الــبــيـــت ام الوطــن ... ؟؟!! :عبد الرزاق عوده الغالبي-الناصرية
Wed, 18 May 2011 الساعة : 10:16

استغربت كثيرا من القرار الذي اتخذه الاستاذ احمد, زميلي في المدرسة وصديقي الوحيد, انه سيبيع بيته الوحيد الذي يملكه والذي ياوية وعائلته الكبيرة المؤلفة من سبعة افراد, زوجته واخته وا ولأده الاربعة ويهاجر خارج البلد للبحث عن عمل, وبدا قراره غريبا جدا فحاولت استيضاح الأمر فلم افلح بسبب مراوغتة في الاجابة وقد الححت في السؤال فأحرجته كثيرا, فاغرورقت عيناه بالدموع وخنقته العبره ووضع راسه بين يديه لبرهة من الزمن مع صمت مطبق ثم نطق بكلمات نصف باكية محملة بألم وثقل المسؤولية وانحراف الايام ولهب الفقر والعوز الذي لا يرحم: واخيرا قال :
اخي لقد ادميت قلبي بأسئلتك الملحة .. الا تخاف الله ؟؟!! انت لا تدري ان اولادي حرموا من وجبة الفطور وقد قسمتهم مجموعات لكل يوم مجموعة , تفطر وينتظر البقية دورهم لليوم التالي ...اما انا ووالدتهم فقد حذفنا هذه الوجبة من جدول طعامنا.........!!! هل سمعت يوما ان عائلة تعيش على هذا النحو.. !!! فالراتب ينتهي في الاسبوع الاول من الشهر والاسابيع الباقية نقتصد بنصف الكمية التي تصرفها لنا وزارة التجارة والنصف الاخر نبيعة لتمشية بعض ايام الشهر و طبعا هذا لا يكفي فأضطررت لبيع اغراض بيتي و ملابسي وفراشي حتى الثلاجة هي اخر حاجة بعتها الشهر المنصرم ولم يبقى لدي سوى جدران البيت فماذا افعل بها اذا بات افراد عائلتي بلا طعام...؟؟!!
تحسرت ونزلت دموعي دون ان احس بذلك وتمنيت لو اني لم اسأله !!....فجمدت الاجابة في صدري وحشرت الكلمات في حنجرتي فصارعت نفسي حتى انطقها :
لا تهتم يا ابا شهاب .... الله كريم..؟!.قلت ذلك وانا اهم بمسح دموعي.ثم استطرد الاستاذ احمد قائلا :
هل لديك الان أي اعتراض على بيع بيتي والسفر خارج العراق للبحث عن عمل بعد ما سمعت قصتي وعرفت حالتي وكشفت لك اوراقي و كل شيْ عن حياتي اليومية ...!!؟؟ فسألته :
هل لديك مصائب اخرى يا ابا شهاب؟؟؟!! فهز الاستاذ احمد راسه بالايجاب ثم قال بحرقة قلب وبكلمات تكاد ان تكون عبرات متقطعة اشبه بالبكاء:
اتدري ان ولدي شهاب في المرحلة الاعدادية المنتهية ويدرس كل يوم حتى الفجر وانا انظر اليه وقلبي يتقطع.....؟؟؟!!
اتدري لماذا؟؟؟ اجبت....... كلا والله ؟؟ وانتابني الفضول لمعرفة السبب..؟؟ فأستطرد قائلا:
اراه وهو يتغذى على الخبز اليابس فقط في كل وجبة من الوجبات الثلاث التي تتناولها حتى الحيونات وانت تعلم ان هذا شاب ويحتاج الى غذاء وملابس...!! اتدري انه لم يلبس شيئا جديدا منذ ثلاثة سنوات...........وجذب انة طويلة وحسرة عميقة تنم عن الم دفين وحمل تنوء منه الجبال ثم قال:
يا اخي اتركني.....رجاءا ولا تسأل عن احوالي لأن سؤالك يفتح جروحا كثيرة ويوقظ سكاكين العوز لتمزق ما بقي مني..........فسكت...!!
و افترقنا ذاك اليوم وانا اجر نفسي نحو البيت ولم استطع الاكل او النوم تلك الليلة من هول ما سمعت....؟!.
وبعد اسبوع سمعت ان استاذ احمد قد باع البيت وأنتقل الى محلة اخرى وسكن و عائلته بالايجار وهاجرهو خارج العراق للبحث عن عمل لتسديد ديون مسؤليته التي باتت تكبر وتتسع كل يوم .لم اسمع اخباره بعد ذلك اليوم لاني صرت اخاف لقائه من هول ما اسمع منه و ضلت ورؤيته تترائى لي و تذكرني بأقصى درجات القساوة لهذه الدنيا العجيبة التي تذل الشريف ..وترفع الكسيف....!!!؟؟
هكذا هو العراق دائما وهكذا هم ابناءه بين مغترب ومهاجر ومعتقل و شهيد وباتت تلك المفردات تعيش معنا كل يوم ونسمعها عندما نفتقد احدا قد غاب عنا........عاش ابناء البلد سباق الموت والحياة وتحملوا كل انواع الظلم...ومارسوا الدفاع المستمر عن انفسهم و عوئلهم من افات الفقر والجوع والعوز والانحراف............ اما اللصوص وذوي النفوس الضعيفة يتمتعوا بثروات البلد ويبذرونها على تنمية ارصدتهم في البنوك و لهوهم وسهراتهم ومجونهم مع بنات الهوى .......اعانك الله يا عراق واعان شعبك الأبي...........!!