سلوكیات ترامب : هشاشة ّ العقل أم خلل في الشخصیة.....؟/د. محمد مسلم الحسیني - بروكسل

Sun, 12 Feb 2017 الساعة : 10:46

أطلق الطبیب الأمریكي المختص في الأمراض العقلیة والنفسیة " جون كارتنر" في السادس عشر من شهر

كانون ثاني المنصرم حملة جمع تواقیع لعلماء النفس وأخصائي الأمراض العقلیة والنفسیة، فحصد على ما
یزید عن 15900 توقیع لهؤلاء تشیر وتوعز بأن الرئیس الأمریكي الجدید " دونالد ترامب" مصاب بمرض
عقلي یمنعه من حكم البلاد. وطبقا للقوانین الأمریكیة المختصة بهذا الأمر وعلى الخصوص الفقرة الثالثة من
الملحق 25إي من الدستور الأمریكي، فأن على ترامب التنحي عن منصبه كرئیس لأمریكا. هذا العدد الهائل
.من تواقیع أهل الإختصاص لا یجعل المرء یعتقد بأن رئیس أمریكا الجدید شخصیة سویة وطبیعیة
رغم إعتراض بعض الأخصائیین على تشخیص زملائهم وعلى رأسهم البروفیسور البریطاني المختص بعلم
النفس "ألین فرانسیس" حیث قال بأن ترامب مصاب بإضطرابات ّ في إطار الشخصیة ولیس بمحور العقل فهو
أن الجمیع یتفق بأن هذا الرجل یعاني من خلل سواء كان عقلي أو
شخ ّصیة مریضة ولیس عقلیة مریضة، إلانفسي أو تصرفي إجتماعي. ومهما یكن من أمر فأن أعراض وعلامات غیر صحیة تعتبر إشارات للعدید من
أمراض العقل أو النفس أو الشخصیة موجودة وواضحة في هذا الرجل برزت خلال ممارسته للسلطة بل
حتى قبل ذلك وعلى الأخص أثناء حملته الإنتخابیة. هذه الأعراض كان یتربص لها ویتابعها أهل الإختصاص
.قبل غیرهم بل صارت واضحة للملأ على وجه العموم وغیر خافیة على أحد بمرور الزمن
شخ ّصیة المرء المتمثلة بمقوماتها الثلاثة " المظهر والجوهر والتصرف" تنعكس من خلال مقوماتها، فترتبك
بإرتباك المقومات وتستوي بإستوائها. فالمظهر وهو الغلاف الخارجي للشخصیة، وإن كان أثره سطحي، إلاّ
أنه یوحي ببعض الإنطباعات العامة التي تشیر الى طبیعة الشخصیة وعقدها وأمراضها. وهكذا ذهب بعض
المختصین بعلم النفس في تحلیل شخصیة ترامب من خلال مظهره وحركاته وتفاعلاته وإنفعالاته بل ومن
خلال نظراته وتراكیب وجهه وتسریحة شعره وأسلوبه بالكلام والمفردات التي یتلفظ بها وحتى شكل توقیعه
فلكل موقع معنى في طبیعة الشخصیة . أما العنصر الأهم من عناصر الشخصیة فهو الجوهر والذي یضم
الإحساس والإدراك عند الإنسان، فإن إختل الجوهر إختلت الشخصیة وأختل التصرف معها. الخلل في
الإدراك أو في الإحساس أو في كلاهما هو عملیة معقدة الأسباب والبواعث نحن لسنا في صدد التوسع فیها،
إنما ما یهمنا هو الإستنتاج بأن خلل الإحساس أو خلل الإدراك یؤدي الى خلل في التصرف. تماما كما هو
الحال في الأمراض الجسدیة، فأن أصیب المرء بمرض عضوي تظهر معالم المرض على شكل أعراض
یشكو منها المریض كالحمى والألم والتعب وغیرها، وهكذا هو الحال حینما یعتل جوهر الشخصیة تظهر
تصرفات غیر سویة تعتبر أعراضا لمرض الشخصیة. في مقالنا هذا تحلیل موجز لتصرفات ترامب
: وتصنیفها ضمن نوع الخلل والإضطراب في الشخصیة وأوجزه بما یلي
1-جنون العظمة : وهو أن یرى الإنسان نفسه أعلى من مقامها الحقیقي فینزلق في تصرفات لا تتناسب مع
قابلیاته العقلیة والجسدیة. من تابع ویتابع تصریحات ترامب ومقالاته یتحسس مدى وهم العظمة الذي یغزو
عقلیته حیث یكرر التصریح بأنه " سیكون أكبر رئیس لخلق فرص العمل في أمریكا لم یصنع االله مثله من قبل
". كما أن إعتقاده بأن كل الذي یعمله صحیح ومن یخالفه مخطىء وغبي كان واضحا من خلال خطاباته
وتصرفاته وآخرها حینما نعت الحاكم الذي أوقف العمل بقراره، الذي یمنع دخول مواطني سبع دول ذات
أكثریة مسلمة للأراضي الأمریكیة، بالغباء وأنه مدعاة للسخریة بل شكك في قابلیاته ّ المهنیة كحاكم، هو دلیل
واضح على الثقة العمیاء بالنفس وتضخیم عظمتها. لا أعتقد أن ترامب یأخذ بنصائح حاشیته أو یستانس برأي
.! الغیر إنما یعمل بالذي یؤمن به ویعتقده دون أن یحتمل الخطأ أو یتوقع الخلل
بها فهو نرجسي المزاج، وهكذا تظهر هذه
2-النرجسیة : حینما لا یرى الإنسان الا نفسه ولا یعجب بأحد إلاّ
الصفة ّجلیة في تصرفات ترامب الیومیة. أمریكا في نظر ترامب هي الأولى وهي الأهم وهي الأعظم طالما
هو رئیسها، ومصالحها فوق كل مصلحة إذ لا یعیر أي إهتمام للأواصر والروابط الخارجیة التي تربط بلده
بالأصدقاء والحلفاء دون المادة، فالمادة أولا وآخرا وصدیق أمریكا هو من یفتح صنادیق المال لها. سیاساته
التحفظیة والشعوبیة برزت من خلال وعوده ببناء حاجز حدودي یفصل أمریكا عن المكسیك ومن خلال منع
دخول المسلمین الى أمریكا وتهدیده بالتخلي عن الدفاع عن حلفائه دون مردود مادي، كلها إمارات وعلامات
تشیر الى حب الذات والأنانیة والإعتداد بالنفس وحب الظهور والغرور والتعالي وهي إمارات لنرجسیة
.واضحة
3-السادیة وضمور المشاعر: من یقرأ تأریخ حیاة ترامب یتوقف على لمسات تدل على حالة العدوانیة في
شخصیته وأهمها إلحاقه أثناء شبابه، وبإیعاز من والدیه، في الخدمة العسكریة من أجل إمتصاص حالة
العدوانیة التي شكى وتذمر منها أهل ترامب. كما أن فشله مرتین في زواجه وإفتقاره لأصدقاء حمیمین
والتخلي عن المقربین لأبسط سبب وتبنیه لفكرة إرجاع التعذیب في السجون الأمریكیة ونعته للنساء بالفاظ
نابیة وكراهیته للمسلمین والأجانب وأصحاب البشرة السوداء تدل على طبیعة مشاعره العدوانیة وضمور
مشاعره الإنس ّ انیة. أما على الصعید الخارجي فسلوكه العدواني الإنفعالي لا یختلف، فإغلاقه للهاتف بوجه
رئیس وزراء أسترالیا وتهدیداته المستمرة لبعض الدول سواء كان على نطاق الحرب الإقتصادیة كما یفعل مع
الصین وإیران أو على نطاق الحرب العسكریة كما یفعل مع كوریا الشمالیة، كلها دلالات واضحة على
.شراسة هذا الرجل ومیوله السا ّدیة
4-الوهم في الإعتقاد والشعور بالإضطهاد : في الكثیر من الأحیان یتوهم ترامب ّ إعتقادیا بأمور لیس لها
حقیقة أو لها حقیقة لكنه یبالغ ویضخم فیها، فیعتقد بأن تدور من حوله مؤامرات وتحفر له مطبات حیث لا
یتردد بالتصریح فیها وبالتحري عنها، ومنها : التوهم بأن الـ " أف بي آي " و " سي آي أیه" تتربص له
وتحاول الإیقاع به. وأن هناك أكثر من ثلاثة ملایین صوت إنتخابي فضائي راح الى الغریم الإنتخابي إبان
عملیة التصویت في الإنتخابات زورا وبطلانا. كما یتوهم أیضا بان وسائل الإعلام تعادیه وترید النیل منه
وتوهم مؤخرا بان القضاء یعانده ویعاكس أوامره، وغیر ذلك الكثیر حتى وصل به الحد أن یطرد من حاشیته
.كل من یعارض آراءه وأفعاله متوهما بعدم الإخلاص فیه
5-التناقضیة : یظهر التناقض واضح على شخصیة ترام وتصرفاته فهو یصف حلف الناتو بالمؤسسة البالیة
ویهدد بالتنصل عنها من خلال تصریحات سابقة بینما یؤكد وقوفه خلف هذا الحلف مائة في المائة إبان زیارة
رئیسة وزراء بریطانیا " تریزا ماي" لأمریكا. كما أنه یبدي صداقته وأعتزازه ومشاریع تعاونه مع الروس
من جهة بینما یوعز لممثلته في الأمم المتحدة بالزجر والتهدید لروسیا وبالتصریح بطلبات تعجیزیة لا تستطیع
روسیا تنفیذها كثمن لرفع الحصار عنها وهو إنسحابها من شبه جزیرة القرم التي تعتبرها جزءا لا یتجزأ
منها. تتحدث إدارته عن حل الدولتین لإنهاء النزاع الفلسطیني الإسرائیلي من جهة بینما یوعد الإسرائلیین بنقل
.! السفارة الأمریكیة الى القدس المحتلة
هذه التصرفات هي أعراض غیر طبیعیة إن أجتمعت أو تفرقت فلها ّ دلالات تشخیصیة لحالات مرضیة سواء
عقلیة كانت أو نفسیة، فعلى سبیل المثال ولیس الحصر، أن جنون العظمة ووهم الإعتقاد والشعور بالإضطهاد
وضمور المشاعر والتناقضیة كلها علامات تشخی ّصیة تحصل في مرض فصام الشخصیة أو ما یسمى بـ "
السكیزوفرینیا "، وهذا ما یؤكده فریق جون كارتنر. بینما عشق الذات والإنطواء على النفس ونبذ الآخرین
علامات تشخیصیة لحالة " النرجسیة " وهذا ما یعتقده فریق ألین فرانسیس. التشخیص الدقیق لحالة ترامب
تستدعي جلسات خاصة معه من خلالها یستطیع الطبیب المختص أن یستنبط تشخیصه من خلال الحوار
وإجراء الإختبارات الموجهة للتشخیص. ومهما یكن من أمر فأن كان رئیس أمریكا معتل ّ عقلیا أو ّ نفسیا أو
إجتما ّعیا فهو في كل الأحوال لا یصلح لقیادة دولة عظمى كأمریكا إذ أن مضاعفات تصرفاته على العالم قد لا
.!تحمد عقباها وستكون صدماته الیومیة لسكان المعمورة مستمرة حتى إشعار آخر

Share |