العراقيون يتفننون بإخفاء اموالهم عن بنوك الحكومة والسراق.. وعلاوي يطمئن أن ليس لديه ما يُسرَق!

Mon, 14 Nov 2011 الساعة : 8:23

وكالات:

استغرب أحد الرحالة الغربيين قبل نحو قرنين من الزمن، سلوك العراقيين الغامض والحذر المرافقين له في إحدى رحلاته من بغداد نحو شمال العراق، ليكتشف أنهم كانوا مشغولين تماما بإخفاء ما كانوا يحملونه من أموال، وبطريقة أثارت دهشته؛ فبعضهم خبأها في حزام يلتف على بطنه، أو في عباءته، فيما اختار آخرون أقل حيلة، عدم ترك أمتعتهم مطلقا، فهي تذهب معهم أينما ذهبوا، وطبعا لم يفهم الرحالة حينها السبب الذي يدعوهم للتصرف على هذا النحو.

ويبدو أن تساؤل الرحالة الغربي سيبقى قائما ولن يجيب عليه التقدم الذي حمله القرنان العشرون والحادي والعشرون في مجال خزن الأموال والاستفادة منها عبر المصارف والبطاقات المصرفية بأنواعها، فالعراقيون ساسة وتجار ومواطنون عاديون، لا يزالون منشغلين في اختراع طرق جديدة"خارج السياقات التقليدية" لخزن وحفظ أموالهم حتى هذه اللحظة، والأسباب تبدأ بانعدام الثقة بالمصارف وخاصة الحكومية منها والفساد والوضع السياسي كثير التقلب ولا تنتهي بعمليات السطو المسلح التي باتت ظاهرة أكثر خطورة ربما من "الإرهاب".

طلب كثيف على استحداث مخابئ في الحمامات
ويشرح رجل الأعمال البغدادي الحاج محسن أبو عوف(56 سنة)، همومه في حفظ أمواله قائلا "أنا مشغول تماما باختراع مخبأ في منزلي لا يصله حتى الجن الأزرق، ولدي فكرة لصنع خزانة تحت مقعد حمامي وأريد تصميم فتحة وهمية لتصريف المياه نهاية المنزل.

ويواصل أبو عوف وهو صاحب شركة للمقاولات الإنشائية حديثه لـ"السومرية نيوز"، ويقول إن هذه الظاهرة الجديدة لا تشغله وحده فحسب، ويلفت قائلا إنها "غزت العاملين في شركتي وباقي الشركات والورش الصناعية القريبة من هنا"، ويقصد في منطقة الصالحية وسط بغداد.

ويلفت أبو عوف إلى أن شركته باتت تستقبل العديد من الطلبات "الغريبة" لإنشاء مخابئ لأموالهم، ويضيف قائلا "تأتينا منذ مطلع العام الجاري في بغداد وفروعنا في المدن العراقية الأخرى طلبات كهذه يوميا من قبل المواطنين بعد اتساع حالات السطو المسلح والسرقة في وضح النهار".

ويوضح أبو عوف أن "شركته تقوم بتصميم وتنفيذ مخابئ للأموال عبر حفر مجوفات داخل أرضية المنازل وأخرى داخل الجدران وتحت بلاطات بالحمام، ويتابع "نعمل فتحات مجاري وهمية لتصريف المياه وعمل نقوش مغربية وأسقف ثانوية للتمويه".

وهنا يبتسم الحاج أبو عوف ويلفت إلى أن ما ذكره "يتعلق بما هو متداول ومشاع بين العراقيين حاليا لحفظ أموالهم"، ويوضح باعتزاز "ولكن نحن لدينا وسائل وابتكارات لا يقدر أحد إلا الله تعالى على الإطلاع عليها ومن غير الممكن الإفصاح عنها"، بحسب تعبيره.

هناك من سابق الشيطان..وغلبه!
من جهته، يكشف المهندس طه العبيدي (43 سنة) أن ظاهرة جديدة غزت المنازل العراقية منذ اشهر بعد اتساع عمليات السطو المسلح والسرقة في وضح النهار في مدينة بغداد والمدن العراقية الأخرى، لإدخال تصاميم المخابئ في مخططات البناء وحتى أثاث المنازل.

ويقول العبيدي لـ"السومرية نيوز" إن"الكثيرين لم يعودوا حتى ينتظرون مهندسا أو حرفيا ليصمم لهم المخبأ، حيث إنهم يبتكرون أساليب جديدة وغريبة لتخزين وحفظ أموالهم ومقتنياتهم الذهبية والحاجيات المهمة ويحولون تلك الأفكار إلى خطوط ورسوم يقدمونها لنا لتنفيذها".

ويضرب العبيدي مثلا لأحد الطلبات الغريبة التي كلف بتنفيذها في بغداد وكانت تتضمن عمل حفرة بأبعاد متر واحد في حمام منزل وتغليفها بالسيراميك منعا لتسرب المياه إليها ثم تركيب حوض الحمام فوقها بشكل يجعله قابل للرفع في أي وقت بهدف حفظ الأموال والحلي، ويعلق العبيدي على طلب هذا المواطن بالقول "إنه سابق الشيطان فغلبه!"..

لكن العبيدي يستدرك وهو يحاول التعبير عن عدم رضاه عن الوضع ككل، ويقول "هذه الحالة العاشرة التي تردني في غضون شهرين ولا تعتقد أن المهمة سهلة"، ويوضح "الرجل اشترط أن أقوم أنا وعامل واحد فقط من الثقاة بالمهمة خوفا من إفشاء سره وانكشاف أمر مخبئه الصغير بين الجيران أو بين أشخاص يفشون سره لتلك العصابات".

نجار: يأتوني كخطاب لابنتي واكتشف أنهم يريدون مخابئ
وللنجار علي فاضل (56 سنة) "حكايات" مع مخابئ العراقيين "الغريبة والعجيبة".. ويقول "بعضهم ينتظر فراغ المحل من الزبائن لكي يسحبني معه إلى زاوية فارغة منه وكأنه يريد أن يتقدم لخطبة ابنتي وليس لعمل منضدة أو (كنتور) أو (بوفيه)، ليفاجئني بعد ذلك بأنه يطلب مني تصنيع كنتور مع مخبأ سري بداخله".

ويواصل فاضل حديثه لـ"السومرية نيوز"، "عادة ما أنفذ هذه الطلبيات أو المخابئ خلال أوقات الظهيرة أو المساء لكي لا يرى أحد في الشارع ما أقوم به"، قبل أن يستدرك قائلا "إنه سر المهنة".

ويوضح فاضل "وفي بعض الأحيان يطلب أولئك المواطنون تنفيذ أشياء غريبة، بل ويضغطون علينا من اجل تنفيذها، ويلفت إلى أن أغرب تلك الطلبات هو صنع "تختة" (لوحة خشبية لتقطيع الخضار أو اللحوم) وتكون مجوفة من الداخل بشكل يسمح لي بحفظ ما لا يقل عن 50 ألف دولار فيها، ويقول "لكن على الرغم من محاولتي لإقناعه باستحالة ذلك وإمكانية صنع شيء مشابه لمطلبه لكنه كان يردد أنت حلها ورتبها واطلب السعر إلي تطلبه فأنا لا أنام الليل منذ أيام وأخشى سرقة تعب عمري من قبل اللصوص والعصابات".

المخابئ المبتكرة تفاجئ القوات العسكرية أثناء المداهمات
ويعبر الضابط في الجيش العراقي (ش . ع) عن دهشته إثر إشرافه على عملية تفتيش لمنزل منذ أيام في بغداد من طريقة صاحب المنزل في حفظ أمواله، "التي اكتشفناها عن طريق الصدفة".

ويقول الضابط في حديث لـ"السومرية نيوز"  "دخلنا إلى منزل لتفتيشه ولفتنا أن زوجته كانت تنظر إلى جهاز تلفاز مغلق وموضوع وسط غرفة الجلوس وهي ترتجف وتطيل النظر إليه بصورة جعلتني اشك بوجود خطب ما في هذا الجهاز فقمت بالتقدم إليه وما أن لمسته حتى صاحت الزوجة أخي بالله عليك هذا التلفاز يحوي على مالنا الذي جمعناه لشراء شقة سكنية".

ويضيف الضابط "وبالفعل كان يحوي على أموال كثيرة وما كان مني إلا الضحك وطلبت من الجنود مغادرة المنزل فورا والاعتذار منهم ونصحته بتغيير المكان بعد انكشاف سره".

وضعوا السكين على رقبتي..و"بنت الكلب"  زوجتي اعترفت
لكن ما أثار ويثير عجب واستغراب الحاج ابو عوف والمهندس العبيدي والنجار علي وضابطنا الذي يغير مع عناصره على المنازل لتفتيشها، كان مبررا تماما لدى حسين المدرس (52 سنة) الذي يقول إنه كان ضحية لعملية سطو مسلح في منطقة الأمين الثانية شرق بغداد.

ويقول المدرس في حديثه لـ"السومرية نيوز" وهو يتذكر الحادثة ويتألم "سرقوا مني 89 ألف دولار وربع كيلو ذهب وكله بسبب زوجتي"، ويوضح بالقول "لدى دخول العصابة إلى المنزل صباح الثالث من أكتوبر الماضي قاموا باحتجازنا في إحدى غرف المنزل وعندما لم يعثروا على شيء وضعوا سكين على رقبتي وهددوا زوجتي بقتلي فانهارت بنت الكلب "أي زوجته" وأخبرتهم أن المال والذهب موجود في مخبأ في أسفل درج ملابسي الداخلية".

ويتابع المدرس حديثه بنوع من الحسرة والحزن، ويقول "لو قاتليني أفضل من إخبارهم على مكان المال فعلى الأقل سيكونون هم براحة وغناء بدلا من الفقر الذي أعيش فيه حاليا ولا أحتمله!".

خبير: العراق أقداره متقلبة..ولا يطمئن أبناءه إلا وأموالهم تحت وسادتهم!
وينتقد خبراء الاقتصاد والمال الطرق والأساليب البدائية التي ما زال يتبعها العراقيون في حفظ أموالهم على الرغم من تعدد الوسائل الحديثة والمضمونة داخل وخارج العراق.

ويقول الخبير الاقتصادي بسوق بغداد للأوراق المالية انمار حسين لـ"السومرية نيوز"، "هناك وسائل عديدة أمام العراقيين لحفظ أموالهم داخل بلدهم أو خارجه بسهولة، ومنها الإيداع بطريقة التوفير بالفائدة فضلا عن الإيداع بالحساب الجاري ونظام البطاقات الذكية والأسهم في الشركات والمؤسسات الكبيرة".

ويضيف حسين "الوسائل لا تعد ولا تحصى وبإمكان صاحب المال استرداد أمواله بسهولة ويسر أيضا وخلال ساعات قليلة"، لكنه يستدرك "وبالرغم من هذه الضمانات المصرفية لا يزال الخوف المتجذر ينتاب العراقيين من المؤسسات المصرفية والبنوك العراقية الأهلية، وعلى الأخص الحكومية، نظرا لارتباط جميع تلك المؤسسات بها، أما غير المرتبط بها، فهو أكثر من غيره إثارة للمخاوف!".

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن "بعض المصارف تمارس إجراءات مشددة في العراق على العكس من نظيرتها في الخارج"، ويوضح قائلا "مثلا لا يسمح حاليا للرجل بإيداع أمواله على نظام الحساب الجاري إلا بكفيل معروف لإدارة المصرف وهو قانون أقر في نظام صدام ومازال معمولا به حتى الآن بسبب اتساع ظاهرة الصكوك البيضاء التي لا تستند أو لا يملك صاحبها أي رصيد".

مصارفنا طالبتني بكفيل..فأودعت أموالي في الصين!
ويستغرب صاحب شركة صغيرة للاستيراد والتصدير وهو نبيل كامل من طلب إدارة مصرف الرافدين منه جلب كفيل له للموافقة على إيداع أمواله لديها.

ويقول كامل في حديث لـ"السومرية نيوز"، "اضطررت إلى فتح حساب مصرفي خارج العراق بعد الإجراءات التعسفية لمصرف الرافدين حين جلبت له نحو 300 ألف دولار وطلبت من موظفيه فتح حساب جاري لكنهم رفضوا وطالبوني بكفيل وكذلك بقية المصارف مع إنني املك شركة للتجارة مع وكلاء في الصين لاستيراد دراجات هوائية واضطررت إلى التوجه لمصرف خاص في الصين، وهناك أودعت أموالي وأنا سيد الموقف الان".

ويواصل كامل "وها أنا الآن بإمكاني إيداع ما شئت وسحب ما شئت من هذا المصرف في غضون دقائق وأنا جالس في بغداد وعبر وسطاء معتمدين، أو عبر الانترنت أيضا وحصلت على بطاقة فيزا كارت منهم، خاصة وأني كثير التنقل ولا يمكن لي إبقاء هذا المبلغ بحوزتي".

موظفو البنوك :نحن مرصودون ولذا يعزف الزبائن عن الإيداع
وبالنسبة لموظفي البنوك العراقية فإن أسباب عزوف الزبائن عن الإيداع لدى المصارف التي يعملون بها يمكن تشخيصها بسهولة ومنها الإجراءات الأمنية المشددة المطبقة في محيط البنوك والتي تسهل عملية رصد الداخلين ومراقبتهم إضافة إلى انعدام الثقة بالمصارف المحلية.

ويقول موظف في مصرف الرافدين عرف عن نفسه باسم أبو غادة "مصرفنا محاط بأسوار إسمنتية وبنادق تكفي لتحرير بلدة كاملة ويضطر الزبون إلى المشي أكثر من 500 متر من اجل إيصال أمواله ولا يسمح له بالاقتراب من باب المصرف إلا بتفتيش كامل ويكون مكشوفا للجميع وقد يرصد في حال تردده إلينا عدة مرات في الشهر ويطارد أو يقتل أو يسرق".

ويضيف "وهذا احد أسباب عزوف الناس عن الإيداع لدينا، إذ أنهم يفضلون وضعها في المنزل بأماكن لا يعلم بها احد وتضطر اللص إلى البحث لعدة ساعات للعثور عليها".

ويعترف أبو غادة أن هناك مشكلة اخرى قد تكون اكثر خطورة من الأولى تواجه العمل المصرفي في العراق حاليا وهي "قلة ثقة المواطنين بالسياسة المالية في البلاد وتفضيل السياسة المتبعة في دول الجوار"، ويوضح ان "هذه المسألة جعلت أغلب رؤوس الأموال العراقية الكبيرة موجودة اليوم في عمان أو بيروت وعواصم عربية وأجنبية أخرى، وتقدر بأكثر من 90 مليار دولار".

علاوي: ما لدي يكفي لعلبة سجائر والبلد يسرق علنا
لكن التجارب "غير السعيدة"، مع المصارف العراقية وتعاملاتها وعمليات السطو المسلح على المنازل والمحال التجارية والصيرفة والذهب وغيرها، التي بدت تشغل شرائح متعددة من المجتمع العراقي، لم تكن ذات تأثير في شرائح ربما هي تمثل غالبية المجتمع نفسه؛ وذلك ليس لأنها تمتلك وسائل حماية أفضل، بل لأنها لا تملك ما يسرق منها أصلا.

فبالنسبة للـ (الجايجي) علاوي أبو الشاي، (69 سنة)، كانت اخبار السطو والمخابئ المبتكرة بالنسبة إليه لا تمثل سوى مادة لإثارة  الضحك، ويقول "نحن معشر التعبانين، أكثر راحة من أصحاب الأموال، فما نحصل عليه نأكله ولا يوجد شيء يصلح للادخار، وأعتقد أن راحة البال أهم من جميع أموال الدنيا".

ويختصر علاوي موقفه "وجميع أموالي التي أخشى عليها موجودة الآن في جيب قميصي، وقيمتها لا تتجاوز سعر علبة سجائر، وأخفيها بالعادة عن زوجتي أن أحسست منها خيانة في أخذها وتوزيعها على أحفادي".

وبالنسبة لعلاوي ابو الشاي فلا شيء هناك يدعو للخشية من بضعة لصوص يأتون في الظلام، "في حين البلد كله يسرق رسميا وعلنا وفي عز النهار" كما يقول، إلا انه يستدرك ناصحا السراق والعصابات بضرورة "المرابطة حول منازل السياسيين والمسؤولين الحكوميين أو التجار وترك المواطنين المساكين".

المصدر:السومرية نيوز

Share |