بين عالم الفقراء والأغنياء وأزمة عالمنا المعاصر-عصام الطائي

Tue, 1 Nov 2011 الساعة : 15:14

يعيش عالمنا المعاصر حالة من التفاوت بين عالم الفقراء الذي يمثل الغالبية من الناس وبين قلة من الناس والذي يمثل عالم الأغنياء مما يجعل من الصعوبة تحقيق صفة العدل او العدالة في الأنظمة الاجتماعية المعاصرة بالرغم من كل الادعاءات على أساس ان هذه الأنظمة تمثل حالة العدالة فما هذه الا شعارات للاستهلاك المحلي والعالمي وهذا يعبر على بؤس الضمير الإنساني الذي جعل الأولوية لذلته وترك الكثير من الناس تتلظى من الجوع والحرمان والبؤس مقابل حفنة من الناس الذي تتمتع بالمال.
ونجد بين أوساط الأغنياء نفوس حقيرة تتألم إذا ما رأت ان هناك فقير قد رزقه الله تعالى فتجد على الصعيد الاجتماعي ان البعض من الأغنياء يتألم لماذا كون هذا الفقير او ذاك توجد له القدرة على شراء حاجة من هنا او حاجة من هناك ؟ وهذا يدل على ان بعض الأغنياء لا كونهم فقط قد يكونوا سببا في حرمان الفقراء بل هناك نفوس حقيرة تتألم اذا شبع فقير هنا وهناك وهذا تعبير عن وجود صفة الحسد والتي تعبر على وضاعة النفس.
وأما على مستوى الحركات او التكتلات او الأحزاب قد تجد التفاوت بين القيادات وقواعدها الشعبية والتي غالبا ما تتمتع تلك القيادات بمستويات مالية عالية وتستخدم شتى الأساليب في سبيل الحصول على المكتسبات المالية بينما نجد على مستوى القاعدة الجماهيرية لتلك الأحزاب او الحركات او التكتلات حالة الحرمان والفقر وهكذا نجد على مستوى شيوخ العشائر او رجال الدين وجود هذا التفاوت لذلك من الصعب ان نجد تحقيق صفة العدل او العدالة ظاهرة وواضحة حتى بين العلماء او رجال الدين الذين يدعون غالبا بتحقيق العدل او العدالة وذلك لان تحقيق العدل يتطلب وجود نفوس تحمل صفات أخلاقية عالية كالتقوى والصبر والزهد والإخلاص والتوكل وهذا ما لا نجده حتى من يدعي التدين غالبا.

وأما على مستوى الدول فنجد الحكام على مدى التاريخ الإنساني فقد تمتع الحكام بالامتيازات الهائلة وذلك لان هؤلاء يعتبروا الحكم كامتياز خاص لهم لا أساس كون الحكم هو خدمة للناس لذلك كانت السلطة بمثابة آفة تهلك من يطلبها سواء أكانت على مستوى الفراعنة او السلاطين او الملوك اوالاباطرة او الأمراء او الرؤساء بشتى التسميات وهكذا نجد التاريخ الإنساني كثير ما يكشف جشع الحكام الا نادرا ما نجد نفوس أبية تكون مستوى ذاتها ارفع من الاغترار بالحكم كحال الأنبياء والأئمة من أهل البيت فلقد كان علي ع مجسد لذاك النموذج الإنساني الرفيع الذي أدهش البشرية بورعه وتقواه وزهده وصبره اتجاه كل مغريات الحياة.

أما على مستوى الحضارات فنجد ان هناك حضارة مادية يكون مستوى علاقتها بالأشياء على أساس مادي بحت ونجد بالجانب الأخر كانت هناك الحضارة الإسلامية التي تمثل بارقة أمل للبشرية وانه بالرغم مما حصل من انحراف في توجه تلك الحضارة نتيجة ممارسات الحكام عبر التاريخ الا انه بقت الحضارة الإسلامية تمثل الأمل للبشرية وذلك بسبب وجود الأسس الصحيحة لتطبيق العدل والعدالة الذي يمثله القران الكريم.

لقد عبر الحكماء عن الفقر بتعبيرات مختلفة وأروع ما قراءته كان تعبير احد الحكماء بان الفقر يكسر القوي ويذل العزيز ويضعف الشريف وان المال قد يكون مصدر قوة للإنسان اذا استخدم بأسلوب صحيح في الحياة ويكون مصدر ضعف للإنسان اذا كان السبب في طغيان الإنسان وانحرافه ولقد كان تركيز القران الكريم والأحاديث والروايات على هذا الجانب وذلك لأنه الصفة الغالبة لدى الناس يكون المال بمثابة داء فيتحول من نعمة الى نقمة من كونه عنصر قوة الى عنصر ضعف ومن كونه وسيلة الى غاية.

وأما على مستوى العلاقات الإنسانية تجد الكثير من الناس ما يحترم الغني كذبا ويسلط كل اهتمامه اليه بينما نجد الفقير لا يعار له أهمية حتى لو امتلك العلم والحكمة يقول الإمام علي ع المال يستر رذيلة الأغنياء والفقير يغطي فضيلة الفقراء فحتى الفضيلة لا ينظر اليها لو كانت يتصف بها الفقير بينما الرذيلة حتى لو كان يتصف بها الغني تنسى او لا يعار لها أهمية وهذا المقاييس البائسة هي العقبة في العلاقات الإنسانية الصحيحة وهي تعبير عن حقيقة كثير من الناس الذي يكون مقياسها للأشياء خاطئا وباطلا ويعبر خير تعبير عن أهواء النفس بما يحمل الإنسان من ميول ورغبات يجعله يفقد صفة العدالة.

وان التعبير عن بؤس الحكام او الأحزاب او الدول او الحضارات هو التعبير الصحيح الذي يكون سببه هو وجود الأهواء والشهوات والميول والتي تحرك الإنسان نحو الهاوية والسقوط والانحدار والتي تسبب ضياع الإنسان في العالم وان العودة الى الذات الحقيقة للإنسان هو محاولة سيطرة الإنسان على أهواءه وشهواته ورغباته وبدون ذلك يفقد الإنسان صفته الإنسانية يقول الإمام علي عليه السلام من قوي هواءه ضعف عزمه وبالعكس اذا ضعفت أهواء ورغبات النفس سوف يقوىعزم الإنسان ولقد كان صراع البشرية عبر العصور هو الصراع الناتج عن الصراع بين الهوى والعقل.

وهناك جملة من المشاكل يعيشها عالمنا المعاصر ولكن المشكلة الأساسية التي يعيشها حاليا هي مشكلة اقتصادية وذلك نتيجة طبيعة النظم الاقتصادية التي تبنت نمط الفائدة أي الربا كأساس في تعاملتها الاقتصادية مما سبب حالة المديونية حتى انه لا تخلو دولة من حالة المديونية وقد تصل المديونية في بعض البلدان بقدر الناتج القومي لذلك كثير ما نسمع ان يتعامل مع الديون كوسيلة في التعامل التجاري من خلال بيع دين وشراء دين وهذا مما يجعل الاقتصاد في خطر دائم وقد يصل الى انهيار الاقتصادي في أي لحظة وهذا بخلاف طبيعة الاقتصاد الإسلامي الذي يمنع التعامل بالدين بل يجعل أساس التعامل في الشيء العيني الحقيقي والواقعي لذلك لا يمكن ان يكون المنقذ من الحالة التي يعيشها الاقتصاد المعاصر الا بالتمسك بالأسس التي اعتمد عليها الاقتصاد الإسلامي كوسيلة ضرورية لحل أي مشكلة او أزمة اقتصادية لذلك يمكن التعبير عن الاقتصاد الإسلامي بكونه اقتصاد واقعي حقيقي أما الاقتصاد في عالمنا المعاصر فهو اقتصاد افتراضي فهو يفترض ان دين هنا وربح هناك ولكن لم يكن واقعيا بل مجرد افتراض.

وان الصفة العامة التي يعتمد عليها المنهج الإسلامي هو الجانب الأخلاقي في كل حقول الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والتربوية والفكرية وشتى الحقول الأخرى وهذا الجانب مفقود في طبيعة النظم المادية التي تخلت عن الجوانب الأخلاقية وجعلت أساس التعامل او العلاقات بين الأشياء هو الجانب المادي البحت مما سبب مجموعة من المشاكل والأزمات لذلك لا بد من عالمنا المعاصر بشتى نظمه ان يعترف بهذه الحقيقة ويتخلى عن تكبره وغروره وطغيانه لان الاعتراف بالحقيقة هي فضيلة بذاتها.

وان العالم المعاصر مقبل على أزمة او انهيار اقتصادي قد بدت بوادره من كثرة الازمات الاقتصادية وكثرة المديونية لكثير من الدول لذلك نجد احساس الإنسان المعاصر وتخوفه من المصير المجهول لأنه قد نجد في أي لحظة يضحى من الممكن العملات المتداولة لا قيمة لها حالها حال التراب وان الديون أضحت مشكلة وفق الأنظمة المعاصرة التي تبنت نظرية الفائدة وأضحت الديون ترتفع بصورة مذهلة اذا ما استدان شخص او دولة ما وما هذه المظاهرات الأخيرة في أمريكا الا تعبير عن حالة الاعتراض عن دعم الدولة الرأسمالية للأغنياء وإهمال الفقراء بينما النظام الاجتماعي الواقعي هو الذي يقف مع الفقراء في مواجهة أي مشكلة فقد خصصت المليارات من الأموال لأجل الوقوف مع البنوك الذي يملكها الأثرياء من الناس وان شراء منزل في أمريكا يعتبر مشكلة لأنه الضعف في تسديد أي قسط سوف يجعل الديون تتراكم لذلك نجد الآلاف من فقدو منازلهم نتيجة طمع تلك البنوك التي تجعل الأولوية لأطماعها وهذا هي من أحدى مساوى الرأسمالية التي تجعل الأولوية لدعم الأغنياء.
 

Share |