مقتطفات مما يتبناه تيار الشهيد عز الدين سليم-الحلقة الثالثة-مرتضى أحمد العبودي

Sat, 22 Oct 2011 الساعة : 23:53

الهوية العراقية:
لقد عرّف العراق في التاريخ على أنه يشكل أقدم منظومة حضارية عرفها الإنسان فتكفلت العقول العراقية بتنظيم اللوائح والقوانين ذات الصلة بحياة الناس والحافظة للتوازن مع الطبيعة فكانت في العراق أولى الشرائع كذلك عرّف العراق في مجال التاريخ الديني على إنه الموطن الأول لحركات التوحيد وهذا ما تثبته برهاناً كتب السماء في التوراة والإنجيل والقرآن وعرّف العراق في التاريخ المعرفي على إن مواطنه لا يكل من البحث في أسرار الوجود ولا عن طرح الأسئلة في مجالات الحياة والموت والسعادة الإنسانية.
من موجز ما عرّف فيه العراق يتفاجأ المتابع لحركة التاريخ بعمق وجسامة الخراب الذي لحق بوطن الكتابة الأولى بعد السقوط الأخير لدولتي بابل وآشور ، فبعد إن كان مصدراً للإشعاع المعرفي تحول الى سوق لما صدّر للآخرين بعد أن تم إلباسه وجهات عسكرية ودينية وسياسية ، فتعامل العراقيون مع الديانات السماوية بروح إنسانية وهكذا كان تقبّل المسيحية رسالة حق وسلام ثم تقبّلت الغالبية العراقية الإسلام كدين حق يتساوى فيه الناس أمام الله ويرفضون الظلم أيّاً كان مصدره ، وهكذا إعتمد العراقيون تنوعهم القديم في إعتناقاتهم الحديثة.
إن تيار الشهيد عز الدين سليم يؤمن بالهوية العراقية وبأن الإنتماء للعراق إنتماء أصيل لا يعلوه أي إنتماء آخر ، ويسعى الى رفع جميع ضغوط الهويات الأخرى عن الهوية العراقية التي عانت من الطمر الذي سبب إلتباسات في الإنتماء الوطني الذي أضرت به الهويات المذهبية والطائفية والقومية ، ومن شأن إبراز الهوية العراقية رسم صورة إستراتيجية واضحة للنهوض الوطني الإنساني والذي سيساهم برفد الإنسانية بطاقات شعبنا الخلاقة.

التفاعل البناء بين أفراد المجتمع:

كي تكون هناك دولة رصينة يجب أن يكون هناك تعاقب حكومات قوية على إدارتها تكون قادرة على توفير أولويات إحتياجات الشعب من الغذاء والمسكن والصحة الى الماء والطاقة (الكهرباء ، الوقود) والأمن ، وهذا ما لا يتحقق عراقياً إلا بالتفاعل الخلاق بين أفراد المجتمع وإنهاء التمايز بين المكونات العراقية ، وهذا التحقيق مشروط بـ ((نزع تجربة الماضي من حياة العراقيين كافة)) وتحمل ((ذوي الخبرة وأصحاب الرأي وقادة الفكر الى تأسيس حكومة الإنسان)) وهذا مشروط أيضاً بتحقيق الثقة لدى المكونات والأفراد ، والثقة لا تأتي إلا من بيان صدق القيم التي يتصف بها القيمون على إنجاز هذا المشروع ، وهذا البيان يتجسد في المؤمنين في تغيير الراهن من حياة العراقيين السياسية والإجتماعية الى حياة يسودها الصدق في التعامل مع الآخر وتغليب المصلحة العامة وهجر الفساد ، فإن إنتشر هذا الصدق وشاع في الغالبية تأسست دولة الإنسان الرصينة.
هذا التفاعل البناء سيخلق الدولة القوية ، وهذا الصدق في التعامل هو الدافع الأول لعطاء المواطن وبذل الهمم لتحقيق الأفضل وبه يعم الرخاء وتتحقق الرفاهية ويتحقق الأمن ، أما بعكسه ستكون هناك دولة ضعيفة مهددة بالتقسيم العرقي والطائفي والحروب الأهلية ، دولة يسود مؤسساتها الحكومية الفساد الإداري والمالي ، وتشيع فيها البدع وشراء الضمائر ، والقتل على الهوية ، والإغتيالات والنصب والسرقة وإنتشار العصابات الخ... من صور الحاضر في حياتنا العراقية.

الفوضى الخلاقة:

إن الراهن العراقي يمكن قراءته من خلال الفوضى التي إعتمدها الأمريكيون حين أشرفوا على الإدارة وقاموا بتوزيع الفاعليات على المراكز بالتحاصص الذي أنعش الفوضى وهمش الطاقات الحيوية فقد جاء التحاصص بالعرقية والطائفية والمذهبية وأبعاد الكفاءات فتم تعطيل الطاقة الثقافية وتهميشها فصار الوضع العراقي الجديد كأنه تقسيم لممتلكات الدكتاتور وصلاحياته على أمراء الطوائف فرفعت أقنعة الفساد وتحول بلد الكتابة ورائد القوانين الى سوق هرج للصوص والقتلة ومبدعي الفتن المذهبية والعرقية وكشفت هذه الفوضى عن غياب الخطابين الثقافي والسياسي وفضحت عجز القوى التقليدية عن تحديث لغتها السياسية وقيادة عملية التغيير بشفافية ووضوح حضاري تشرك كل الطاقات التي يهمها بناء العراق الجديد.

والفوضى الخلاقة نظرية أعدها المتطرفون بولائم لإسرائيل وتأصيلها في أدبيات الماسونية القديمة والتي أعدت لتدمير البلدان وتقسيمها (إذ لم يكن ممكناً فعلى الأقل إضعافها كما هو الحال في لبنان) وكجزء مهم في حربها على الإسلام عن طريق تشويهه أمام الرأي العام العالمي من خلال خلق جماعات إرهابية تتبنى الإسلام في مهمات إجرامية وحشية تخلق إنطباعاً سيئاً ، وتعاطفاً لدى شعوب العالم لشن حملات عسكرية على البلدان المسلمة (غطاء دعم وإن كان غير شرعياً) للسيطرة عليها وإضعافها وتقطيع أوصالها. فهل هناك شاهد أصدق على جريمة قتل الشهيد عز الدين سليم وثلة من المؤمنين معه عندما أراد جمع شمل الفاعلين في الشأن العراقي في مشروع تأسيس دولة الإنسان وإنهاء الظلم؟

تيار الشهيد عز الدين سليم وضرورة التأسيس:

من واقع الخسارة التي مني بها الوطن والمواطن بدأ جمع من المثقفين في الداخل والخارج بمعاينة الواقع العراقي ومحاولة التأثير فيه فكان تيار الشهيد عز الدين سليم ذو الجذور السياسية الإسلامية الذي رصن بالحداثة وبالإنتماء للعراق ، حيث غرف هذا الجمع من نهر التاريخ العراقي وتحصن بتقاليد الشعب الأصيلة وتسلح بالعلم السياسي الذي يعاين المفاصل الرخوة في التاريخ ويقرأ الوقائع بعين المواطن وذاكرة الوطن وقد رسم هذا الجمع وسائل البدأ بالعمل السياسي والثقافي إنطلاقاً من الوقائع العراقية والتي كشفت حاجة الشعب العراقي الى تيار سياسي ثقافي يجمع شمل الطاقات الحيوية ويوظفها في المجالات الفاعلة في تاريخ عراقنا الراهن واضعاً المبادىء التي يستند إليها في بناء دولة عصرية تديرها حكومة إنسانية منتخبة تعلن هويتها العراقية صاحبة التاريخ الحضاري العريق.

[email protected]

Share |