دور المثقف في بناء الذاكرة الوطنية-علاء الخطيب – لندن
Tue, 17 May 2011 الساعة : 11:47

(المقابر الجماعية نموذجاً)
الذاكرة الوطنية إرث الأوطان والإنسان ,هي الماضي الذي لا مناص من العودة إليه, فالذاكرة المغيبة هي ذاكرة المهزومين والمبعثرين, ومن لاذاكرة له لا يمكن أن يؤسس لمستقبل رصين , فالذاكرة تترك وشمها على تاريخ الوطن بسيئها وجيدها. لذا لابد من بناء الذاكرة الوطنية, فهي عملية بناء تُثري الحياة الفكرية والسياسية للمجتمعات , فالدور الذي يلعبه تراكم الذاكرة الوطنية هو دور الديمومة والحياة وهو دور المثقف.
فالمثقف يتحمل مسؤولية كبيرة في بناء الذاكرة الوطنية من خلال العمل الإبداعي والنتاج الفكري والثقافي, من خلال حسه الإنساني العالي, فخطورة دور المثقف تكمن في إلتزامه بالحقيقة والموضوعية, فكم من مزور لذاكرة الوطن ظلل الأجيال وأحدث إنحراف في مسيرتها الحضارية , فجاء بناء الوطن معوجاً ومسيرته عرجاء.
وانا هنا حينما أحمل المثقف هذه المسؤولية, فلأنه ضمير الوطن وصوت الشعب, فكم من فنان وكاتب نذر نفسه لوطنه من خلال عمله الإبداعي الذي يستقيه من ذاكرة الوطن , فخُلد في ضمير شعبه, فالمثقف والفنان له دور من خلال رؤاه الفنية والإبداعية , فمرة يفصح اللون عن لوحة فنية كدافنشي ولوحة العشاء الأخير, وأخرى تتفجر الرؤيا البصرية لديه عن فلم سينمائي يوثق الذاكرة بنمظور جمالي, كما نشاهده في الأعمال السينمائية و الدراما التلفزيونية, وثالثة يطوع الحديد والبرونز والصخور ليكرس الماضي من خلال نصب تذكاري يحتل مكاناً في وجدان الشعوب , كما حدث للفنان العراقي جواد جميل ونصب الحرية.وهكذا بقية المجالات الإبداعية.
فذاكرة العراق اليوم مليئة بالاحداث والوقائع , لكنها نُسيت أو كادت تُنسى , فجريمة بمستوى جريمة المقابر الجماعية, لابد للمثقف أن يكون له دور في أرشفتها وتوثيقها , هذا الجريمة التي راح ضحيتها آلآف الأبرياء من أبناء العراق , لا يمكن أن تمر دون أن تحرك الحس الإنساني لدى المبدعين العراقيين. فما زالت المناهج المدرسية الأوربية تدرس الطلاب المجازر التي أرتكبها هتلر بحق الشعوب الأوبية , ولم تزل هوليود تبني الذاكرة الوطنية الأمريكية من مجموعة الأفلام التي تظهر الأمريكي الرجل السوبر مان الذي لا يقهر, وتمكنت من أن تصدر هذه الصورة للعالم أجمع.
وها هي الثورة المصرية لم تضع أوزارها بعد حتى بادر المبدعون المصريون بتكريس احداثها سينمائياً ومسرحياً وتشكيلياً (فحكاية ميدان) هو عمل مسرحي يؤرشف تضحيات المصريين في ميدان التحرير, ليبقى هذا العمل شاهد على حقبة زمنية مرت بها مصر,و ستظل الأجيال تتذكرها , كلما مر حاكم يريد التوريث والاستبداد في بلدهم , ويوم غضب عمل سينمائي يضارع الأول في بناء الذاكرة المصرية.
وهذه أسبانيا انتجت قبل سنتين فلم ( أسطورة غرناطة) تتحدث فيه عن طرد الموريسكين من قبل العرب في غرناطة , وبعد مضي قرون على الحدث في الأندلس ما زالت الذاكرة الوطنية الأسبانية نشطة وحية تريد أن تقدم لأجيالها درساً بحب الوطن,
ولكن السؤال المطروح أين هو المثقف العراقي من بناء الذاكرة الوطنية وأين هو الفنان العراقي من بناء هذه الذاكرة , ألا تستحق جريمة المقابر الجماعية ان تاخذ حيزاً من إبداع المبدعين العراقيين؟ جريمة أرتقت الى مستوى التطهير العرقي وخلفت ورائها ملايين القصص والحكايات وآلاف اليتامى والأرامل , لم نشاهدها تفجر الإبداع العراقي ليتحول الى عمل درامي أو لوحة تشكيلية أو نصب تذكاري أو تدخل ضمن المنهاج الدراسي لأبنائنا. فما هو السبب ياترى؟ سؤال اقدمه لكل مبدع عراقي .
لم تحصل هذه الجريمة إلا على يوم وطني واحد من أيام العراق وهو السادس عشر من مايس وهو اليوم الوطني للمقابر الجماعية , الذي أستذكره ذوي الشهداء دون يستذكره العراق, فلم يكن في وسائل الإعلام إلا ذكرٌ خجول لهذا الحدث الوطني, فلعل البعض منا يريد تغييب ذاكرتنا الوطنية , ليجعلنا مهزومين ومبعثرين.
14-05-2011