المحسوس والمرئي -كريم شلال
Sun, 30 Oct 2011 الساعة : 14:28

لكل انسان مجموعة من الميول والاتجاهات تظهر كعلامة واضحة ترافقه اينما حل ، وقد تتبلور تلك الرغبات في صور شتى فتراها تظهر حسنة طيبة محسوسة مريئة نافعة له ولمجتمعه يظل يزهو بها اينما حل ودار ، بينما يبقى صاحب تلك الرغائب المشينة شاذا ممقوتا اينما حل ورحل فمرة يشعره الناس بمدى سماجة تلك الخصلة التي يحملها وتارة اخرى يظل الحياء يركب الناس ليواروا رغبته وميله ولو لحين ، وتبقى ترافقه تلك الهواية كظل لا يتخلص منه حتى الممات "فمن شاب على شيء شاب عليه " وتبقى الصورة الاجمل البهية في هذا كله تلك الرغبة الجامحة او الممارسة الواعية في استيعاب هول الفراغ القاتل في حياتنا لتحويله الى طاقة مثمرة تصب في نهر العطاء المستمر في الحياة فترى صاحبه يجاهد في الاختلاء والتملص من كل التزاماته المختلفة لسرقة الوقت واغتنام الفرصة للعطاء ، سواء كان ذلك العطاء ادبيا او غيره من مجالات الحياة الاخرى ، فيما يظل البعض هائما كما البهائم التي ترتع في ارض الله الواسعة تاكل من حشاش الارض وتمر مرور الكرام في هذه الحياة دون اثر لها فلا تفتقد حضرت ام غابت ، ولكن يبقى اصحاب الهمم العالية بركان يتفجر في كل مرحلة عمرية ليدر بالعطاء لغيره بالفائدة او لرفد المسيرة الانسانية ليسجل في كل لحظة موقفا جديدا وتزداد عطاءاته ، وكان لسان حاله يقول : لو امتد بي العمر لاكثر من عمري المعهود لاكمل واعطي اكثر ، ولعل المتتبع لتاريخ العراق الحديث تتبلور تلك المحسوسات بجلاء يرفع الهام ويخرس التقولات ، فرجاله يحصدون الاوسمة والالقاب في كل محفل برغم ماساته واهاته المعروفة التي بدا يتعافى منها ، حبث يسجل لنا التاريخ من هذه الاسماء التي لاتنسى الكثير وان غادروا هذه الحياة لان اصحاب العلم والعطاء باقون ما بقي الدهر وكما يقول الامام علي بن ابي طالب (ع) " هلك خزان المال واصحاب العلم باقون ما بقي الدهر " ولعل المتتبع لهذ الاشراق يجد الكثير من المبدعين الذين افنوا اعمارهم هبة لرفد الحياة بالقيم والمثل التي من شانها اعلاء قيم الانسانية ورفع الحيف والظلم عنها ، ولعل الذي اشعل فتيل الامي وجعله ملتهبا ، هو رؤيتي بل ورؤية غيري لذلك البون الشاسع من التيه والضياع لدى اغلب هذا النشا الذي يفكر اين يقتل وقته ، ونحن في زحمة الصراع صراع البقاء للاصلح ؟ دون موجه له ليخيم عليه شبح الياس والقنوط وتحتضنه اودية المفاسد الكثيرة ، فلينظر وليتمعن كل حليم بمن تجاوز "الثمانين " وهو يقول اجدني ظمان للاستزادة من العلم والادب ومتابعة ما يجري في سوح الثقافة والادب ، هذا ما قاله الكبير الرائع زهير القيسي " وهو يميط اللثام ويشمر السواعد لينتفض على عمره الهارب نحو التسعين ، ليوقفه قسرا ويسيره وفق هواه وابداعه ، تراه متاسيا على ذهاب العمر هكذا وهو تارك خزانات ضخمة من المؤلفات التي تنتظر شفقة دور النشر، فلله درك يا شيخنا ، وليتاسى كل لبيب بكلماتك الرائعة بل اسفه على ذهاب العمر سريعا و هو تقول: " اشعر بالظمأ" . بل لنقف بشموخ ازاء رجال عاشوا لظى الغربة وشفير الامها دون انكسار ليصيروها الى نجاحات تشيد براية العراق ، وحسبنا بذلك ما سجله الدكتور " ناهض القيسي " بعد نيله درع الابداع للاثاريين العرب ، ومن قبله حصاد الشيء نفسه للعالم " طه باقر " ولا يتوقف نهر العطاء العراقي .
ان عطاء الانسان لا يتوقف عند سن معين ، وهو منوط بهمة صاحبه فلنبتعد عن قتله بتلك المواقع المسيرة الخاوية ، ونترك هم" بياض اللحم في جسد النساء " لقد ان الاوان للصحوة ولو بعد حين ، لننتفض من زيفنا ونخلع جلودنا البديلة ، ان الاوان لنظهر ادميتنا ازاء من يروم وضع لبنة لبناء صرح العراق من أي موقع كان، ان الاوان لاستنطاق بعض الضمائر الواهنة التي تكفهر وجوهها لنجاح ذاك او حصاد هذا ، فالرحمة بشبابنا فلينصفهم كل منصف بيده شعلة انقاذ ، وليتاسى "قاتلين الوقت والامل " بشباب الثمانين .