جنيات ح1 تحضير الجن - حيدر الحدراوي
Thu, 3 Nov 2011 الساعة : 11:21

بعد ان اكملت الدروس النظرية والتمهيدية , في علم تحضير الجن , كان لزاما عليّ ان اشرع بالقسم العملي منها , وحسب ارشادات الاستاذ الماهر في تحضير وتسخير الجن , ذهبت الى الخلوة , في مكان قاص , في عمق الصحراء .
يجب عليّ البقاء هناك مئة يوم , اشتغل فيها بقراءة العزائم والاقسام , وتلاوة الزجـر , واطلاق البخور الخاص في الوقت المحدد , بدون كلل او ملل .
اعد استاذي الماهر اشخاصا يجلبون الطعام والماء ويضعونه في مكان متفق عليه , وينصرفوا , دون ان يقتربوا من منطقة الخلوة , فأذهب لاحضار الطعام والشراب عند الفراغ .
عقد استاذي الماهر عليّ امالا كبيرة , واختارني من دون طلابه الثمانية عشر لاكون في هذا المكان , الامر الذي حفزني ودفعني لقبول المهمة , والاستمرار بالرغم مما فيها من مخاطر , وقد اخبرني بأني سوف اقابل سبعة من اكبر عفاريت الجان ( ملوك الجن السبعة ) , وذلك في الليلة الاخيرة , وانهم سوف يطرحون عليّ اسئلة خاصة , فيجب ان تكون اجاباتي صحيحة , كي احظى بصداقتهم الابدية , والا فلا ! , لكنه لم يعطيني فكرة او نموذج عن ماهية تلك الاسئلة , كي استعد لها , واخبرني انها سوف تكون مفاجئة , و مباغته , فأزداد شوقي للقائهم , وسماع اسئلتهم ! .
حان موعد اللقاء , في تلك الليلة , كنت في اتم الاستعداد لملاقاتهم , اطلقت البخور كالعادة , وشرعت بقراءة بالعزائم البرهتية والجلجلوتية , وتلاوة بعضا من الاسماء العبرانية والارامية والسريانية , وانظر الى البخور , بعد مرور ساعة او اكثر , تكاثف البخور , هاج وماج , وبدأت علامات خلق من خلق الله بالظهور , تدريجيا , حتى اكتملت على هيئة مخلوق كبير الحجم , بشع الخلقة , يطغى عليه اللون الاسود , يتموج بتموج الهواء , وتكلم بصوت اشبه بأحتكاك المعادن , فلم افزع , ولم اجفل , بل غمرتني الفرحة , فطرح عليّ سؤاله , ( هل ذهبت الى الانتخابات ؟ ) , اجبته بنعم , فقال ( انت غشيم .. ولا يمكن ان تكون صديقا لي ) , فتركني وانصرف , تبدد في الهواء كالدخان , فلم اشعر بالاحباط , لاني خسرت العفريت الاول , بل ان الفشل هو بداية النجاح , وانتظرت العفريت الثاني , حتى وصل , وبدأ يظهر في دخان البخور شيئا فشيئا , حتى اكتمل على خلقة عظيمة , مريعة مخيفة , يطغي عليه اللون الازرق , وسألني نفس السؤال ( هل ذهبت الى الانتخابات ؟ ) , الا اني اجبته بكلا هذه المرة , فقال لي ( انت مشاكس ... وتبحث عن المشاكل ( ادور طلايب ) .. فلا اصادقك ) فتلاشى في الهواء كما يتلاشى دخان السيجارة .
انتظرت العفريت الثالث , حتى وصل , بطلعة مهيبة , وقد طغى عليه اللون الاحمر , فلم اخف , ولم اجفل , تشجعت وطلبت منه ان يطرح عليّ سؤاله , فسألني ( هل انت مع الشعب ام مع الحكومة ؟ ) , اجبته اني مع الشعب , فقال ( اوووووف ... اووووف .. مطالب الشعب لا تنتهي عند حد .. ولا تقف عند رد ... دائما يثير الشعب شغب ومظاهرات ضد الحكومة ... لا ريب انك ارهابي او من ذوي الاجندات الخاصة اوربما فيك روح بعثية ... فلا يمكن ان تكون صديقا ليّ ) , فتلاشى كما تلاشى سابقوه وانصرف .
وبعد انتظار لم يدم طويلا , وصل العفريت الرابع , بتلك الخلقة المريعة , وذلك الحجم الكبير , ذو بطن منتفخ , يغلب عليه اللون الاصفر , فطلبت منه السؤال , فكان ( هل انت مع الحكومة ام مع الشعب ؟ ) , اخبرته اني مع الحكومة , فقال ( لابد انك من طلاب الكراسي والتعالي على رؤوس الخلق ... ولعلك ممن يرتقون السلالم على اكتاف الناس ... ولا يبالون بما يحدث للشعب ... فلا يمكن ان تكون صديقي ) , وانصرف متبددا متلاشيا كإقرانه .
لم يتأخر العفريت الخامس بالمجيء , فتشكلت هيئته كالدخان الكثيف , مالئا الافق من امامي , حاجبا السماء عن انظاري , غالبا عليه اللون الابيض , وطرح عليّ نفس السؤال , فأجبته بأني مع الاثنين ( الحكومة والشعب ) , فقال وكأن الكلام يخرج من بطنه لا من فيه ( الشعب شعبنه وغالي عدنه ... والحكومة حكومتنه وغاليه علينه ... والشعب مشغول بطرح المطالب والخدمات ... والحكومة مشغولة بتوزيع الكراسي والمناصب .. والوطن راح يضيع .. فأنت غير وطني .. ولا يمكن ان تكون صديقي ) , وانصرف بكل هدوء , مختبئا بالهواء ! .
وهكذا استمر توافد العفاريت , حتى العفريت السادس , بتلك الطلعة الشنيعة , وذلك الوجه المجعد , والشعر الكثيف , واللون المائل للرمادي , وطرح سؤاله كالعادة ( ما هي توجهاتك السياسية ؟ , هل انت اسلامي ام ديمقراطي ام اشتراكي ام رأسمالي ... الخ ؟ ) فأجبته بأني مستقل , ولا انتمي الى شيئا من كل ذلك , فقال ( انك لا تملك روح الانتماء او شعورا بالمسئولية تجاه البلد ... ولا يمكنك ان تكون صديقي ) , فتركني وانصرف , كبخار ماء .
واخيرا حان اللقاء مع اخر العفاريت ( السابع ) , الذي لم يكن يختلف عن سابقيه بضخامه الحجم , و فضاعة الخلقة , وطريقة الكلام البطنية المشابه لاحتكاك الحديد , وكان اللون الاخضر طاغيا عليه , وطرح عليّ السؤال الاخير في هذه الجلسة , ( ما تاثير الفلافل على الشعب ؟ ) , فأجبته انها تعسر الهضم , وتسبب انتفاخ البطن , كما وتسبب النعاس اذا كان الزيت قديما ( بايت ) , فأعترض قائلا ( ان جوابك خاطئ , الفلافل هي بمثابة مفاعل نووي , يمد الشعب بالطاقة والحراك .. خصوصا اذا كان الزيت قديما والبيذنجان مرّ والجو حار .. اما اذا اضيف اليها الفلفل الحار فحدث ولا حرج (( تلعب هبه )) ) , فتركني وانصرف , تبدد في الهواء , معه تبددت جهود مئة يوم من الاقامة في الصحراء , لكني لم اعبأ بالفشل , بل غمرتني السعادة , وملئني الامل , مرددا في خلدي ( الفشل بداية النجاح ) .