بشارة الدفان ... طرافة وواقع ومنافسة الموبايل -عبد الكريم ابراهيم
Sun, 30 Oct 2011 الساعة : 14:47

حالة ذهول من شدة المصيبة تسيطرعلى ذوي الفقيد ، ليس اعتراضا على حكم الله على بني البشر ، بل ان فقدان احد الاحبة هو رسول بليغ لمن بقى . مع كل هذه الاجواء الحزينة ،هناك حالة من الفرح تنتاب بعض الناس على قاعدة (مصائب قوم عند قوم فوائد ) وعيونهم ترنو الى المحمول على السيارة ،وليس على لسان هؤلاء سوى سؤال واحد : تتبعون اي دفان؟ . وبعد عملية التقصي التي تقوم بها احدهم ، يطير من حالفه الحظ في استنطاق ذوي الميت عن اسم متعهد الدفن، على جناح السرعة كي يحصل في نهاية الامر على اكرامية من المتعهد تسمى (بشارة الدفان ) .
هذا المشهد يبدو مألوفا في مقبرة وادي السلام ، حيث يقف الساعون للحصول على الاكرامية عند نقاط معروفة ولاسيما عند بداية المقبرة ،وبعيدا عن مكاتب المتعهدين .( س . ع) 45 عاما من اهالي النجف الاشرف الذي يمارس هذه المهنة منذ سنوات طويلة : بعض الاعمال مرتبطة باشياء محزنة ولكن علينا في الحياة قبولها والتعامل معها بواقعية ، وامثالي يمارس مهنة مرتبطة بجو العالم للمنطقة كاعمال الدفن ،والقراءة على الميت وغيرها . وفي النهاية يحصل من يمارس عملنا على مبلغ لابأس به وحسب الدفان وسخائه وعادة يختلف من شحص لاخر .
الدرجة الهوائية والنارية ،من الوسائل المهمة التي يعول عليها اصحاب هذه الحرفة كما يقول ( م . س) 52 عاما : عملنا يتطلب السرعة في نقل المعلومة الى الدفان ، لذا نحتاج الىى وسيلة نقل سريعة تستطيع الانتقال الى حيث نريد دون الاكتراث الى الازدحامات المروية وكثرة السيارات . ولعل الدراجة الهوائية كانت هي المفضلة في السابق واليوم الدراجة النارية الصغيرة هي من فرضت نفسها بحكم الحاجة والتطور . احيانا تتعطل وسيلة النقل للسبب معين ،ما يجعل ( البشارة ) تضيع من يدي صاحبها كما يقول (و. ع) 47عاما : ذات مرة انطلقت نحو الدفان المقصود ،ماهي خطوات بسيطة حتى تعطلت دراجتي . هذا الامر دفع صديقا ان يسبقني ويأخذ ( البشارة ) .عاتبته على عمله هذا ،ما جعله يقتسم مبلغ (البشارة ) بيننا .
يشكو من يمارس هذه المهنة من انحسارها بسبب دخول الموبايل واتصال اهل الميت بالدفان بصورة مباشرة كما يقول سعدي وهاب : الموبايل من اهم اسباب ضمور هذه المهنة ، حيث اصبح الاتصال مباشرة بين الطرفين ، وبهذا انتفى عملنا . اما زميله مخلف طراد فيقول : بعد معرفتي من اهل الميت عن اسم المتعهد، انطلقت بدراجتي نحو مكتبه واخبرته بالامر : بان هناك جنازة من مدينة النعمانية في الطريق اليك . اجابني : لقد اتصلوا بي منذ اكثر من خمس ساعات . ولكن هذا الدفان لم يكسر خاطري ، فاعطاني مبلغ (البشارة ) كما تجري العادة .
قد يشعر البعض بالحرج من مهن معينة ،ولكن هل يشمل اصحاب الساعين خلف ( بشارة الدفان ) هذا القول ؟ عبد الله محارب يقول : تعد مقبرة وادي السلام اكبر مقبرة في العالم ويدفن فيها من انحاء العالم الاسلامي، وهناك مهن ارتبطت بها ومهنتنا واحدة منها ، وفي حقية الامر نحن لانجبر اصحاب المكاتب على اعطائنا اكراميات ،ولكن العادة جرت على هذا المنحى .
الكساد الذي يضرب هذه المهنة ،جعل البعض يتحول الى مهن اخرى مقاربة في التوجه وفي حدود المنطقة نفسها كما يقول والي سرحان : وسائل الاتصال الحديثة جعلت ايرادتنا تقل عن السابق . هذا الامر جعلني انتقل الى مهنة (تزوير الجنازات ) والتكبير عليها ،وهذا العمل جماعي يشترك فيه اكثر من اربعة اشخاص، عكس في السابق كانت مهنتنا فردية .
يعتمد هؤلاء المبشرين على المعلومات التي يجدون صعوبة في الحصول عليها بحكم حراجة الموقف ، واحيانا يدفعون ثمن هذا الاندفاع على شكل ضربات واهانات من قبل ذوي الميت كما يقول دحام صفر : حاولت ذات مرة الحصول اسم الدفان من اهل العزاء ، وشاءت الصدف ان تقودني قدمي الى احدهم الذي كان قد اعتزل الناس . اقتربت منه وقلت له : عمي انتم عند يا دفان تدفنون ؟ نظر الرجل الي وعيونه يملؤها الشر ، ثم هجم علي وانهال ضربا حتى تدخل اهل ( الجنازة ) وقاموا بخليصي منه . تيبن ان هذا الرجل هو اخو المرحوم وهو اكثر الناس حزنا عليه لانه فارق الحياة وهو شاب . في نهاية المطاف اعطاني قريب له مبلغا وقال لي : هذه عوض عن الضرب الذي اكلته . احيانا يقسم اصحاب هذه المهنة مكاتب الدفن بينهم ،فلا يحق التجاوز على حصة الاخر الا في حالة الغياب ، عندها يخبر الشخص المعني ويفضي الامر الى تقاسم الاكرامية مناصفة .