الصراع على الخلافة الإسلامية(7) نتائج مؤامرة الاغتيال-الاء حامد
Thu, 20 Oct 2011 الساعة : 12:56

الخلافة . تعد أهم منصب بالدولة الإسلامية في ذلك الحين, وتجمع به كافة السلطات التشريعية والتنفيذية المطلقة ويكون الخليفة هو المشرع والمنفذ المطلق لكافة القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وهذا المنصب الرفيع يتمناه ويطمح إليه كل صحابي مارس السياسة في العهد الإسلامي الأول .فمن الطبيعي ان تبرز للساحة السياسية الإسلامية هكذا صراعات قبلية او فئوية وحتى شخصية عليه , وجملة من محصلة هذه الصراعات هي ظاهرة اغتيال الخلفاء وانشقاق الأمة الإسلامية إلى فرق وملل وجماعات ومذاهب متعددة.
بما ان موضوع الخلافة يعد موضوعا سياسيا بالمقام الأول فليس هنالك مبرر وداعي لاستمرار تلك الصراعات لحد الان على منصب انتهى زمانه وانتفت الحاجة إليه ولم يعد له اثر بالوجود, الخلفاء والصحابة هم بشر مثلنا قد يستأثرون بالسلطة ويتأثرون بها ويغريهم المال والنفوذ ويدفعهم ذلك لارتكاب أفعال بعيدة عن العرف الإسلامي بغية المحافظة على المكتسبات السياسية التي نالوها.
من الإبعاد السياسية والمذهبية لاستمرار هذا الصراع لحد ألان هو من دواعي المحافظة على الرصيد الجماهيري الذي اكتسبه كل مذهب على حساب مذهب أخر دون النظر بمصلحة الأمة الواحدة.وان كانت الكلفة الابتعاد عن السنة النبوية المحمدية والإتيان بنصوص تخدم هذه الطائفة وذلك المذهب وقد نسب بعضها لهذا الخليفة او ذاك لتعميق شرخ الخلاف بين نسيج الأمة الواحدة.
في الجزء السابق وضعنا أكثر من علامة استفهام حول قصة اغتيال الخليفة الثاني وتحدثنا عن مؤامرة أحبكت خيوطها بشكل متقن في البيت القرشي ,وما ذلك الفارسي إلا أداتها المنفذة, فضلا على أنها نسجت بإتقان مشابه لشخصية البديل المفترض بما يتوافق مع الحوافز المحركة لهذه الفئة التي تعطلت مصالحها في ذلك العهد.والا كيف نربط بين ظهور هيئة الصحابيين الستة أو ما يعرف بمجلس الشورى وبين اغتيال عمر بهذه الصورة الفجائية. وقد وضعنا جملة من الأسئلة بهذا الشأن دون ان نجب عليها وكان أبرزها كيف شكل هذا المجلس مع ان جميع أعضائه الستة غير منسجمين بتوجهاتهم الفكرية وكان كلا منهم يحمل تطلعاته السياسية الخاصة بمعزل عن الآخرين.؟ فما المصلحة التي جمعتهم حول قاسم مشترك واحد يحول ضد وصول علي الى الخلافة مع إن علي بشخصه وذاته يمثل دائما الاتجاه الصلب في الإسلام.لذلك لم يكن إبعاده للمرة الثالثة بسبب انتمائه الهاشمي فقط وإنما بسبب أفكاره المتشددة والتزامه المطلق بالاتجاه الإسلامي وهذا منطقيا لا يصبو في مصلحة الفئة التي تضررت مصالحها في عهد عمر وتحاول تعويضها بعهد الخليفة الجديد.
ابعد علي واختير عثمان والرواية معروفة لجميع العوام ويداولها اغلب المؤرخين بكتبهم ومؤلفاتهم ولكن ما نبحث عنه ألان بهذا الجزء تحديدا هو ما أغفلته تلك الروايات بذلك المنعطف الرهيب الذي آلت إليه أوضاع المجموعة التي أسهمت كواجهة على الأقل في صنع ذلك الحدث الخطير.نجد أنها كوفئت بأجمعها بعد إن وصلت إلى الحد البالغ من الثراء خلال سنوات قليلة فقط من عهد الخليفة الجديد .فالزبير بن العوام مثلا كان أول المهاجرين إلى العراق بعد إبطال قرار الخليفة السابق فإذا به يمتلك ثورة ضخمة ومزارع في السواد وبيوتا في الكوفة(1) وكذلك طلحة بن عبيد الله الأكثر خطوة في ذلك العهد فقد قيل ان أخر ما ناله كان مبلغ خمسين الفا جعله عثمان معونة له بالإضافة الى إقطاعه أراض بالسواد (2) وكذلك عبد الرحمن بن عوف ( عراب البيعة العثمانية ) الذي كان الأوسع ثراء وأخيرا سعد بن ابي وقاص الذي عزل من منصبه بعد القادسية (3) عدا عن الحياة الترف والليونة التي عاشها هولاء وفي مقدمتهم عثمان المختلفة عن حياة البساطة والعفوية التي اتسمت بها الدولة حتى ذلك الحين.
لهذا نعتقد ان هذه النخبة التي وضعت في يدها تقرير مسالة الخلافة قد انزلقت بعد ارتقاء عثمان السلطة في شرك الثراء غير العادي ان لم نقل غير المشروع فكيف بالجماعات الأخرى المغمورة ؟
وإذا تجاوزنا هولاء الكبار إلى أعوان الخليفة أو مساعديه الذين شكلوا جهاز الحكم في عهده سنجد إن غالبيتهم المطلقة تمت بالقرابة إليه بشكل او بأخر على نحو نقض تماما سياسة الخليفة السابق الذي تعمد استبعاد عشيرته (عدي) عن مراكز النفوذ . فأذن هي عودة إلى مرحلة ما قبل الدولة حتى أصبحت ملكية المال هي المحور والهدف لكبار الساسة والقيادات القبلية البارزة .وهذه النتائج هي التي برزت فور اعتلاء عثمان لسدة الحكم حملت معها انتصارا مقنعا للاتجاه القرشي الذي ما لبث ان تسلل من خلال رؤوسه البارزة إلى مراكز النفوذ في السلطة بصورة متقنة وذكية مما برهن صحة كلامنا حول مؤامرة الاغتيال التي تعرض لها الخليفة الثاني والتي تطرقنا اليها بشكل مفصل في الجزء السابق.
للحديث بقية في الجزء الثامن قريبا .. نلقاكم على خير..
الإحالات والمصادر
1-المسعودي مروج ج2ص332
2-الطبري ج5 ص139
3- ابن سعد الطبقات ج3ص287