مونودراما (حُلُمْ بُندقية )/تأليف : علي عدنان عبد الصاحب

Wed, 31 Aug 2016 الساعة : 9:02

     ((يظهر في وسط صالة منزل معتمة جزئيا رجل في الثلاثين من عمره بوجه وملابس عسكرية متربة ولحية كثة يجلس على عربة للمعوقين ماسكا قطعة قماش بيضاء طولها 200سم ينظر إليها خازرا ثم يقوم بحضنها متلذذا، يتدلى من سقف الصالة العشرات من البنادق تملأ المكان ))

- منذْ كنتُ طفلاً .. كانتْ ُمتعتي الوحيدة شراءُ بندقية .. كنتُ اشتريها من الدكانِ المجاورِ لمنزلِنا احملُها على كتفي كجنديٍّ باسل فخورٌ بشجاعتهِ .. قادمٌ من أضخمِ معركةٍ حاملاً معي انتصارٌ كبير .. وأنا امشي وكُلّي همةٌ ونشاط ( يس يم .. يس يم .. يس يم ) ..  حتى إني ظللتُ الطريقَ إلى منزلي .. واصلتُ المسيرَ .. إلى الأمام ... إلى الأمام .. متباهياً أمامَ كلِّ أطفالِ المنطقةِ المهووسينَ بلعبٍ أُخرى أراها غريبةً على جنديٍّ فُطِمَ من صورِ المعركة  .. ولكنّهم ينظرونَ إليَّ وكأنني  زفةُ عريسٍ  وعروسة!! بعدَ تَيقُني إني ظللتُ المسيرَ إلى المنزل .. نعم جُنديٌ همهُ الوحيد المعركة والدفاعُ عن وطنٍ .. معركةَ شَغلتْ كلَّ عقله فكانتْ معشوقتهِ التي لا يريدُ فراقُها أبداً .. جنديٌ مكثَ طويلاً في الجبهة فكيفَ يتذكرُ لونَ بابَ منزلهِ الأبيضِ وعيناهُ متشبعتانِ بلونِ دماءَ الأعداءِ اللذينَ تَساقطوا مرتجفينَ من بندقيتهِ المخيفةُ كالمطر.. غيّرتُ مسيرَ طريقي مستدركاً إلى بابِ منزلِي  الذي صارَ خلفِي هاتفاً ( إلى الوراء در .. عادة سر) .. وفي كلِّ خطوة التفاتةُ أعينِ المارةِ اليّ كانها تريدُ التهامِي .. لا أعرفُ لعلَّهم لمْ يشاهدُوا جندياً شجاعاً باسلاً في حياتِهم .. نعم  أنَّهم مبتهجينَ في مشاهدةِ ذلكَ الجنديُّ الّذي قط
 ّعَ أجسادَ الوحوشِ والعمالقةِ آكلينَ البشر  .. فالمقاهيَ والأسواقُ مكتظّة ٌبحكاياتِ مَلاحمِي البطولية .. فبُندقيتِي ليستْ كمثلِ البنادق التي يحملُها الجنودُ .. وأنا أواصلُ المسيرَ غيرَ مهتمٍ بكلِّ الأعيُن والألُسن التي تودُ التهامِي كموزة.. فالنساءُ تَجمّعنَ مهلهلاتٍ (هذا سبع السباع .. حماي الحمه .. ابو الغيره الشهم ..قرة عين امه بيه .. هنيالهه مخلفه زلمه .. ) أمّا الشبابُ وَثبوا يجسّونَ بندقيتِي  ... مَلابسِي.. والدهشة تملأ محياهم .. يغبطونَنَي تارةً .. ويلتقطونَ الصورَ التذكاريةَ مَعيْ تارةً أُخرى..
(ممكن أيها المغوار صورة لنعلقها في غرفنا ودكاكين المدينة ) .. أحدهم شاعرٌ مشهور  صارَ يرتجلُ الشعرَ بمدحي .. والآخر مهوالٌ هَرِم صارَ يستذكرُ ماضيه  الحالم وهو ينظرُ إليّ بنظرةِ المنقذ الذي أنهى عمرهُ في انتظارَه ... حتّى الأطفالِ قامُوا بترديدِ أناشيدَهم باِسمي .. فكيفَ لا وصُورتِي  أنا وبندقيتِي متصدرةً في أولِ الصحفِ والمجلاتِ وحتى المناهجَ الدراسيةِ في كتبِ التاريخِ والوطنية ... فمَلاحمِي قد شغلتْ كلَّ المحطاتِ الإذاعية والفضائية .. فسرعانَ مادخلتُ إلى منزلي نظرتُ إلى وجهِي في المرآة متوهجاً ومن ثمّ صرخةً يائسةً من والدتِي الحزينة دائماً
 رصاصةٌ  قدْ أيقظتني من حلمِي الجميل ... ( ها رجعت ... كافي ماشبعت من البنادق .. كل يوميه تشتريلك بندقيه .. اشتريلك  شي بيه فائده ... نستله علج .. لفه ) ولكنّنِي في حينِها كنتُ غيرَ مبالياً بما سمعتَ .. فما زالَ دماغِي هائماَ بمخيلتِي الحالمة .. متشبثاً بشخصيةِ ذلكَ الفارسَ الهُمام .. (حكها!) ترملتْ والدتِي وهيَ حاملاَ  بيَ  في شهرِها الثامنِ بعدما جاؤوا بجثةِ والدِي سابحاً بدمهِ الطاهرَ من ارضِ المعركة .. رحلَ عنَها تاركاً امرأةً شابةً كالقمرِ في الأشهرِ الأولى من زواجِها .. انصهرتْ والدتِي ألماً ووجعاً فراحتْ تلكمُ ببطنِها قهراً .. كلُّ لكمةٍ عتبٌ ولومٌ
 .. لمستقبلِ جنينٍ قادماً بلا أبٍ .. أبٌ سرقتهُ الحربُ فبدلَ أن يأتي بجهازِ مولودهِ القادمِ .. جاءَ في تابوت ٍكُتِبَ عليهِ وَقفْ !! ، تابوت ٌموشحٌ بهذا القماشِ الذي بينَ يديَ .. قماشٌ احتفظتْ بهِ والدتِي المنكوبةُ ولسانُ حالِها تقولُ (هذا ماجاءَ  بهِ  والدكَ إليكَ) .. لا أخفيكُمُ سِراً .. فقدْ كانَ قِمَاطِي وأنا طفلٌ رضيعٌ .. وشيءٌ من رائحةِ والدِي .. استنشقُ عبيرُها إلى الآن ..
( صوت أطلاقات نار كثيف .. يتحرك بعربته إلى حافة يمين ويسار  المسرح  القريبة إلى الجمهور مشدود الانتباه .. )
-       إيهْ.. جاؤوا بشهيدٍ آخرْ ... !!!
ليستْ سِوى أطلاقاتٍ ناريةٍ فحسبْ ! .. لاْ .. فمعَ كلِّ أطلاقةٍ وجعٌ .. وجعٌ يلتهبُ مِنْ قَدمَي الراقدتينِ في سباتِ المستحيلْ . . قَدمَايَ تتعرقُ خَجَلاً .. وأسفاً .. اعرفُ أنها ليستْ قَدمَيَ فقطْ .. بلْ كلُّ الراقدينَ في منازلِهم حذرَ الموتِ .. حذرَ انْ لا يتركُوا أبناءهم بوجهِ يتيمٍ يترقبُ عودةَ والدهِ بلعبةٍ يَتبَاهَى بِها بينَ رفاقهِ !!
ههْ .. وماْ اللعبةُ التي ينتظرُها ابنُ مقاتلٍ فرّط َبأبنائهِ من اجلِ شرفِ وطنٍ !! ها .. قولُوا لِي .. هلْ يتوقعُ أن يأتِي لهُ بخرخاشةٍ مثلاً ! .. هاااْ .. أو حصانٍ خشبيٍ أو بـ بميكانوْ .. مساكينٌ حقاً تلكَ الأطفالَ التي خرجت ْمنْ أصلابٍ خُلِقتْ للجبهة .. قولُوا لهمْ .. صارحُوهم .. لاتكذِّبُوا عليهُم ... اخبرُوهم إنّ اللعبةَ الوحيدةَ التي سيفرحُهم بِها هيَ بندقيةٌ .. نعمْ .. بندقيةً كهذهِ .. وكتلكَ .. وتلك َ.. وتلك َ..
(صمت)
(صوت صياح ونياح نسوه )
-       كفىْ .. كفىْ .. كفىْ .. فقدمَاي َ تنّورٌ يشتعلُ وأصواتكنَّ لكماتُ أُمِي المحمومةِ على بطنِها..  التي تناستْ إني بداخلِها كرغيفِ خبزٍ يحترقْ !! ..
بالله عليكم .. أليست ْهذهِ النساءَ بمجنوناتْ !! .. يردنَّ فحولهنَّ كزهرةٍ يستنشقنَ من شَذاها ونسينَ إنّ هناكَ منْ يَسعىَ لقطعِها منْ أحضانهنَّ المهددةُ بالسبِي والاغتصابِ . .
أليست ْكلُّ واحدةٍ منكنَّ تحلمُ بفارسٍ صنديدٍ يركبُ فرساً ابيضاً .. رجلٌ يشعرُها بالأمانِ .. يَتحلّى بالشجاعةِ .. يمتازُ بالشهامةِ ..  فمازالتْ أمنياتكُنَّ العالقةِ على الأسرّةِ وخلفَ الشبابيكِ وشرفةِ كلَّ منزلٍ ..  ووو .. إلى آخرهِ منَ الأمكنةِ التي غرقتْ بأحلامكُنَّ البريئةِ فَطفَحت ْوصارتْ حقيقةً  .. نعمْ ..  فأحلامكُنَّ قادرةُ على التحققِ  أيتُها  السيدات في بلدٍ يرفض ُانْ يعيشَ ذليلاً .. منتهكاً .. مغتصباً .. مُحتلاً ..
(صمت)
(مو انتن السبب !!)
  على الأمهاتِ أن يُخبِرنَ  بناتهنَّ على انّ هنالكَ شريكا آخرٌ للزوجةِ ألاَ وهوَ الوطنْ ..
أنانيةٌ  أمي .. ترفض ُانْ تعترفُ بأنها  الثانيةُ بعدَ الوطنِ .. ههْ .. حقيقةٌ معقدةٌ.. ولكنْ مِنَ الأجدرِ أنْ تكونَ بقمةِ الاستعدادِ على الاعترافِ بأنني ليسَ ابنَها فقطْ
وانَّ لِمكُوثِي تسعةَ أشهرٍ بينَ أحشائِها لايثبتُ شرعيةَ أمومتَها المطلقة .. نعمْ .. فَهي التي أذِنتْ لِخرُوجي مِنها بكاملِ إرادتِها فاحتضنتني أمٌّ أُخرى اسمها وطن .. أمِنَ المنصفِ أيُها السادةُ انْ نخونَ الوطنَ .. أنْ نَهجُرَ أُمّا تحمِلُنا إلى أنْ نموتَ!! ... ما اسعدَ البشر لَهم اُمّانِ اثنتان .. نعمةً كبيرةً تترتبُ عليها محامدٌ كبيرةٌ .. فاليتمُ كذبةٌ كبيرةُ ابتدعَها المستسلمونَ المتخاذِلونَ اللاهثونَ وراءَ منْ يقومَ بمسحِ رؤوسِهم والبُكاءِ والتصدقِ عليهمُ مِمّن لايُسمن او يُغني !! وانتفعَ مِنها الانتهازيونَ بتعليقِ صِورهِم في مؤسساتِهم
 المشبوهةِ لاكتساب الشهرةِ  وارتداءِ ملابسِ العفةِ والنزاهةِ والانسانيةَ !!
(صمت)
(بعديش)
 ... هاهيَ قدْ أنجبتني معوقاً .. أنجبتنِي معوقاً .. بعدَ إنْ اكتشفتْ إنها أمٌّ مؤقتة .. وهنالكَ أمٌّ أُخرى سيفتديها هذا المولودُ الخائنُ ..
ألمْ اَقُلْ لكمْ إنها أنانيةٌ حتى الجنون !! وكأنَّ لسانَ حالِها ( خذيهِ ياوطنْ .. خذيهْ معوقاً .. كسيحاً .. ) وهذهِ هيَ النتيجةَ ماتتْ أُمّي وظلَّ الوطنُ ..
(تنهد)
(حظي الأغبر)
(يشرب قليلا من الماء .. صمت )
 (يتحسس البنادق المعلقة بغرفته)
لمْ اكُنْ موفقاً في شراءِ البنادقِ .. فكلُّ بنادقي ألعابٌ.. العابٌ .. العابٌ فاسدةٌ !! كلُّ بندقيةٍ تحملُ بداخلِها الأناْ! كلُّ بندقيةٍ تشعرُ بأنها هي الأفضلُ والاصلحُ مِنْ كلِّ هذهِ البنادقِ الرخيصةِ ! .. وفي الخارجِ حيواناتٌ مفترسةٌ وحوشٌ كاسرةٌ بلا قلوبٌ ولا رحمةٌ .. خُلِقوا من كراهيةٍ .. وجُوههِم نارُ إبليس ٍوأفعالُهم مقرفةٌ ..
نعم ْ.. اعرفُ ذلكَ .. لأننِي لا استحقُ انْ احمِلَ البندقيةَ .. هناكَ منْ هو أجدرَ منّي في حملِها .. البارحةَ وجَدُوا طفلاً يحملُ بندقيتهُ ويقاتلُ مع أبيهِ كانَ  مختبئاً داخلَ حقيبة .. أمّا أولَ البارحةَ اكتشفوا انّ منْ بين الشهداءِ امرأةً متنكرةً بزيٍّ عسكريٍّ لرجلٍ .. قصةٌ عجيبةٌ هي العاشرةُ مع خواتِها التسعةَ فوالدُها كانَ يحلمُ بوليدٍ يفتخرُ بهِ في الجبهة ِولكنهُ ماتَ بدونهُ .. وشابٌ نركَ زفةَ عرسهِ والتحقَ الى المعركةِ .. الكثيرُ والكثيرُ ... بعددِ هذهِ البنادقَ الغافيةَ بشعاراتِها المزيفةِ .. وبياناتِها التافهة ..
(مستدركا)
(فلك اسود)
هلْ تعلمونَ بأننا ننامُ خلفَ كلَّ هذهِ التضحياتِ ونستيقظُ فجأةً .. نشاهدُ وجوهنَا المترفةُ في المرآةِ ومنْ بعدها نلبسُ ملابسَنا الناعمةَ فرحينَ بالانتصارِ .
ولكنّني لستُ من هؤلاءِ .. صدقُوني .. رغمَ إنِي معذورٌ منَ الذهابِ إلى الجبهةِ قمتُ بصناعةِ جبهةٍ .. نعمْ .. سَموها كما تسمُونها .. حيلة شرعية.. عسكرية.. قولُوا أيَّ شيءٍ  فنوايايَ سليمةٌ جداً .. فمثلاً أقسمتُ أنْ لاْ انزعَ ملابِسي الخشنةَ وانْ أغلقَ أجهزةَ التبريدَ في الصيفِ والتدفئةِ في الشتاءِ .. وملئتُ جرّتِي ماءاً مالحاً .. ولا آكلُ سِوى وجبةً واحدةً منَ الخبزِ اليابسِ! وانْ لاْ احلقُ لحيتِي وصرتُ أعفّرُ جسدِي في الترابِ كل ليلةِ .. اعلمُ إنّكمُ قدْ ظننتمُ إنني قادمٌ منَ المعركةِ اولَ وهلة .. ولكنني .. ولكنني .. في معركةٍ افتراضيةٍ .. مع ذاتِي الوقحة
 .. تأنيباً أحاولُ بها خِداعُ نفسِي ..
(صارخا وكانه في المعركة)
اينَ انتمْ ايُّها الجبناء؟ .. ماذا تريدونَ .. ساقتلكُم جميعاً .. ها انا موجودٌ .. مستيقظ لكم كالذئب .. فاعلمُوا انّ بُندقيتي انْ نفذتْ منْ رصاصاتِها ساقطّعكمُ باظافرِي الحادةِ .. ابتعدُوا عن ارضِي ايُّها الغرباءُ .. انظرُوا الى وجهِي جيداً فانا مبتسمٌ .. لاترعبُني فقاعاتَكم .. ايُها المرتجفينَ خلفَ السواتر .. اينَ انتمْ .. ايُّها المختبئينَ كالجرذانِ اينَ انتمْ .. جبناء ...
( صمت)
يا أخوتِي .. إنِّي رجلٌ نبيلٌ .. قدْ ورثتُ من والدِي قِطعةَ قماشٍ بيضاءَ استنشقُ مِنها إحساساً وتفانياٍ وإخلاصاٍ  ونقاءاً.. حلميَ الوحيدَ أنْ أكونَ مقاتلاً طوداً يهابهُ الأعداءَ ..
جريمتِي الوحيدةُ إنني أحبُ الوطنَ أكثرُ من أُمِي ..
الحُلمُ .. الحلُم هوَ الوحيدُ الذي يُبقيني على قيدِ الحياةِ .. فروحِي المعلقةُ باصواتِ اقدامِ  الجنودِ  ولهفتَهم الغامرةُ وهمْ يصعدونَ الحافلاتِ المتوجهةُ الى الجبهةِ تاركينَ خلفهُم اصواتَ الماءِ المتدفقة  منْ أوانٍ حملتَها أكُفٌ تؤمنُ بالعودةِ ! وانا ايضاً .. اترقبُ ذلكَ .. كطفلٍ ينتظرُ هلالَ العيدِ !
فما اجمل ! الجنود العائدينَ منَ المعركةِ فرائحتُهم أزكَى وأطيبُ منَ اثمنِ واندرِ الزهورِ .. يقولونَ ان رائحةَ الجبهة أطيبُ  حتّى منْ رائحةِ الجنةِ!!  نعمْ هكذَا أُشاهدهُم كَأنّهم ملائكةٌ تطيرُ .. تطيرُ في سماءاتٍ بلا نهايةٍ  .. بلْ هُم أقدسُ مِنْ ذلكَ .. فَهمُ الوحيدونَ الّذينَ يتذوقونَ طعمَ الوطنَ .. يشعرونَ بهِ يحسّونهُ .. يتسابقونَ إلى المنايا كسباقِ القمحِ تحتَ طواحِن الرّحَى .. .. تركوا ذكرياتُهم .. غيرَ مهتمينَ بنظريةِ العودةِ .. تركُوا أهليهُم وعيالُهم بلا زادٍ أو بضعةِ من المالِ بلْ انّهم باعُوا حِلَيَ نسائهم لشراءِ بنادقِهم في الوقتِ الّذ
 ي تآمر عليُهم المتآمرون وفاحتْ رائحةُ الخيانةِ وأغلقوا كلَّ منافذِ الدعمِ (يتنهد) الجميعُ لايريدُنا انْ ننتصر .. يبغضَهم انْ نكونَ احراراً .. يبغضَهمُ انْ نكونَ اشرافاً .. وكيفَ لاْ وهمْ اعتاشُوا بنعيمٍ ورخاءٍ ثمنَ ممارستِهم للقوادةِ بشعوبِهم!!
فهلْ لِي بسؤالِ أحدكُم على انّ كيفَ يُجَازَى من سالتْ دماءهُ منْ اجلِ شرفِ وطنٍ .. فهلْ يُهزمُ وطنٌ فيهِ كهؤلاءِ ..
يا اللهي اعلمُ انكَ  قصدتَ بانّ الجنةَ تحتَ أقدامَ الوطنِ .. ولِهذا أراهمُ يتسارعونَ .. يتسارعونَ .. سباقٌ لا مثيلَ لهُ في ساحاتِ السباقِ .. فالجميعُ فائزونَ في الميدانِ .. لا خاسرَ هناكَ  .. (يستاهلون ) جنودٌ كرماءٌ .. فشفاهُ أمّهمُ ارضٌ يابسةٌ .. فقامُوا بإروائِها منْ دمائِهم حتّى القيءَ .. ألمْ تقلْ ياربِّ وقلْ لُهما قولاً كريماً .. أهناكَ أجملُ منْ هذا القول!! .
( صوت إطلاق نار )
(اتهلهل هلهولت مره)
-       أتسمعينَ أيتُها البنادقَ ؟!  ، ألمْ تحسَسْنَ بالحياءِ ولوْ بلحظةٍ .. هَلّا عَرُقتْ رصاصاتَكُم المزيفةُ بعرقةِ خجلٍ ولوْ واحدةٌ فقطْ .. انطقيْ .. تكلميْ معيْ .. أجيبينيْ ... أنتِ .. بلْ أنتِ .. وأنتِ .. وأنتِ .. لِمَ هذا الصمتُ المميتُ ..
(بهمس)
(مال سحل بالعكوود)
هلْ حاولُوا رشوتَكِ بحزمةِ خيانةٍ رخيصةِ الثمنِ .. أوْ  لَوثُوا  ترباسَكِ  وأقسامَكِ وشعيرتكِ وفرضتكِ بإعلامِهم المزيف.. هاا .. هلْ خدعوكِ بمؤامراتِهم الجبانةِ وافتراءاتِهم السخيفة ... كمْ أخذتِ ثمنَ الصمتِ ؟.. ها .. أجيبينِي .. فكلُّ شيءٍ صارَ مفضوحاً .. فجنودُ اللهِ . قدْ انطقُوا كلَّ الجماداتِ .. فَتعرّى الكذبُ هزيلاً .. وأُزِيلتْ كلَّ الأقنعةِ ... فَكُشِفت الوجوهُ فتغيرتْ دفةُ السفينةِ ...
(مولولا)
(دللوول  يالشعب دكعد دلللول)
بنادقٌ وجّهتْ فوهاتَها بوجوهِ شعبِها .. ياللعار .. ياللعار
خلعُوا ملابسَهم المدججَةَ بالنياشينِ الفاخرةِ.. ياللعار ياللعار
لَبَسوا ملابسَ نسائِهم وحلّقوا شوارِبَهم المفتولة .. ياللعار ياللعار
ومنْ ثمَّ قاموا ببيعِ أُمِّهم الوطنْ مقابلَ تكبيرِ كروشِهم .. ياللعار ياللعار
فتوجهتْ رصاصاتُكِ لزرعِ الفتنةِ والطائفيةِ .. ياللعار ياللعار
 (يتباكى )
(كبر الطمني)
وا حَسرتي على سنواتِ عُمرِي الضائعةَ .. وأنا أعيشُ في الوهمِ .. كرحالٍ في صحراءٍ تائهٍ خُدِعَ بسرابٍ .. أشغلتنِي غَفلتِي بشراءِ بنادقٍ مزيفةٍ اقنعُ بها عجزِي وقلةَ حيلتي .. فراحتْ تزدادُ شيئاً فشيئاً .. كبردي غيّرَ شكلَ النهر .. منتظراً منْ يحملُني بقاربهِ للوصولِ إلى الضفةِ الأُخرى ..
لمْ يبقَ لِي سِوى انْ ابدأ منْ جديدْ .. محاولةٌ اخيرة .. ولكنْ كيفَ ؟ وهلْ لِي القدرةُ على ذلكَ ؟ فأنا رجلٌ معوّقٌ لايقوَى على حملِ نفسهِ .. سِوى لسانٍ طويلٍ مختبئٍ خلفَ اسنانٍ صلبةٍ وشَفتينِ خاضعتينِ كسيفٍ في غمدٍ صدأْ .. اعلمُ انّ العودةَ من جديدٍ سفرٌ شاقٌ وجهدٌ مُضنيٌ .. ولعلَّ كلُّ هذهِ البنادق ستتوجهُ بفوهاتِها الى صدرِي .. فانا الهدفُ الوحيدُ الذيْ تستطيعُ تلكَ البنادقِ استهدافه بكلِّ بساطةٍ .. فانا الوحيدُ النشازُ في هذهِ الصالةَ الحالكةَ .. (صمت)
 نعمْ .. نعمْ .. اعرفُ ذلكَ واستشعرُ قُبحَ جِنايتي نادماً وها أنا أتلقَى رصاصاتِ بنادقٍ  قمتُ بتعليقَها منذُ كنتُ طفلاً صغيراً حتّى كَثُرتْ وَتمرّدتْ !! .. لا حلَّ سِوى انّني  سأحطمُ كلَّ هذهِ البنادق المصطنعة واستبدالها ببندقيةٍ واحدةٍ .. نعمْ بضع منَ الارادةِ .. ولكنْ اينَ هيَ الارادةُ .. اينْ .. لا اعتقدُ انّني ساعثرُ علَيها في كونٍ ملوثٍ كهذَا .. لعلَّني احتاجُ وقتاً طويلاً للعثورِ علَيها بينَ اكوامِ الخيبةِ .. هلْ من المعقولِ انّ مانحتاجهُ ارادة ٌفقطْ للتخلصِ منْ كلِّ هذهِ الاصنام .. هلْ لِيَ باابراهيمَ خليل اللهِ وفأسَهُ .. ليعلّمَنِي كيفَ هيَ
  الطريقةُ السريعةُ للتخلصِ منْ هذا الجحيم .. يا الهي ادعوكَ ان ترزقَنا شعباً كابراهيمَ.. ياالهي اعلمْ انّ نبيَك قدْ تركَ كبيرهُم على قيدِ الحياةِ ونسِيَ انّهمْ يتكاثرونَ .. يتكاثرونَ .. يا الهي ياعليما ياخبيرا اعلمْ  انَّ في بلادِي منْ يعشق عبادةَ الاصنامِ مهووسينَ بها لايتحملونَ العيشَ بدونِ صنمٍ
 (صمت)
 .. ههْ .. لا اعتقدُ انْ كانَ ابراهيم حياً معنا الانَ  يستطيعُ انْ يعيدُ كرّتهِ مرةً أُخرى.. فسيحرقونهُ ايضاً .. بعبوةٍ ناسفةٍ .. وسنتجمعُ حاملينَ الشموعَ واللافتاتِ  متوشحينَ بالسوادِ .. حدادْ .. حدادْ .. حدادْ .. وستعرضُ جَمْعَنا الحزينُ هذا الفضائياتُ التي تمولُها الاصنامَ .. التي تظهرُ كالذباب تطنُّ علينا ببياناتِ الشجبِ والاستنكارِ .. حتّى يأتي صباحُ يومٍ اخرْ ننسَى كلُّ شيئٍ ونتذكرُ انَّ علينَا انْ نسجدَ لأصنامنا غالقينَ أعيُننا لاهثينَ وراءَهم كالبهائمِ .. لاْ .. لاْ .. لا مستحيل .. ما احتاجهُ هوَ.. هو .. نعم .. هي .. هي ..

( مستنهضا)
(أي والوطن)
 بندقيةٌ حقيقيةٌ موحدةٌ  .. مصممةٌ على شكلِ كرامةٍ  .. بارّةٌ لأمُّها الوطنُ لاتنهرَها  بصوت الخيانةِ تُقبّلها في جبينُها كلُّ صباحٍ .. فوهتَها واحدةٌ.. بزنادٍ  لا ينكسرُ .. بارودٌ برائحةِ الصمودِ والإباءِ وسَبطانة أصيلة الانتماءِ .. بندقيةٌ بقبضةٍ أمينةٍ لا تَلِينُها الانتماءاتُ المزيفة .. تحملُها اَكُفٍّ توضأتْ شرفاً وحميّةً ..  بمخزنٍ مملوءا عقيدةٍ وحكايا ملاحمَ الأجداد ففي كلِّ رصاصةٍ صرخةُ ولاءٍ.. وأحلامٌ وأمنياتٌ وبهجةُ طفلٍ ولهفةُ عاشقٍ وابتسامةُ فلّاحٍ وأغنيةَ مصنعٍ ورقصةَ نهرٍ وصلاةَ شُكرٍ ورائحةً نقيةً.. وطيورٌ محلقةٌ بسماءاتٍ صافيØ
 �ٍ وووو  ....  وسأخيطُ ثوباً بقطعةِ القماشِ هذهِ وسأحاولُ الوقوفَ على قدمِي .. لبدءِ يومٍ جديدٍ .
إلى الأمامْ دُرْ .. عادةً سُرْ .. يَسْ يَم ْ.. يَسْ يمْ .. يسْ .. يمْ . . . .
                          (ستار)

Share |