دور التربية في بناء المجتمع -محمد خالد السبهان

Sun, 6 Nov 2011 الساعة : 13:12

تمتاز الرسالة الاسلامية بأ نّها رسالة عمل وتطبيق وبناء ، وليست نظريّات وأفكار وفلسفات مجرّدة .. فالإسلام ، بكلِّ ما فيه هو رسالة عمل ، فحتّى المبادئ الاعتقاديّة العقليّة ; كالإيمان بالله وباليوم الآخر .. فإنّها عقيدة عمل .. وأساس للعمل والبناء ..
فالإيمان في التعريف الاسلامي هو: ما وقر في القلب وصدّقه العمل..
ولكي تتحوّل المبادئ إلى عمل .. المبادئ الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصادية والعبادية ... إلخ .. لا بدّ من توفّر مسألتين أساسيّتين هما : المعرفة والتربية ..
وكم دعا الاسلام إلى الوعي والمعرفة .. واعتمد التربية أساساً للعمل ..
قال الله تعالى :
(... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُون ... ).
( الزّمر / 9 )
ورُويَ عن الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله :
«طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم» .
ورُوي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً :
«إذا أراد الله بِعَبد خَيراً فقّههُ في الدِّين» .
والإسلام دوماً يقرن العلم بالعمل ، فلا قيمة للعلم بلا عمل ..
قال تعالى :
(والعَصْرِ* إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْر * إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَوَاصَوا بالحَقِّ وَتَوَاصَوا بالصّبْر ). ( العصر / 1 ـ 3 )
وقال تعالى :
(وَعَدَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْـتَخْلِفَنَّهُم في الأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِم ... ). ( النّور / 55 )
وكما اهتمّ بالعلم والوعي، الّذي سـمّاه فقهاً.. وعي الشّريعة والحياة، اهتمّ كذلك بالتربية وإعداد الفرد والجماعة ليكونوا مُهيّئين للعمل والتطبيق، فقد اشتمل المنهج الاسلامي على التربية والإعداد في مراحل الطفولة والشّباب والكبر .. بل ويشمل المنهج التربوي مساحة واسعة من الرِّسالة الاسلاميّة ، ومن الفكر والدراسات الاسلاميّة .. وقد جاء هذا المنهج تحت عنوان الأخلاق والآداب .. كما وللعبادات والوعي العقيدي لمفاهيم التوحيد آثار تربويّة وإعداديّة تهيِّئ الفرد للعمل بالمبادئ والتطبيق .
نذكر هنا نماذج من الاُسس التي تعدّ الانسان المسلم ليعيش في مجتمع المسلمين، ويحترم حقوقهم وإرادتهم وحرِّيّاتهم،ويتبنّى مشاكلهم وهمومهم،ويُساهم في فعل الخير للجميع..
قال تعالى موجِّهاً إلى الاقتداء بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الإنسان الكامل الّذي جسّد المبادئ والقيم تجسيداً عمليّاً ، فكان سلوكه جزءاً من الرِّسالة . قال تعالى :
(لَقَد كانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة ... ). ( الأحزاب / 21 )
وكما دعا إلى العمل والإقتداء بالرّسول ، حمل على الّذين يقولون ولا يعملون ويفصلون بين المبادئ والعمل :
(يا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لاَ تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أن تَقُولُوا ما لاَ تَفْعَلُون ). ( الصّفّ / 2 و 3 )
وثبّت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الكثير من المبادئ التربويّة الّتي تعدّ الإنسان ليحيى في ظلِّ المجتمع الاسلامي الّذي يُطبِّق القوانين والقيم الاسلامية ، نذكر منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
«لا يُؤمِنُ أحدكم حتّى يُحبُّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسه»(10).
«مَنْ لَمْ يَهْتَم باُمورِ المسلمين فليسَ بِمُسْلِم»(11).
«ترى المؤمنين في تراحُمهموتوادّهموتعاطفهم كمثلِ الجسدِ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى»(12).
ويؤكِّد القرآن أنّ منطلق التغيير الاجتماعي، وأساس العمل بالمبادئ يبدأ من التغيير الذّاتيّ عند الانسان .. أي أنّ العمل بالمبادئ يبدأ من التغيير الذاتي عند الانسان .. أي أن يؤمن الانسان بالمبادئ ، ويعي القضايا ، ويُربّى على العمل بها .
قال تعالى :
(إنَّ اللهَ لاَيُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّروا ما بأنْفُسِهِم...). ( الرّعد / 11 )
وبهذه الآية الكريمة ، أوضح الاسلام أنّ التغيير الفكري والرّوحي والعاطفي الشّامل هو أساس التغيير والبناء ، فما لم تتغيّر أفكار الانسان ووعيه وفهمه ، وتتكوّن لديه العواطف والمشاعر والقناعات الفكريّة والنفسيّة بقيم المجتمع المنشود ، والإيمان بقوانينه وأنظمته ، لا يمكن أن يُبنى ذلك المجتمع ويتكوّن ، فتسير الحياة فيه وفق تلك القيم والمفاهيم والقوانين .. فالإكراه والقسر السّلطويّ والإخضاع الشكليّ للقـانون لا يحقِّق ذلك ..
فما لم يؤمن الإنسان في المجتمع مثلاً بالحرِّيّة ويعرف قيمتها في حياته وحياة الآخرين وحدودها ومسؤوليّاتها ، فلا يمكن أن يعيش المجتمع في ظلِّ الحرِّيّة ، ولا يمكن أن نحترم فيه حرِّيّة الانسان ..
وما لم يؤمن الفرد بحقوق الانسان ، ويعترف بها كحقٍّ للآخرين ..
وما لم يؤمن أنّ كلّ ذلك من قيمه ومبادئه ، إيماناً ذاتيّاً ، وهو مسؤول عنها أمام الله سبحانه ، لا تُحترم تلك الحقوق ، ولا ينال أحد حقّه ..
وما لم يؤمن الانسان الفرد بأنّ الحياة في المجتمع لاتسير إلاّ بالتعاون، وإلاّ بمجتمع المؤسّسات التعاونيّة، لاتقوم حياة تعاونيّة بالقسر والإكراه..
وقد رأينا كيف انهار المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي الّذي فرضوا فيه التعاونيّات الاجتماعيّة قسراً على أنقاض هدم الإرادة الذاتيّة للأفراد ومصادرة حرِّيّاتهم الشخصيّة ..
وما لم يؤمن الفرد باحترام الرأي الآخر ذاتيّاً ، ويشعر بإنسـانيّة الآخرين ، مهما اختلف معهم ، ويجعل الصّواب مقياساً له ، ويعتبر ذلك جزءاً من مبادئه وإنسانيّته ، لا يمكن أن يكون المجتمع مجتمعاً متفاهماً ، تسود فيه حرِّيّة الرّأي ، واحترام الحقيقة .
وما لم يتحرّر الانسان من الأنانيّة في كلِّ مجالاتها ، فيحبّ للآخرين ما يحبّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لها ، لا يمكن أن يُبنى مجتمع يسوده الأمن والعدل والسّلام وتكافؤ الفرص والحقوق ، فيأخذ كلّ ذي حقٍّ حقّه ..
وما لم يتربّى الفرد على رفض المنكر والظّلم والجبن ، لا يمكن أن يتكاتف المجتمع ; ليقف بوجه السّلطة المتجاوزة على العدل والقانون وحقوق الأفراد ، من خلال مؤسّساته السياسية والاجتماعية وحركة الجماهير الرافضة .
وهكذا فنحن بحاجة إلى تربية الفرد والمجـتمع على قِيَم المجتمع المدنيّ كما تدعو إليها المبادئ والقيم الاسلامية .. وبدون الوعي الاجتماعي والمعرفة للمبادئ والتغيير الحقيقي لذات الفرد وسلوكيّته لا يمكن أن يُبنى المجتمع الانساني المنشود .
ولكي نحقِّق ذلك من الناحية العمليّة ، لا بدّ من أن نرسم منهجاً تنفيذيّاً لبناء المجتمع المدنيّ وفق المبادئ والقيم الاسلاميّة ..
ويبتني هذا المنهج على عنصرين أساسين هما :
الإعداد والتربية ، من خلال المدرسة وتربية الطِّفل في البيت والاعلام بمختلف وسائله وأدواته ، فنحن نربِّي الطِّفل والناشئ ليس على الإيمان بالله سبحانه فحسب أو على أداء الصّلاة والصِّدق والابتعاد عن أصدقاء السّوء ، ولكن نعمل وضمن خطط وبرامج مدروسة على تربيتهم على احترام حقوق الآخرين ، وحرِّيّة الرأي واحترام الرأي الآخر، وعلى الحياة التعاونيّة وكراهيّة الظّلم.. والإهتمام بشؤون الآخرين ... إلخ .
والعنصر الآخر من عناصر التربية هو إقامة المؤسّسات السياسيّة والاقتصاديّة والخدميّة والإعلاميّة ... إلخ . الفعليّة التي ينخرط فيها الأفراد ويمارسون حياتهم من خلال الحياة التعاونيّة التي تنمو فيها الذّات والطاقات الفرديّة نموّاً صحِّيّاً .. وبذا نُساهم في بناء المجتمع المدنيّ وفق الرؤية الاسلامية من خلال التربية والتوعية والتثقيف ، كما يُبنى من خلال القانون وإيمان السّلطة بذلك .
 

 

 

Share |