«لا يكترث بالأخذ بالحقائق المتعلقة برفعة الوطن وكرامة المواطن، إلا الاعلام الواعي الحر الشريف»./ علي الحاج
Wed, 10 Aug 2016 الساعة : 22:28

"وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا".
مر اليوم"العشرون"من تموز 2016 في مفاصل الاعلام المحلي والإقليمي مرور الكرام، وهو يحمل في ذاكرته جمع ملياري دولار للعراق من قبل الدول المانحة لدعم المجهود الحربي العراقي.
كان ذلك في مؤتمر المانحين المنعقد في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، الذي رعته الخارجية الأمريكية دعما للعراق في حربه ضد الإرهاب المتمثل بمجاهدة عصابات"داعش"الأرهابية، ومساعدة العراق في إيواء النازحين جراء الإرهاب، وإعادة الاعمار والأمور إلى نصابها في المدن العراقية التي صارت مسرحا للعمليات العسكرية أثناء حرب مقاتلة الإرهاب.
وعبر معالي وزير خارجية العراق السيد إبراهيم الجعفري خلال كلمة ألقاها في الاجتماع عن شكره لمؤتمر المانحين، والذي يعبر عن تضامن المجتمع الدولي مع حكومة وشعب العراق في حربه ضد عصابات داعش الإرهابية والتي تشكل تهديدا حقيقيا لكل دول العالم.
ويقينا لو أن الإرهاب الداعشي جاوز أو تخطى العراق وسوريا لوصل إلى عمق معظم الدول الآمنة الواقعة داخل وخارج حدود الشرق الأوسط، ولنال منها جميعا وزعزع أمنها قاطبة، بما في ذلك الدول الراعية للارهاب نفسها وبدون استثناء.
يبدو أن واحدة من أهداف هذا المؤتمر أن أمريكا قد تسنى لها الآن أن تتخلى عن"داعش" مثلما تخلت عن أمها"القاعدة"من قبل، كتخليها تماما عن الحكام الديكتاتوريين الذين تبنتهم لتنفيذ مآربها في المنطقة، وكان التخلي بسبب انتهاء تنفيذ واجبهم وانقضاء مدة صلاحيتهم فإستهلكوا جميعا وصاروا بما ينطبق المصطلح المعروف عليهم ب"إكسباير" أو غير المنتجين، ولا داعي بعد هذه الحالة لوجودهم على قيد الحياة بعد انقضاء تلك المرحلة سيما وأن الأهداف المتعلقة بتدمير المنطقة اقتصاديا وعسكريا وأمنيا واجتماعيا وحضاريا قد تحققت بفضل عمالة هؤلاء وشذوذهم الفكري والانساني والاخلاقي.
وهدف مفصلي مهم آخر من أهداف المؤتمر أن تعان أمريكا من التنصل عن وزر داعش، وأن ترفع اليد عنها بآلية رسمية يشهدها العالم بأسره من خلال متابعة نشاط المؤتمر الداعم للعراق ونتائجه، الأمر-من نظر أمريكا- الذي يساهم في إخلاء ساحتها وتبرئتها من وزر وتبعات داعش الأخلاقية والقانونية والتاريخية.
وعليه فإن انتصار العراق على داعش والقضاء عليه ودحره يعني الكثير، ويعني أن العراق ومعه سوريا يقاتلان عصابات داعش الأجرامية نيابة عن كل دول العالم المرشحة لأن يطالها ارهابه البغيض، الأمر الذي جعل أمريكا أن ترعى وتحتضن هذا المؤتمر باعتبار أن العراق هو المتصدي والمتضرر الأول من عدوان عصابات داعش وشذوذه.
إن ما يجلب الانتباه هو عدم الاكتراث بهذا المؤتمر ولا بنتائجه ليس فقط على مستوى الاعلام الاقليمي فحسب، بل حتى على المستوى الوطني العراقي بمبررات ربما تعزى اسبابها لآلية تمويل داعش من قبل بعض دول المنطقة الراعية للارهاب ذي الاجندة المتنفذة في المنطقة والعراق بواسطة اتباعها وذيولها المأجورة، وفي هذه الحالة ضاعت على الجانب العراقي واحدة من فرص النجاح المتعلقة في استغلال المكاسب المادية والمعنوية والسياسية والديبلوماسية المترتبة المتحققة للعراق جراء عقد ونجاح هذا المؤتمر الذي باركته أمريكا وتضامنت معه 40 دولة من دول العالم المؤتمرة بشكل علني من خلال اشتراكها في المؤتمر ومساهمتها في دعم العراق ماديا، ومن ثم أن المؤتمر أثبت للعالم أجمع عدالة قضية العراق في محاربته لعصابات داعش نيابة عن العالم أجمع واظهار انتصاراته الباهرة على أيدي العراقيين النجباء في القوات الأمنية المسلحة العراقية الباسلة من الجيش والشرطة وقيادات الحشد الشعبي المقدس والعشائري الغيور.
لكن الأعجب من هذا، بروز حالة عدم الاكتراث أيضا بحالة تمرير ميزانية مجلس النواب والتصويت عليها للعام القادم، دون أن تسلط الاضواء على الخبر بمقدار حجمه من قبل الاعلام، ودون الوقوف عندها وقفة رجل وطني مخلص شريف لمحاكمتها أو على الأقل لقراءتها كحقائق متعلقة بمصلحة الوطن قراءة جدية تليق بوطن جريح ومواطن معذب، -وقد توصلت إلى حقيقة مفادها أنه لا يكترث بالأخذ بالحقائق المتعلقة برفعة الوطن وكرامة المواطن إلا الاعلام الواعي الحر الشريف!!- وفيها ما يلفت النظر ويجلب الانتباه من تبذير وتبديد لثروة العراق ذي الخزينة الخاوية واسعار نفط متدنية وديون هائلة بارقام مخيفة، وحرب طاحنة محتدمة، وتقشف مقلق اتعب العراقيين، وفساد جشع أنهك قدرة العراق ومقدراته وتطلعات الناس وحقهم في العيش الكريم وفي تأمين قدراتهم الشرائية ومتطلباتهم الانسانية وضمان مستقبلهم المجهول، وجماهير تتظاهر منذ أكثر من عام تمردا على الوضع الاجتماعي والسياسي البائس في الشارع العراقي المتأزم، وجماهير متظاهرة يطلب منها عند كل أزمة سياسية وأمنية الإستكانة والهدوء وعدم التظاهر، -والجماهير ليس لديها غير الإستمرار بالتظاهر إلى أن يتم الإصلاح الشامل والناجز مهما طال الزمن وبعدت الشقة-.
وليعلم الجميع وعلى رأسهم الاعلام أن تلك الميزانية والتي قد يبلغ اجمالي اموالها بما يقدر بعشرات المليارات أو لربما بالمئات، ماهي إلا عبارة عن اطلاق العنان للضوء الاخضر مرة أخرى للإرهاب المجاز، وللسرقات المنظمة، وللفساد المقنن، بدليل أن تلك الميزانية تضمنت على نحو الاصرار والتمادي والاسراف والإشتطاط مبالغ خيالية هائلة قد اعترض عليها الشعب بوقت سابق خلال فترة المظاهرات التي بدأ صخبها وجلجلتها قبل سنة من الآن، وقد تضمنت تلك التخصيصات:"مليارات الدولارات للإيفادات-سياحة وسفر وإستجمام-، وللاتصالات، وللملابس، ولشراء الاثاث، ولشراء سيارات مصفحة، ولشراء دراجات هوائية، ولشراء سيارات حمل-لوريات-، ولزيادة مخصصات الصيانة، ولزيادة مخصصات مكافآت الموظفين، ولمخصصات أجور الانترنيت".
فضلا عن اطفاء سلفة أعضاء مجلس النواب البالغة 90 مليون دينار لكل نائب، وجعلها منحة غير قابلة للرد، كما ومنح النائب البرلماني امتيازات ومخصصات مادية ضخمة، بالإضافة إلى منحه وافراد عائلته جواز سفر ديبلوماسي لمدة ثمان سنوات بعد انتهاء الدورة التشريعية الحالية للمجلس.
ختاما، علينا أن نقف على حقيقة أنه لا يكترث بالأخذ بالحقائق المتعلقة برفعة الوطن وكرامة المواطن إلا الاعلام الواعي الحر الشريف، وإن ما يترتب على الاعلام العراقي الحر الشريف في هذه المرحلة الحرجة خاصة، هو العمل على تحقيق غطاء معلوماتي وسبق صحفي لكل ما يتعلق بايصال الحقيقة ونقل المعلومة الدقيقة الصادقة لاسماع الناس فيما يخص الأوضاع الراهنة الحالية المتعلقة بمحاربة الإرهاب والفساد، وفضح كافة النوايا الشريرة التي تريد النيل من أمن العراق ووحدته وشل اقتصاده.
ثم يحتم الواجب علينا كمواطنين ومثقفين أن نعي التحديات التي يواجهها الصحفيون والإعلاميون العراقيون من مخاطر نفسية وجسدية، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها تجاههم وتأمين الحماية لهم، ودعمهم من جميع النواحي الاخرى الانسانية والنفسية، ليتمكنوا من ايصال الكلمة الشريفة إلى مسامعها الطبيعية، وايصال الصوت الحر والحقيقة الصادقة الى الملأ والناس جميعا، والدفاع عن حقوق الوطن وعن سمعته في المحافل العربية والاسلامية والدولية، والدفاع عن حقوق المواطن المشروعة وحقه في العيش الكريم في بلد آمن من جميع النواحي.
والله ولي التوفيق.
"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"