الانسحاب الأمريكي ...ولعبة الأقاليم-مهدي الصافي
Sat, 5 Nov 2011 الساعة : 12:38

يقول الكاتب المرحوم هادي العلوي في احد كتبه إن واحدة من أهم أسباب تفوق معسكر معاوية على جيش الإمام علي (ع ),هي الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات,فذاك معسكر انتخب له داهية العرب ابن العاص ومروان ابن الحكم وكعب الأحبار وغيرهم ,وهذا معسكر امن بالشورى والتحاور ومجالسة العامة من الناس,يسير على نهج الإسلام المحمدي الصحيح,رغم المعاناة والحسرة التي كانت تملأ قلب أمير المؤمنين قيحا من شدة تعنت القوم وكثرة مجادلتهم لخليفتهم وامتناعهم أحيانا عن نصرة الحق
لنتكلم بصراحة مطلقة وبشفافية عالية وبروح وطنية صادقة,ولنضع النقاط على الحروف,ونشرح للشعب العراقي والعربي والعالم اجمع حقيقة التصرفات المريبة التي تميزت به بعض الحركات والتيارات والكتل العربية السنية المشاركة أو المعارضة للعملية السياسية في العراق بعد الاحتلال 2003,لقد ارتمت هذه الجهات المتعددة الأوجه في أحضان أجهزة المخابرات العربية والإقليمية من اجل الكسب المادي وتنفيذ مخططات إفشال العملية الديمقراطية الحديثة,بالضبط كما فعلت بعض الجهات الشيعية الموالية لإيران محاولة بسط سيطرتها وسطوتها على الساحة السياسية (كتجربة حركة طالبان افغانستان-حزب الله في لبنان صاحب مصداقية المقاومة والتحرير),لكنها فشلت في تنفيذ وتطبيق تلك المخططات ,
بسبب جدار الوعي الحديدي الذي بنته ووضعته بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية والأكاديمية والثقافية قبالة تلك التحديات الداخلية الموجهة خارجيا,لقد تنازل المكون الكبير(الأغلبية الشيعية) عن الكثير من الحقوق والالتزامات والامتيازات السياسية التي يجب إن تتمتع به أية أغلبية اجتماعية في أي نظام ديمقراطي حقيقي(مقولة الأغلبية لا يمكن إن تحكم في العراق هذه مقولة عنصرية وعرقية وتنم عن توجهات انفصالية),
ولهذا استفاد المكون الكردي من تراجع وتذبذب الخيار السياسي الوطني للمكون السني الممثل بالكتل الصاعدة حديثا بعد الاحتلال(على اعتبار إن اغلب السياسيين السنة هم ممن يحسبون على النظام البائد ولم تكن لهم معارضة خارج العراق في حينه),فزاد سقف مطاليبهم التعجيزية من قبل الحكومة المركزية الاتحادية في بغداد,مما تسبب بإرباك واضح في الأداء الحكومي والسياسي للكتلة البرلمانية الأكبر(التحالف الوطني) المناط بها مسؤولية إدارة الدولة وتنفيذ برنامج إعادة أعمار البلاد,كل هذه التصرفات التي يفترض إنها تأتي وتصب في مصلحة وخدمة المواطن,نرى إنها تصب الزيت على النار,مستغلة الظروف الوطنية ,التي تعاني منه الحكومة العراقية, الراغبة بتنفيذ بنود خطة الانسحاب الأمريكي الكامل من البلاد في نهاية هذا العام,وكأن الأموال الليبية سابقا والخليجية والإقليمية المستمرة ازدادت دفاعاتها هذه الأيام من اجل إظهار عجز قدرة الحكومة الحالية أمام العالم من السيطرة على الملف الأمني وإدارة الدولة.
الدول المميزة والمشهورة باختلاف مكوناتها الاجتماعية عرقيا وطائفيا وقبليا سهل عليها الانزلاق إلى فوضى الحرب والاقتتال والتناحر والانقسام الداخلي,وخصوصا في الدول التي اعتادت على استخدام لغة السلاح والقتال والحرب كوسيلة للحوار الداخلي والخارجي,هكذا كانت أفغانستان ولازالت هي والصومال ولبنان وغيرها كثير, تعاني من العودة إلى طريق بناء دولة المواطنة المتساوية بالحقوق والواجبات,والعراق ليس بعيدا عن تصنيفات وتعريفات تلك الدول,وهو مرشح في أية فرصة خبيثة تستغلها بعض العقول المريضة المتشبعة بثقافة البعث البائد ,ان يعود إلى الهاوية وفوضى التناحر الطائفي,ولهذا رفعت يدها الأحزاب الكردي (بتصريح البارزاني بأن العراق يواجه خطر الحرب الأهلية ونحن سنبقى بعيدين عنها)عن تلك التصرفات وعدت حدودها خارج إطار تلك النزاعات,
إذن إلى متى يبقى العرب في ثقافة الجهل والتخلف والتضليل والتشرد والانهيار,الم يحن الوقت لكي يجلس الجميع(شيعة وسنة وأكراد وكل المكونات)حول طاولة الحوار الوطني المفتوح أمام الشعب,يتم فيها طرح كل المسائل والمشاكل والنقاط العالقة بين تلك المكونات بغية إنصاف ناخبيهم دون العودة إلى دائرة توزيع المناصب والامتيازات والمنافع الشخصية والحزبية,ليتحاور الجميع حول بعض مواد الدستور المهمة (الفيدرالية-توزيع الثروات الطبيعية-قانون مجالس المحافظات-ازدواجية الهوية واللغة,الخ.),ومن ثم البحث في سبل إعادة إعلان الاستفتاء الشعبي حولها.
اختيار توقيت الإعلانات والاجتماعات الاستفزازية المروجة لفكرة إقامة الأقاليم(وهي حق دستوري مع الأسف),لم يكن سليما وغير موفقا ويثير الكثير من التساؤلات,ونحن نشهد الموقف الوطني الكبير الذي اتخذته الحكومة العراقية الممثلة برئيس وزراءها السيد المالكي وكابينته الوزارية الشاملة لجميع أطياف وألوان وتنوعات المجتمع,المتعلق بضرورة انسحاب أخر جندي أمريكي من العراق ورفض إعطاء الحصانة القانونية للمدربين,هكذا تواجه المواقف والتحديات التي يواجهها الوطن,بتصرفات ومشاحنات وتصريحات عبثية لا تخدم إلا أصحابها والمحيطين بهم,ترى هل عادت قصة العمالة وخيانة الوطن إلى الواجهة ,حتى بعد ان صار الحاكم رجل ينتخبه الناس من عامة الشعب,كانت المقابر الجماعية تبنى تحت شعار لا شيعة ولا أكراد بعد اليوم,
فهل تريدون رفع نفس هذا الشعار مجددا ,وبأسماء وعناوين مختلفة,أم نعود إلى اللحمة الوطنية ولغة العقلاء, وهمة أبناء العراق العائدون من الماضي المؤلم, وبسواعد رجاله المصرون على إعادة بناء ماخربته السنون, رغم الصعوبات والانحرافات والمؤامرات الموجهة إلى وطننا وبلادنا العربية