تأملات في القران الكريم ح354/حيدر الحدراوي
Wed, 6 Sep 2017 الساعة : 12:37

سورة فصلت الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ{29}
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار في النار قولهم ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ) , يرى اغلب المفسرين انهم :
1- من الجن اللعين ابليس الذي اغوى العباد .
2- ومن الانس قابيل الذي سنّ سنة القتل .
بينما يرى اخرون انهم :
1- الشياطين التي وسوست وسولت لهم وحببت لهم الشرك والمعاصي.
2- ومن الانس ائمة الكفر الذين دعوهم الى الشرك والمعاصي ونبذ وهجر والاعراض عن الرسل وما جاؤوا به .
( نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ) , كي ندوسهما في النار انتقاما , ( لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) , وايضا ليكونا في اوطئ مراتب الذل والهوان .
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{30}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) , اقرارا بالوحدانية , ( ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) , على التوحيد , ( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ) , عند الموت مبشرين اياهم :
1- ( أَلَّا تَخَافُوا ) : مما انتم مقدمون عليه من الموت وما بعده .
2- ( وَلَا تَحْزَنُوا ) : ولا تحزنوا على ما تركتم من الاهل والاولاد .
3- ( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) : فأنه مقامكم فيها .
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها ويستمر معها كلام الملائكة للمؤمنين عند الموت ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) , بحفظكم من الشياطين والمكاره , ( وَفِي الْآخِرَةِ ) , عند الموت , حتى ندخلكم الجنة , ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ) , لكم فيها ما تمنيتم , ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) , ولكم فيها ما تطلبون .
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ{32}
يستكمل الملائكة قولهم في الآية الكريمة ( نُزُلاً ) , تلك المنازل وما فيها , ( مِّنْ ) , الله عز وجل , ( غَفُورٍ ) , كثير المغفرة للتوابين , ( رَّحِيمٍ ) , بالمؤمنين .
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{33}
تنعطف الآية الكريمة ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ) , لا احد احسن ممن دعا الى توحيد الله تعالى وطاعته وعبادته , ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) , وقرن دعوته بالعمل النافع , ( وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) , ثم يقر بأنه من المسلمين .
يختلف المفسرون في سياق الآية الكريمة في انها من كلام الملائكة ام من كلامه جل وعلا .
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34}
تبين الآية الكريمة ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ) , ننقل في النص المبارك رأيين :
1- لا تتساوى الحسنات ولا السيئات في جزئياتهما , حيث بعضهما اكبر وافضل من بعض .
2- لا يتساويان من حيث الجزاء , حيث بعض الحسنات جزاءها افضل من غيرها , وكذلك بعض السيئات عقابها اشد من غيرها .
( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) , نختر رأيين فيها :
1- ادفع ما اعترضتك من السيئات بالتي هي احسن من الحسنات .
2- او ادفع الخصلة السيئة بخصلة حسنة كدفع الغضب بالصبر , ودفع الجهل بالعلم ... الخ .
( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) , ان فعلت ذلك وقابلت العدو المتربص بحسن الخلق وفضائل الخصال صار كأنه صديق قريب , ولهذا الامر كثير من المصداقية والشواهد في الحياة اليومية .
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35}
تستمر الآية الكريمة ( وَمَا يُلَقَّاهَا ) , تلك الخصلة وهي مقابلة الاساءة بالإحسان , ( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ) , على الاذى , فأنها تحبس وتمنع النفس من الانتقام , ( وَمَا يُلَقَّاهَا ) , لا ينالها , ( إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) , ذو كمال النفس , فأن ذوي الاخلاق المتذبذبة لا يمكنهم الاتيان بها .