أوباما...هذه الشخصية المحيرة- هدى مشاري العنزي-الكويت
Thu, 19 May 2011 الساعة : 9:23

شخصية محيرة هذا الرجل الأسود الذي حكم أمريكا مؤخرا، وينتمي إلى أب مسلم وأم مسيحية من إيرلندا، والذي جاء إلى جامعة القاهرة لكي يخاطب العالم الإسلامي مستهدفا من وراء ذلك أن يبعث الأمل في قلوب العرب المسلمين حين وعد بإحقاق الحق والعمل على حل المشكلة الفلسطينية وإنشاء الدولة، كانت كلماته مؤثرة، وأقواله قوية، فقد جاء حاملا لأفكار جديدة واستطاع بها أن يأسر السامعين بأدائه الصوتي وخطبه البليغة.
ثم فوجئ العالم بشخصية مختلفة وتصريحات مخيبة للآمال بسبب تردده في وضع كلماته موضع التطبيق العملي، وتراجعه عن الوعود التي أسهمت في تعاطف العرب معه، وتأييدهم له حين تحمس لتحقيق تسوية عاجلة للصراع العربي الإسرائيلي مما دفع العديد من الأقلام إلى انتقاده، وراحوا يلومونه على الإمساك بالعصا من المنتصف في مواجهة تيار الصهيونية الشرس، فزعزع ثقة الجماهير فيه والاتجاه إلى عدم التصويت له في انتخابات الرئاسة المقبلة مؤكدين أن إعادة انتخابه سوف تكون خطأ لا يغتفر في حق القيم الأمريكية فهل يستطيع أوباما اتخاذ موقف عادل من إسرائيل بعد أن سبق وأعلن عدم شرعية الاستيطان، وأن ما تقوم به حكومة نتنياهو ليس إلا نوعا من العدوان.
وفي الحقيقة أن الموقف الأمريكي سوف يكون مربط الحصان في هذه الخطوة التي تكشف إن كانت الممارسات العنصرية الاستعمارية لإسرائيل تتم بتواطؤ أمريكي أو لا، وهو ما سوف يتضح على ضوء ما سوف تتخذه واشنطن إذا ما عرض قرار الدولة الفلسطينية للتصويت في مجلس الأمن والمرتبط بقراره عام 1948 الخاص بتقسيم فلسطين.
وهل يمكن لأوباما أن يدرك أن ما تقوم به إسرائيل تواصلا للاستيطان هو تحد له، ولطمة موجهة لكبريائه وكرامته أم أن ما سبق أن أعلنه حول الاستيطان هو إجراء غير مشروع حتى لا تهنأ إسرائيل بهذا السلوك العدواني العنصري الاستعماري، حتى يشعر شعبها أنه لن يكون في مأمن، وأن الحقوق الفلسطينية لا يمكن أن تكون غنيمة سائغة، وأن مواجهة الفلسطينيين لهذا الظلم والعدوان تعد أمرا مشروعا.
وفي الوقت الذي نصبت فيه الولايات المتحدة من نفسها حامية لحمى الحرية نجدها قد تناست سجل إسرائيل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، وأمدتها بكل مصادر القوة والدعم كما تغافلت عن جرائمها ضد الإنسانية في فلسطين وأغمضت أعينها عن جرائمها مما يجعلها غير مؤهلة للتحدث عن أوضاع حقوق الإنسان ومالا يتماشى مع انتقادات الولايات المتحدة لغيرها من الدول بعد أن كشف استطلاع للرأي عن تنامي استياء الأمريكيين أنفسهم من لعب بلدهم دور شرطي العالم وهو الاستطلاع الذي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.
لاسيَّما بعد الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان وعمليات القمع التي قام بها البيت الأبيض ضد الصحافية هيلين توماس لأنها أعلنت عن موقفها من الاعتداء على قيم الحرية التي بشَّر بها أوباما بسبب رأيها في إسرائيل، وعن موقفها من قضية الاحتلال حين قالت للإسرائيليين "أخرجوا من فلسطين، هذه ليست أرضكم، عودوا إلى دياركم الأصلية" وكانت هيلين توماس قد حصلت على أكثر من 30 جائزة صحافية وشهادات جامعية وفكرية، منها دكتوراه فخرية من جامعتها، وتم تصنيفها من السيدات الــ 25 الأكثر تأثيرا في العالم، كما كانت أول صحافية ترأس ناديا قوميا للصحافة في واشنطن وقامت الدنيا ولم تقعد ضد هذه الصحافية التي تجاوزت الثمانين من العمر حين قالت إنه لا مجال للديمقراطية وتعدد الآراء في بلد العم سام.
في الحقيقة أنه لولا أمريكا ما ضاع الحق الفلسطيني والإنسان الفلسطيني، فهي السبب الرئيسي في محنة هذا الشعب منذ أكثر من ستين عاما، والآن نراها تقدم لإسرائيل أكبر هدية بالحديث عنها كدولة لليهود وحدهم، وهو خطأ تاريخي أقدمت عليه واشنطن في عهد باراك أوباما وأدرج ذلك في الخطوط الرئيسية لإستراتيجيته والتي ذكر فيها أن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي لليهود.
كارين هيوز وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة لشؤون الدبلوماسية العامة تحدثت عن أن الإدارة الأمريكية سواء في عهد الرئيس السابق جورج بوش أو الرئيس الحالى باراك أوباما تسير في اتجاه واحد بسبب توالي مراحل التنفيذ السياسية الثابتة وإن كانت هناك اختلافات في الألفاظ وليس في المضمون، وقد أشارت هيوز التي شغلت مركز العضو التنفيذى للحزب الجمهوري في ولاية تكساس كما عملت صحافية ومراسلة سابقة للأخبار في شبكة تلفزيون إن. بي. سي إلى أن القضية الفلسطينية تمثل لهما رشيسيا للرأي العام العربي وقد قامت هيوز بتأليف كتاب حول تجربة عملها مع الرئيس السابق جورج بوش تناولت فيه الممارسات غير الأخلاقية ضد العرب والمسلمين.
وتشير الوقائع والأحداث إلى أن استمرار واشنطن في زيادة عسكرة إسرائيل أبلغ دليل على أن مايعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما من رغبة في السلام هو مجرد حملة علاقات عامة لتغطية تأييده المطلق لإسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية حتى خلال تمويل عمليات شراء السلاح لها، وتقديم أحدث ما يوجد في الترسانة الأمريكية من عتاد ومعدات ما زالت غير متاحة للجيش الأميركي ذاته.
وعلى الرغم من أن جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان قد طالبت الرئيس أوباما أن يربط المعونات العسكرية الأمريكية السخية لإسرائيل بموقفها من انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، لاسيَّما أن القانون الأمريكي يعطيه هذه الصلاحية، إلا أن الرئيس الأمريكي رفض التطرق إلى هذا الأمر،بل إنه تعهد باستمرار المعونة على مدى السنوات العشر القادمة ودون تغيير دون أن يجد أي حرج في انتهاز كل فرصة لتأكيد مساندته لإسرائيل، وكان آخرها منحها 217 مليون دولار لدعم نظام الصواريخ الدفاعية بدعوى مكافحة الإرهاب.
وقدمت إدارة أوباما هدية جديدة لإسرائيل، وهي عبارة عن 20 طائرة مقاتلة قاذفة من طراز F.35 ثمنها ثلاثة مليارات دولار على حساب الشعب الأمريكي الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وعلى الرغم من أن عددا من الساسة الأمريكيين قد استنكروا زيادة مساعدة إسرائيل عسكريا فإن الكونجرس قد رحب بهذا الخبر، وإذا كانت إدارة أوباما تغدق بالسلاح المجاني على إسرائيل فإن الأمر يختلف تماما إذا قامت واشنطن بعقد صفقة لبيع سلاح أمريكي لأي دولة عربية، وهذا يعني أن التمييز والانحياز لإسرائيل يتغلبان على مصالح الشعب الأمريكي حفاظا على التفوق الإسرائيلي على كافة الدول العربية مما دفع مجلة تايم الأمريكية في تحليل إخباري نشرته مؤخرا إلى التساؤل عن الجهود التي يبذلها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد ذلك لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يهدد بانفجار الموقف في منطقة الشرق الأوسط، وأضافت التايم قائلة أن الرهان الحقيقي مع أوباما سيكون منح إسرائيل 90 يوما للاتفاق على الحدود النهائية بين إسرائيل وفلسطين الآن ، إسرائيل سوف تستمر في بناء الاستيطان، وإن وافقت على تجميدها 90 يوما كما يعتقد أوباما.
وهكذا نرى أن باراك أوباما قد فعل ما يرضي الإسرائيليين قولا وعملا وانه يتعاطف ويتماثل مع اليهود في آمالهم وقيمهم مؤكداً أن قربه من اليهود الأمريكيين كان وراء انتخابه لمجلس الشيوخ الأمريكي، وأنه سوف يظل يتعاطف مع قيام دولة إسرائيل، وتؤكد أفعاله وأقواله أن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل خلال فترة رئاسته القليلة أكبر دعم أمني يزيد على أي إدارة سابقة، وعن أي فترة تاريخية سابقة.
ولم يكشف أوباما جديدا حين قال إنه يرتبط بعلاقة حميمة مع إسرائيل حيث إنه في الوقت الذي يعلن فيه عن سياسة جديدة سوف ينتهجها إزاء القضية الفلسطينية، وانه سوف يقف إلى جانب الحق الفلسطيني إلا أنه في الوقت نفسه يعلن عن تأييده المطلق لإسرائيل، وتقديم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لها بلا تحفظات، ومنحها الحق المطلق في ضرب المقاومة الفلسطينية بدعوى الدفاع عن نفسها، ولم نسمع منه كلمة واحدة عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ووقف بناء المستوطنات، وإقامة الجدار العازل واغتصاب الأراضي، وهو بهذا يقوض كل الأماني التي كانت معقودة عليه تاركا الشعب الفلسطيني يصارع قوة غاشمة تتوسع وتتمدد وتبتلع الأرض كل يوم.
وقد كشف موقع ويكليكس عن حقيقة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، حيث يؤكد كثير من المحللين السياسيين أن ما يحمله هذا الموقع هو صناعة أمريكية تخدم السياسة الإسرائيلية، يدل على ذلك أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف قال إن إسرائيل لم يلحق بها أي ضرر من جراء نشر تسريبات ويكليكس، فمن بين 250 ألف برقية نشرها الموقع ومست كل دول العالم، لم تكشف برقية واحدة عن انتهاكات إسرائيل ولا جرائم الحرب التي ترتكبها كل يوم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولم تكشف هذه البرقيات عما دار في لقاءات أوباما ونتنياهو، فكيف قام هذا الموقع بحماية إسرائيل دون أن يتعرض لانتهاكات أمريكا وإسرائيل في العراق وأفغانستان وفلسطين، ولماذا كان نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي واثقا من أن البرقيات الصادرة عن الموقع لن تحرج بلاده حتى قبل نشرها.
وهكذا نرى أن الولايات المتحدة برئاسة أوباما تعلن في كل تصرفاتها بأن إسرائيل فوق القانون الدولي، فهي التي تعارض أية انتقادات موجهة إلى الدولة العبرية مثل الاتهامات التي وجهها القاضي الدولي جولدستون في تقرير له عن الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة خلال حملة "الرصاص المصبوب" المسعورة التي ارتكب خلالها جنود الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب مروعة، ثم إن الولايات المتحدة قد تعهدت بمعارضة أية إدانة لإسرائيل بسبب هجومها البربري على أسطول الحرية التركي الذي كان ينقل مساعدات إنسانية للسكان المحاصرين في غزة، وقد مارست الولايات المتحدة ضغوطا شديدة على العالم لتحويل التحقيق في الجرائم التي ارتكبها جنودها في عرض البحر إلى المحاكم الإسرائيلية.