقدم واشنطن وعواصم الغرب كل الدعم اللوجستي والاستخباراتي والعسكري للطاغية لديمومة الحرب، وبالفعل فلقد سخرت السي آي أي جهازها الاستخباراتي وطائراتها التجسسية المنتشرة في اجواء المنطقة لصالح الطاغية، من خلال تسخير كل المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها من ارض المعركة له ليستفيد منها في خططه العسكرية، من دون ان تبخل الاسر الفاسدة الحاكمة في الخليج، خاصة آل سعود، باغداق المال الوفير على كل انواع الدعاية التضليلية التي حركت ماكينتها لصالح حرب الطاغية". ولا أدري إن كان دورِ الولايات المُتحِدة َّحقّاً كما وصفهُ الاستاذ الكاتب، وفيهِ مِنَ الصواب الكثير وهُو دورالقائدِ الموَّجِه لطاغيةِ العراق، كما جاءَ في وصفِهِ الدقيق، فكيفَ يتسنّى لِلإعلامِ الذي لقَّنَ الجمهور بفضل الماكنة الإعلامية المُندَسَّة ليجهر بفضائل الولايات المُتحدة أثناء الإحتلال بإسقاطِها ذاتِ الطاغية؟ كم من الخونة (والعلقمي لم يخُن ضميره ووطنه أبداً) علينا ان نكشف أوراقهم ونحاسبهم لخيانتهِم الوطن. وماذا تكون نافلة القول، وحتى لا ينزعج جمهور الهُتافِ السياسي لِدورِ المُحَرّر المزعوم ، سوى أن أقول ،إذا أخذتُ بقول الكاتب الأُستاذ حيدر،اننا امام ارتكاب جريمة لكن علينا تسميتها بالجريمة الفاضلة، كما هي جريمة الإنترنت التي تُسمِعنا كُلَّ ظريف وعجيب.
وهُنالِك مُلاحظات عديدة عن عدم التثبُّت من الشريف حسين وحركته الوطنيَّة وعدم الإحاطة بوقائعها التاريخيَّة وأمّا الأستنتاج فذلك من حقِّ الأستاذ أن يكتب مايتناسب ومفاهيمه الشخصيّة ورؤءاه
الدكتورفلاح شمسة
أمريكا
٢\١١\ ٢٠١١