أفيقوا يا حكام وزعماء واتركوا النفاق والرياء!-د. الفائزي
Wed, 19 Oct 2011 الساعة : 10:14

ما أروع قصص التاريخ و هي تحدثنا عن بساطة وحكمة و عظمة و سيرة الأنبياء والأولياء والصالحين الذين نزههم الله عن كل نفاق و دجل و رياء وملكوا القلوب الشعوب و القلوب معا و أعطوا السنن و الدروس لن تنسى و لن تغيب عن الأذهان و العقول حتى مع مرور الأزمان والالفيات و القرون. هؤلاء الكبار ببساطهم و العظماء بزهدهم والشرفاء بنبلهم لم يذكر لنا التاريخ ان اي منهم انفق الأموال الطائلة او فرش الموائد الملونة وتوزيع الأطعمة الدسمة لاقامة احتفالات لهم او لاستقبالهم بورود النفاق ورياحين الرياء بالرغم من ان عظمتهم و مكانتهم كانت اعظم و اكبر بكثير من قدرة و سلطة كافة ملوك وسلاطين التاريخ.
فالرسول محمد (ص) و خلال هجرته التاريخية المعروفة من مكة الى المدينة استقبله عشرات و ربما المئات من المهاجرين و الأنصار بسعف النخيل و أزهار الصحراء الباهتة خلافا لما نشهده اليوم من استقبالات باهرة و نفقات شاهرة للحكام و الزعماء من الذبائح و البذخ و توزيع الأموال والهدايا و العطايا على الرجال و الشباب و الصبايا!، وقسما بالله ان كل هذا البذخ و الإسراف لا يساوي عندنا قيمة سعفة جافة من السعف الذي استقبل بها الرسول الأعظم خلال هجرته للمدينة، وقسما بالله انه لو اجتمع شعراء الغرب والشرق و شعراء البلاط و النفاق لما استطاعوا و لن يستطيعوا غزل شعر كالذي انشد لاستقبال الرسول محمد (ص) وهو الشعر الذي لا ينسى: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ..
و يحدثنا التاريخ خلاف الحاضر عن بساطة و زهد و نبل كافة الأولياء والصالحين و ليس منهم من كان يتباهى بإنزال أنصاره الى الشوارع و الأزقة والميادين بالرغم من ان عدد أنصارهم في تلك الفترة كانوا بمئات آلاف و ربما بالملايين و لكن اليوم نرى ان بعض الحكام و الزعماء يتباهون و يتفاخرون ان لديهم أنصارهم من القوات المسلحة و العسكرية و الأمن و المنتفعين من الحكومات وموظفي الدولة وغيرهم من الذين سنأتي على ذكرهم بالتفصيل وهؤلاء يستقبلونهم استقبال الأبطال الفاتحين مع اي زيارة عادية و يطبلون لهم ليلا و نهارا و سرا وجهارا دون ملل او كلل لمجرد السفر من مدينة لأخرى!.
فمثلا النظام الحاكم في سوريا و قبل أيام و ردا على الانتفاضات المليونية الشعبية التي تشهدها معظم المدن السورية اعتراضا على عمليات القتل العشوائي والجماعي التي تقوم به القوات المسلحة (الشبيحه) والصور التي نشهدها في سوريا اليوم و لم نشهدها في أمريكا و لا في إسرائيل، انزل هذا النظام حسب قول إعلامه ملايين المؤيدين له و أنصاره في العاصمة دمشق!. يا ترى أين الفخر والتأييد في مثل هذه المسيرات الحكومية؟ وهل ان تعطيل الوزارات و إغلاق الدوائر الحكومية و المراكز العسكرية و إجبار عناصر النظام و أسرهم التجمهر في ساحة واحدة هو من معجزات القرن الحالي و تأييدا مؤزرا للنظام، كما زعمت الأبواق الإعلامية التافهة والرخيصة ؟ و هل يعقل من الناحية الشرعية و القانونية والإنسانية ان نصف أنصار النظام من قوات الأمن و العسكر و الشبيحه و موظفي الحكومة والمنتفعين ماديا من الذين يساقون بالقوة و بالتطميع هم و أسرهم الى مثل هذه المسيرات انهم يمثلون أبناء البلد الشرفاء و يمثلون كافة قطاعات الشعب ؟ و يا ترى أين المفخرة و الشجاعة والمروءة في مسيرات كهذه تنظم من قبل الحكومة و تحدد ساعتها و مكانها و يدفع للمشاركين فيها المزايا و الأموال و الاغراءات الى جانب التهديد بالقمع والطرد من الوظائف الحكومية للذين لا يشاركون فيها و كتابة التقارير الأمنية ضدهم ، مثل هذه المسيرات تجرى بالتأكيد بدعم أمنى شامل و تحت إشراف قوى الامن و القوات المسلحة وتحليق الطائرات والسمتيات و كل المشاركين فيها يحملون لافتات نفس النوع و اللون و يطلقون شعارات أملاها عليهم النظام و يدقون الطبول و الدفوف و يرقصون و يصفقون فيها كالقرود للحكام و الزعماء كأنهم في سيرك عظيم وحديقة حيوان واسعة و كل ذلك يجري تحت عنوان العرس الكبير و التأييد الحاشد للرئيس و الزعيم!، في حين ان المعارضين وبالرغم من إدراكهم لخطورة الموت و إطلاق الرصاص عليهم او بالأحرى قصفهم بالدبابات والمدافع و الطائرات كما فعل القذافي و صالح و الأسد و غيرهم مع شعوبهم الأبرياء و العزل، ينزلون الى الشوارع في الليل و النهار و يفتحون صدورهم للرصاص و يفترشون الطرقات بأجسادهم لمنع الدبابات الحكومية من التوغل داخل المدن وهي مشاهد و أفلام في الحقيقة لم نشهد مثلها سابقا ولم تقم بها حتى اعنف و أشرس العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة طيلة العقود الماضية.
و في دولة أخرى نرى حضور عشرات آلاف من القوات المسلحة و القوات الشعبية وعناصر الأمن و الحرس الجمهوري و قوات الأمن الوطني الخاص و أسرهم الذين ان عددتهم في مدينة واحدة يصلون الى المليون او اكثر، ثم يعلن إعلام تلك الدولة من ان الملايين استقبلت الحاكم او المسئول استقبالا منقطع النظير وصفق الجميع له و طأطئوا رؤوسهم للبقاء في الوظيفة و ركعوا و سجدوا له دون الله للحصول على المزايا و الهدايا ووجبات الطعام الدسم كل يوم!
يا ترى اين الفخر و التباهي الإعلامي في مثل هذه الاستقبالات التي تجرى بكل حرية و بدعوة من الحكومات و تحت إشراف مبذري أموال الدولة والشعب حتى و ان انزل هذا النظام الملايين من قواته العسكرية وموظفي الدولة و قوات الأمن و الشرطة و الجنود و غيرهم الى الشوارع لا يساوي عندنا واحد بالمليون من استقبال أهل المدينة للنبي الأكرم او استقبال أنصار واتباع الأئمة في مناطق كان يحكمها الفساق و الفجار من الذين كانوا يقتلون الأنصار والاتباع لمجرد الظن و الشك بهم انهم من شيعة الأئمة والصالحين.
نعم يجب ان يكون الاستقبال الواقعي تحت ظروف طارئة او فترات حرجة او ان يكون خارج نطاق النفاق والرياء و في مناطق و دول غير خاضعة للتزوير و قلب الحقائق او في الزمن الذي تكشف فيه عن حقيقة الكثير من الحكام و المسئولين و أخص بالقول هنا مثلا القذافي الذي كان أنصاره ومريدوه بالملايين وكانوا يصطفون بمئات آلاف ليلعقوا حذاء القائد و يقبلوا يداه في كل مناسبة و من غير مناسبة و لكن اليوم لا نصير و لا مريد له الا النزر القليل من المنتفعين الذين يرون بموت القذافي موتهم الأكيد و ضياع مصالحهم الفئوية و الشخصية.
و كذلك كانت لزين العابدين بن علي شعبية وهمية كبرى في تونس وهو اليوم لاجئ غير مرغوب به في السعودية ومطلوب للعدالة القضائية في تونس، وكذلك الحال اليوم للأسد الابن في سوريا و بن صالح في اليمن و مبارك في مصر و الحبل على الجرار و مصير معظم مثل هؤلاء الحكام واحد و مشترك و لا تغيير و لا تبديل لسنّة الله مهما نافق الحكام لاطالة حكمهم البائد و لو شهور او بضع سنين.
وقبل ذلك كان الملايين من العراقيين ومنهم الكثير في الحكومة الحالية يقفون في طوابير طويلة لاستقبال ورؤية صدام حسين ونيل رضائه والانتظار شهورا لملاقاته لدقائق معدودة فقط ( و نخص هنا كافة الذين كانوا عندما يدخلون للقاء صدام يقبلون يده و يضعون يدهم في حزامه و يقولون جملتهم المعروفة عنهم: أيدي بزنارك يا رئيس! اي نطلب الأمن و الرحمة منك يا قائد!) و لكن القدر اخرج صدام من جحره و علق جسده على المشنقة و تحول الملايين الذين كانوا في يوم معه او يخشون من بطشه في السابق الى جبهة عريضة ضده و نعرف الكثيرين من الذين كانوا يألهوه بالنثر و الشعر واصبحوا اليوم يحتقروه و يدوسوا صوره وماضيه وماضيهم بالحذاء و النعال!
خلاصة وجوهر الكلام ان الكثرة و تجميع المؤيدين و أنصار و منتسبي و منتفعي اي نظام لا يعني بتاتا ان الحق الى جانب هذا النظام و ان الحاكم على صواب و الآخرين على خطأ لان الأقلية معهم، وخير دليل على ذلك ان الرسول الأعظم و كافة الأنبياء الصالحين كانوا محاطين بقلة معدودة جدا من المخلصين و ان خصوم الإمام الحسين(ع) اشتروا ذمم و دين و سيوف مئات الآلاف و ربما الملايين بوعود و مزايا دنيوية و مادية زائلة و نزل هؤلاء حتى لساحة الوغى كما نزلوا من إنسانيتهم و تخلوا عن أخرتهم لمواجهة 72 شخصا فقط من أنصار الإمام الحسين، فهل يمكن لاحد له ذرة من الضمير ان يدعي ان الحق كان مع الأكثرية الباغية و ان الإمام كان على باطل لان لم يكن معه سوى عشرات من أنصاره فقط؟
مثال اخر نطرحه في الوقت الراهن و هو ان الكثير من الفنانين و المطربين والممثلين العالميين والإقليميين عندما يسافرون من مدينة او دولة الى دولة أخرى يخرج الملايين من التافهين مثلهم لاستقبالهم و البعض ينتحر لعدم لرؤيته للفنان او المطرب الذي يعشقه، فهل يمكننا ان نقول ان الحق الى جانب هؤلاء و انهم أصحاب شعبية عظيمة ومكانة جماهيرية عليا في المجتمع؟ بالطبع كلا، لان التباهي بأكثرية واهية و جماعات منحطة و أنصار وهميين لا يعطي النزاهة والحق و الصواب والتأييد للحاكم الفلاني او الفنان الفلتاني بتاتا.
و عليه نقول ان نزول 100 معارض على حق الى الشارع و إطلاق شعارات سياسية سلمية حتى و ان كانت تدعو الى الإطاحة بالرئيس، وهذا حق شرعي و قانوني للجميع، افضل و اكثر شرعية من إنزال اي نظام الملايين من أنصاره الى الشوارع في المناسبات او حملات التأييد للحاكم لان هؤلاء الأنصار الوهميين هم من عناصر الأمن و القوات الجوية و البرية و البحرية والحرس الجمهوري و الجماعات المدفوعة الثمن مسبقا اي تلك الجماعات التي تدفع لها الحكومات الأموال و المزايا للنزول الى الشوارع لتأييد و إطلاق الشعارات ثم تدعى أجهزة الإعلام الرسمية ان هؤلاء يمثلون الشعب!، و كل من لا يصدق هذه الحقيقة التاريخية و الأبدية فليقرأ التاريخ بإمعان و لينظر الى أسلافه و ونظرائه من حكام المنطقة من الذين كانوا بالأمس في قصور مشيدة و اليوم هم في مزبلة متعفنة و من الذين كانوا قبل أسابيع محاطين بالملايين من أنصارهم و اليوم لا نصير لهم الا المرتزقة والمنتفعين ماديا .
كلمة أخيرة تغص في قلوبنا ونوّد طرحها في إطار احترام الرأي و الرأي الآخر وهي: ندعو كافة الحكام و الزعماء و المسئولين من الذين يزعم إعلامهم الرسمي انهم مؤيدون 99 فاصلة 99 بالمئة من شعوبهم السماح للمعارضين او بالأحرى للجماهير النزول الى الشوارع في يوم يحدده الحكام و يدعون هؤلاء الناس للتظاهر بكل حرية و بشكل حضاري و سلمي و إطلاق الشعارات باللسان فقط ضد الحكام و المسئولين دون اعتقالات لاحقة ودون تواجد القوات المسلحة و قوات مكافحة الشغب (قوات قمع الشعب!) و دون ملاحقات أمنية و دون تصوير المتجمهرين بمئات الكاميرات الخفية ، او السماح للمعارضة بامتلاك ساعة واحدة فقط للتلفزيون الحكومي لتقول رأيها بكل حرية و دون قيود و شروط و لنرى مدى شعبية هؤلاء الحكام الواقعية بين الناس، و قسما بالله اذا وافق اي من الحكام والزعماء على هذا الاقتراح فسوف الصق فمي بلاصق قوي و لن اكلم أحدا لفترة أسبوع و سوف اكسر قلمي و أطيع ذلك الحاكم طاعة عمياء طيلة عمري، و لكن خلاف ذلك فان هؤلاء الحكام و المسئولين سوف يثبتون مرة أخرى ان ليس لهم اي قاعدة شعبية بين الناس و ان أنصارهم المزعومين هم فقط حفنة من عناصر الأمن و القوات المسلحة وقوى القمع و المنتفعين ماديا من النظام و هؤلاء جميعا لا قيمة شرعية و لا قانونية و لا شعبية لهم في اي من الشرائع السماوية و لا القوانين الإنسانية و ان سلطتهم و قدرتهم و مكانتهم أوهن و أتفه من بيوت العنكبوت.
** صحفي و إعلامي / السويد
[email protected]