تاملات في القران الكريم ح347/حيدر الحدراوي

Sun, 21 May 2017 الساعة : 10:03

تأملات في القران الكريم ح347
سورة  غافر "المؤمن" الشريفة
السورة الشريفة من السور التي تدعى بالحواميم , التي لها فضائل وخصائص معينة كثيرة , منها ما ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال : الحواميم رياحين القرآن . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

بسم الله الرحمن الرحيم

حم{1}
تقدم الكلام في الحروف النورانية المقطعة .
يروى عن الامام الصادق عليه السلام انه قال : واما حم فمعناه الحميد المجيد . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{2}
تضيف الآية الكريمة مؤكدة (  تَنزِيلُ الْكِتَابِ ) , القرآن , (  مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) , في ملكه , الغالب امره , (  الْعَلِيمِ ) , بجميع خلقه .
 (الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) العزة والعلم يكملان بعضهما البعض , فلا عزة بدون علم , ولا علم بدون عزة .

غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ{3}
تستمر الآية الكريمة (  غَافِرِ الذَّنبِ ) , للمؤمنين , حيث لا يغفر الذنوب سواه جل وعلا , (  وَقَابِلِ التَّوْبِ ) , وهو جلا قابل توبة التائبين , حيث لا يقبلها سواه تبارك وتعالى , (  شَدِيدِ الْعِقَابِ ) , للكافرين ومن عصاه , (  ذِي الطَّوْلِ ) , ذو الانعام الواسعة , ذو الفضل بترك وتأجيل العقاب عن مستحقيه , (  لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) , لا يستحق الربوبية سواه , (  إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) , مصير الجميع يوم القيامة , فيجازي المطيع ويعاقب العاصي .

مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ{4}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" (  مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ ) , بطعنها ودحضها ومحاولة تفنيدها , (  إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ) , كفار مكة بالخصوص وسائر الكفار بالعموم , (  فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ) , طلبا للمعاش ومسير قوافلهم التجارية , فأن العذاب واقع بهم عما قريب .
( روي عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله إن جدالا في القرآن كفر وإنما نكر لجواز الجدال لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به ورد مطاعنهم فيه ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ{5}
تستمر الآية الكريمة (  كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ) , سبق كفار مكة للتكذيب قوم نوح "ع" وكذلك الذين تحزبوا من بعدهم كعاد وثمود وغيرهم , (  وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ ) , كل امة من هؤلاء هموا برسولهم , وانشغلوا بأمره , (  لِيَأْخُذُوهُ ) , بقتله او تعذيبه , (  وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) , جادلوا بباطلهم الذي لا حقيقة له ان يزيلوا الحق الذي جاءتهم به الرسل , (  فَأَخَذْتُهُمْ ) , بالعذاب والهلاك , (  فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) , فأنكم تمرون على ما تبقى من مدنهم ومنازلهم وتتناقلون الحكايا عU
 ?هم وكذلك ما يخبركم به القرآن عما حلّ بهم .

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{6}
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ) , قوله جل من قائل { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }هود119 , (  عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) , مصيرهم اليها .

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{7}
تنتقل الآية الكريمة لتضيف (  الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) , المعروفون بحملة العرش وعددهم ثمانية { وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }الحاقة17 , (  وَمَنْ حَوْلَهُ ) , ومن حول العرش من الملائكة , (  يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) , يذكرون الله تعالى بالتنزيه والتحميد , (  وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) , يؤمنون بالله تعالى ببصائرهم , ذكره النص المبارك بيانا لفضل الايمان , (  وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) , يطلبون المغفرة منه تعالى للمؤمنين , يقولون :
1-      (  رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً ) : رحمتك وسعت كل شيء , (  وَعِلْماً ) , وكذلك علمك وسع واحاط بكل شيء .
2-      (  فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا ) : لمن طلب التوبة من الشرك والمعاصي .
3-      (  وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) : الصراط المستقيم .
4-      (  وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) , وجنبهم عذاب جهنم .

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{8}
يستمر كلام حملة العرش ومن حوله في الآية الكريمة (  رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ) , الاقامة , (  الَّتِي وَعَدتَّهُم ) , لمن صلح منهم , (  وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) , وألحق بهم اباءهم وازواجهم واولادهم ليسروا بهم , (  إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ ) , في ملكك , (  الْحَكِيمُ ) , في صنعك وتدبيرك , الذي لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة ومنها الوفاء بالوعد .

وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{9}
يستمر كلام حملة العرش ومن حوله في الآية الكريمة (  وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) , جنبهم عذاب ما اقترفوا من السيئات , (  وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) ,  فأن من تجنبه عذاب وعقاب سيئاته ذلك اليوم فقد شملته برحمتك , (  وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) , حيث لا فوز يضاهيه .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ{10}
تستمر الآية الكريمة في الموضوع (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ ) , يوم القيامة , فترد عليهم ملائكة العذاب (  لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ) , مقت الله تعالى لكم اكبر مقتكم لأنفسكم الامارة بالسوء , (  إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ ) , في الدنيا , (  فَتَكْفُرُونَ ) , تجحدونه .

قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ{11}
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار اهل النار (  قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) , يختلف المفسرون في النص المبارك , فنطرح عدة اراء :
1-      إماتتين . "تفسير الجلالين للسيوطي " .
2-      عن الصادق عليه السلام ذلك في الرجعة . "تفسير القمي" .
3-      لعل المراد أن التثنية إنما تتحقق بالرجعة أو يقولون ذلك في الرجعة بسبب الأحياء والأماتة اللتين في القبر للسؤال  . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
4-      اماتتين الاولى انتزاع الروح والثانية للجسد .
5-      موت الانسان وقرينه .
6-      اماتتين الاولى الموت في الدنيا , والاخرى الموت في الاخرة بمعنى دخول جهنم , أي ان الميتة الثانية مجازية تشير الى الخلود في النار .
7-      الميتة الاولى اشارة الى بداية تكون الانسان من النطف , أي كان الانسان ميتا قبل ان توهب له الحياة , ثم الميتة الثانية فهي الموت المعروف .
(  وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ,  يختلف المفسرون في النص المبارك ايضا , فيطرحون نفس ما ذكر اعلاه , (  فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) , اليوم وفي هذا الموقف نعترف بكفرنا وبذنوبنا وتقصيرنا , (  فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) , فهل هناك طريقا للخلاص من العذاب كي نسلكه , او نعود الى الدنيا فنؤمن ونعمل الصالحات .

ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ{12}
ترد الآية الكريمة عليهم (  ذَلِكُم ) , ما انتم فيه من العذاب كان سببه واستحقاقكم له (  بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) , بالتوحيد وما يترتب عليه من اخلاص العبادة والطاعة , (  وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) , وان اشرك به , امنتم بالإشراك , (  فَالْحُكْمُ ) , فالحكم والقضاء اليوم , (  لِلَّهِ الْعَلِيِّ ) , على خلقه , (  الْكَبِيرِ ) , العظيم , من ان يشرك به ويسوى به غيره .
( عن الصادق عليه السلام يقول إذا ذكر الله وحده بولاية من أمر الله بولايته كفرتم وإن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولآية ) . "تفسير القمي" .

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ{13}
تستمر الآية الكريمة (  هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) , دلائل قدرته الدالة على توحيده , (  وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً ) , المطر , او اسباب الرزق الاخرى , (  وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ) , لا يتعظ من ذلك الا من رجع عن الشرك وانكار التوحيد واقبل على الدلائل الربانية وتفكر فيها وتأملها .

Share |