بين الفوضى الخلاقة والربيع العربي -الدكتور: جــابــر السعــد

Tue, 1 Nov 2011 الساعة : 14:08

ربط الكثير من الساسة والسياسيين التطورات التي حدثت في العديد من الاقطار العربية والاسلامية بنظرية “الفوضى الخلاقة” أو “البناءة” التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية كاستراتيجية شرعت بتجريبها في أقطار العرب والمسلمين، لتبدو اليوم أكثر إصرارًا على الاستمرار بتنفيذها؛ بدافع أن تلك الفوضى بدأت تؤتي ثمارها الخلاقة.
نحاول في هذة العجالة الاقتراب من ماهية مفهوم “الفوضى الخلاقة” ومعرفة الأسس الفكرية والفلسفية التي استند إليها رواد هذه النظرية، والأهداف المعلنة والمستترة من ورائها، والكيفية التي اتبعتها الإدارة الأمريكية، للانتقال بتلك الاستراتيجية من إطارها النظري إلى واقع أصبح اليوم ملموسًا ومشاهدًا في شارعنا العربي والإسلامي، واستخلاص ما يتوجب علينا تجاه تلك الفوضى.
ما الفوضى الخلاقة؟ ومن أين جاءت؟
يقصد بالمصطلح تكوين حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى صاخبة الإحداث على الرغم من وجود هذا المصطلح في أدبيات الماسونية القديمة حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي )دان براون ( إلا أنه لم يكثر استخدامه إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن فقد ورد في تصريح وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في حديث لها أدلت به إلى صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في شهر نيسان 2005، حيث انتشرت بعض فرق الموت والأعمال التخريبية التي اتهمت بأنها مسيسة من قبل الجيش الأمريكي وبعض المليشيات المسلحة التي تؤمن بأن الخلاص سيكون لدى ظهور( المهدي المنتظر( او (المسيح المخلص ) والذي سوف يظهر بعد حالة من انعدام الأمن والنظام .
سياسة الفوضى الخلاقة اعتمدها " المحافظون الجدد في الولايات المتحدة " لتهديد الأمن العالمي وتغيير الانظمة مثلما حصل في العراق وكانت سوريا وايران من الاهداف اللاحقة وخلط الاوراق تجاه منظور جديد بعد معاهدة"ويستفالية" ومن أبرز المنظرّين المعروفين لهذا النهج هما "صمويل هنغتون وبرنارد لويس " المرتبطون بالقوى البريطانية المؤثرة ؟! " انظر الى اعمال توني بلير وتصريحاته في الفترة الاخيرة من معارضته لإتفاقية "ويستفالية" التي انهت الحروب الدينية في اوربا واصبحت مبادىء هذه الاتفاقية رسميا جزأ من القانون الدولي التي تدعوا الى عالم مكون من امم وشعوب ذي سيادة مستقلة والنفع العام لجميع البشر وحسب المبادىء المسيحية والانسانية المعروفة"... وسيناريو هذه الايديولوجية هو الاستمرارية في خلق عدم الاستقرار في العالم لأن نظامهم المالي في طور الانهيار وهم يظنون انه ومن خلال خلق الفوضى وانهيار الانظمة والشعوب والحروب سيتمكنون من فرض اوضاع وانظمة جديدة بحيث تتواصل ارادتهم في الهيمنة .
المتتبع للاحداث سيدرك ان العرب والمسلمون في الكثير من بلدانهم وصلوا الى مرحلة خطرة ومتقدمة من اللاعودة ؟، لأن حياة الشعوب اصبحت مهددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بصورة جدية نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي العالمي ؟ واصبح العالم العربي والاسلامي عاى " مفترق طرق" ومرحلة حاسمة في الحقبة التاريخية الحالية بعد تفشىّ عقود من الخداع وهيمنة المصالح الخاصة ؟ : إما الفوضى الخلاقة وعصورا عصيبة وإما العودة الى الركائز الانسانية النبيلة والطبيعية في حكم الشعوب وفوضى وصراعات وما يتبعه من سفك لدماء الابرياء ولا يستبعد حدوث حروبا اقليمية في المدى القريب من اجل تحطيم سيادة أمم وشعوب والدفع بمخططات مبيتة لا تعي بها شعوب المنطقة لإنشغالها بكسب لقمة العيش وقلة الادراك نتيجة الثقافة السائدة والتلفيقات والاتجاه المسيطر للاعلام والكبت السياسي في العقود الاخيرة
تعتمد نظرية “الفوضى الخلاقة” في الأساس على ما أسماه الأمريكي “صموئيل هنغتون” بـ”فجوة الاستقرار” وهي الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار بشكل أو بآخر. فاتساعها يولد إحباطاً ونقمة في أوساط المجتمع، وليتذكر الجميع ما وصل اليه ( البوعزيزي ) من هول اتساع تلك الفجوة وبكل تاكيد معه الملايين من العرب في بلدانهم التي حكمها افراد استحوذوا على السلطات لاسيما إذا ما انعدمت الحرية الاجتماعية والاقتصادية، مما يعمل على زعزعة الاستقرار السياسي في بعض البلدان،وافتقدت مؤسسات النظام القابلية والقدرة على التكييف الايجابي، ذلك أن مشاعر الاحتقان قد تتحول في أية لحظة إلى مطالب ليست سهلة للوهلة الأولى، وأحياناً غير متوقعة، , ما يفرض على مؤسسات النظام ضرورة التكيف من خلال الإصلاح السياسي، وتوسيع المشاركة السياسية، واستيعاب تلك المطالب. وبما ان الذين هم على هرم السلطات في الكثير من البلدان العربية من الذين لا يعرفون ما معنى الحرية والديمقراطية وحكم المؤسسات فقد فشل الكثير منهم في احداث اصلاحات حقيقية ترتفع بالمواطن الى مصافي القياسات الانسانية , مما يشعره ( اي المواطن ) انه نكرة وتعمق فيه تلك الممارسات السياسية الكاذبة تعمق فيىه الشعور (بالهوية المظلومة )وعند تلك النقطه يتحول المواطن الى مادة للعنف ووسيلة للفوضى .

[email protected]
 

 

 

Share |