"بيعة الغدير"-مهدي العامري

Sun, 13 Nov 2011 الساعة : 11:12

لسنا هنا في استعراض مذهبي لأحقية
"علي "بالخلافة وانما نحاول في مقالتنا هذه ان نستعرض "الاحقية"من خلال منظور انساني تاريخي وفكري يستوجب التأني والموضوعية قبل ان يستوجب ابراز سمة الصراع "العقائدي"و"المذهبي بين "السنة"و"الشيعة".
نحن نعلم وبدون ادنى شك انه لايمكن لاي مجتمع متحضر او بدوي ان يكون متوازنا ومنظما في حياته السياسية والاقتصادية دون ان يرتكز او يستند الى زعيم او قائد او رئيس يحرك عجلة المجتمع ويحكم بارادته جميع الافراد على اداء وظائفهم السياسية والادارية مع الاخذ بنظر الاعتبار امكانية عدم اقصائهم وتهميشهم عن استلام وممارسة جميع حقوقهم الدينية والدنيوية كما يفعل بعض الرؤساء والزعماء في وقتنا الحاضر.
كما اننا نعرف جيدا ان الدين الاسلامي يهتم كثيرا بالحياة الاجتماعية بقدر كافي باعتبار ان الكتاب المقدس والنبي قد اوليا اهتماما خاصا ودقيقا بتلك الحياة بهدف تنظيم الفرد والمجتمع وكل حسب واجباته واستحقاقاته المعيشية والفكرية ,وهذا ما لمسناه من قراءة تاريخية لحياة النبي العربي الذي حاول جاهدا ان يجعل في كل مصر او مدينة حاكما-خليفة-يتحمل اعباء المسلمين وينظم امورهم المعيشية والعقائدية.
كما اهتم النبي غالبا بتعيين زعماء وقادة الحرب باسمائهم واسماء عشائرهم حتى على مستوى السرايا الصغيرة التي كان يبعثها بين حين وآخر في مهام عديدة ومختلفة ,حتى انه كان يعين اكثر من قائد في بعض تجهيزاته الحربية كما حصل في معركة مؤتة اذ وصل الامر بالنبي الى تسميته لاربعة قواد كرؤساء للمسلمين وبشكل تراتبي دقيق بحيث اذا ما سقط القائد الاول شهيدا استلم دفة القيادة القائد الثاني واذا ماسقط الثاني استلم الدفة القائد الثالث...
وقد اهتم النبي كثيرا بمسألة الخلافة ولم يترك موضعا او مناسبة الا وقدد تطرق الى موضوعية تلك المسألة ومنهجيتها لما لها من أثر كبير ومهم في حياة المسلمين,حتى انه عين "علي"خليفة له في المدينة اثناء رحيله من مكة الى المدينة قائلا "انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي",كما انه اوصى "علي"بتصريف اموره الشخصية ورد ديونه الى الناس بعد موته.
ومن البديهي والمنطق ان النبي الذي تنبأ بفتن واضطرابات وصراعات قبلية وعصبية ستفتك بالجسد الاسلامي
بعد رحيله الى الرفيق الاعلى من قبل الطامعين في الداخل والخارج كان يحاول تكرار ومرارا ان يشيد ايدلوجية مناسبة ودقيقة تحتم وجود خليفة او قائد يتولى ادارة الشئون الاسلامية.
حتى لو فرضنا ان النبي قد اوكل مهمة تعيين الخليفة الى جمهور المسلمين وهي فرضية عابثة فاننا لاننكر ضرورة ان يبدي النبي رأيه في مسألة التعيين تلك باعتبارها مسألة مهمة وخطيرة تؤثر كثيرا في مستقبل الامة وتحدد اتجاهاتها ومناهجها الفكرية والتاريخية خاصة وانه تعمد الاهتمام وبشكل واضح باصغر الامور والقضايا المتعلقة بمسائل الشرب والاكل والنوم والعلاقات الاسرية .
كما ان التاريخ يؤكد على امر واقعي مهم انتهجه الخليفة الاول عندما امر بتعيين "عمر"خليفة له قبل موته مع التشديد على وجوب طاعته وخدمته ,وقد عمد"عمر"من جانبه الى تعيين "ستة اشخاص"يقرون اختيار الخليفة من بعده بعد ان الزم الجميع بالميل الى رأي احدهم"عبد الرحمن بن عوف",كما اننا نجد ان "معاوية"وقد الزم الجميع باختيار ولده"يزيد"لخلافته بعد موته,مما يدل على ان الجميع "الخلفاء"لم يتركوا الدنيا قبل ان يحددوا اسم الشخص الذي يليهم في استلام الدفة التي تتحكم بقيادة الامة الاسلامية ,دون ان يفعل النبي ذلك ,وهذا بحد ذاته مخالف للعقل والمنطق البتة.
 
اضف الى ذلك ان النبي قد ترك لنا جميعا"سنة وشيعة"نصوص واحاديث وشواهد جمة تؤكد على انه اهتم كثيرا بتعيين شخص كفوء ابرزها "غدير خم"و"السفينة"و"الثقلين"و"المنزلة"التي اعترف بها "السنة"قبل "الشيعة"وهذا وحده يكون كافيا لاقناع العقول والضمائر بان النبي لم يترك الامة بدون"راع"يحمل صفات استثنائية لايحملها الاخرين.
 
ولنسمع"عمر"..
"علي يستحق الخلافة ولكن قريشا لم تكن قادرة على تحمل خلافته لانه لو اصبح خليفة لاكره الناس على قبول الحقيقة كلها وسلوك الطريق المستقيم وما كانوا قادرين في ظل خلافته على انتهاك حدود العدل وكانوا سيخوضون الحرب ضده فيما بعد لامحالة"
واذا لم تثبت رواية "عمر"عند البعض من المسلمين فلاشك ان النبي اراد كتابة وصية نهائية بخصوص الشخص الذي ينبغي ان يخلفه ولكنه لم يستطع ذلك بسبب امتناع الحاضرين عن مساعدته في ذلك خاصة"عمر"الذي وصف النبي بالهجر مع محاولاته المتكررة في نشر الخلط والفوضى ومنع النبي من اتخاذ قرار نهائي بشأن الخلافة ,وممن يدعي من المسلمين ان النبي خلال مرضه كان ممكن ان يخطأ في مرضه ويتخذ قرارا خاطئا فانه مرفوض تماما لان النبي لايمكن ان يسهو او يخطأ وباجماع جميع الملل والفرق الاسلامية.
ولا ننسى السرية التي جهزها النبي بقيادة "اسامة بن زيد"وأمر الجميع من الصحابة والمسلمين باستثناء "علي"بالانضمام الى تلك السرية بحيث اضطر الى لعن كل من يتخلف عنها,والتاريخ يذكر لنا ان اشخاصا عدة قد تخلفوا عنها مخافة ان تتم البيعة لشخص من دونهم .
 
لكن ما بالنا لانستمع الى"الكتاب المقدس"؟؟
يقول "أبو ذر الغفاري"
"كنا نصلي مع النبي فدخل فقير يطلب الصدقة من الناس فلم يعطه احد وعندئذ رفع يديه الى السماء وقال(يارب اشهد اني في مسجد نبيك ولم يتصدق علي احد)في ذلك الوقت كان علي بن ابي طالب راكعا فمد اصبعه نحو الرجل لكي يأخذ خاتمه فاخذه وخرج وقد رأى النبي ما جرى فرفع راسه الى السماء وفال(يارب اخي موسى قال لك ,رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي,وانا اقول بالمثل يارب انا ايضا نبيك اشرح لي صدري ويسر لي امري واجعل عليا اخي ووزيري )فما ان انتهى النبي من كلامه حتى نزلت الاية الكريمة(انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)"
 
وهناك آية اخرى واضحة وصريحة تؤكد احقية "علي"بالخلافة "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا"
اذ كان الكفار قبل ذلك اليوم لايزالون يأملون بان يجيء يوم ما ينتهي فيه الاسلام ,فاتبعها الله تعالى بآية أخرى "يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل ما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لايهدي القوم الكافرين"وهي تدل بشكل مطلق على ان الله تعالى اوكل مهمة خطيرة واساسية للنبي تؤثر بشكل كبير على مستقبل الامة الاسلامية ,فكان النبي ينتظر مناسبة عظيمة يبلغ بها اوامر الرب تعالى فكان"غدير خم".
يقول "ابو سعيد الخدري"
"دعا النبي في غدير خم الناس المجتمعين للتوجه بانظارهم صوب "علي"ورفع يده حتى بدت عذرة ابطه البيضاء عليه الصلاة والسلام فنزلت الاية الكريمة"ياايها الرسول",فقال النبي "الله اكبر لقد اكتمل الدين وتمت نعمة الله ورضوانه وحقت ولاية علي فمن كنت مولاه فعلي مولاه ,اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله".
لقد كان اعداء الاسلام يتصورون بانهم يملكون القدرة على اضعاف الاسلام وتفكيكه بعد موت النبي لانه لم يوص لاحد بخلافته ,فلما كان "غدير خم"نكصوا وتقهقروا ,ثم تآمروا في اماكن ومناسبات عدة ,حتى خانوا الامانة والعهد وسرقوا الخلافة من "علي".
 
في كل حال فاننا بحاجة الى اعادة دراسة التاريخ بوعي وحيادية مع الاخذ بنظر الاعتبار تلك المسائل التي تحاشاها اغلب المؤرخين الرسميين للحكومات المتعاقبة بحيث طمسوا وشوهوا الكثير من الحقائق التي تثبت احقية "علي"بالخلافة مثلما تثبت ان النبي لا يمكن ان يترك الامة بدون "خليفة"ينظم امورها ويرعى مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

Share |