"الاهوار" في لائحة التراث العالمي لليونسكو/عادل عبد المهدي
Tue, 7 Jun 2016 الساعة : 1:07

مشكورة جهود السيد محافظ ذي قار ومعاونيه ومجلس المحافظة في الحملة الجادة والدؤوبة لادراج "الاهوار" و"اور" و"اريدو" في لائحة التراث العالمي.. ومشكورة جهود بقية الوزارات خصوصاً الموارد المائية والثقافة والبيئة والخارجية وغيرها، وجهود السيد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب والنواب واللجان المختلفة، مما اسفر عن اتصالات جادة، لكسب تأييد الدول خلال اجتماع لجنة التراث العالمي الذي سيعقد في اسطنبول في تموز المقبل.
الاهوار الممتدة في ثلاث محافظات (البصرة وذي قار وميسان) تضم او تشكل جزءاً من 20 ناحية، وتتراوح مساحتها بين 10-20 الف كم2، حسب موسم الامطار والفيضانات. اهوارنا، تحمل كل عناوين التراث العالمي والانساني.. فهي مهد الحضارة البشرية المعروف والمسجل متمثلة اساساً بالحضارة السومرية وسلالات اور المتعاقبة. الاهوار التي استخرجت من ارضها الكثير من الاثار التي تزدان المتاحف العالمية بالكثير من نفائسها، ما زالت تضم اثاراً نفيسة لم ينقب عنها بعد.
ترتبط الاهوار بالتأكيد بارض نبينا ابراهيم عليه السلام في "اور".. وترتبط قبله (ع) بملحمة كلكامش والطوفان السومري والبابلي، والتي تضم روائع من "الميثولوجيا" والروايات والاساطير عن الانسان والخلق والخلود والتي هي يقيناً في مصاف ارقى ما يمكن للتراث ان يسجله. وهو ما سجلته الديانات الابراهيمية، خصوصاً النصوص التوراثية في سفر التكوين، وصولاً للقرآن الكريم وقصص نوح والطوفان.
لكن الاهوار هي ليست تراث حضارات وتاريخ واديان فقط، بل هي قصة الانسان العراقي في بيئة خاصة ومحددة.. انسان يستوطن المياه ويبني عليها، ويعيش من مواردها. بيوته من قصب، يقيمها في جزر موجودة او يؤسسها.. انه نظام اقتصادي/اجتماعي فريد في التعايش مع البيئة.. حافظ عليه انساننا لالاف السنين. انماط عيش فريدة تستثمر كل ما حولها.. عالم رقيق رقة مشحوفه ورجاله ونساءه الذين يصنعون الحياة بكل مقوماتها، يخلب الانظار بجماله.. لذلك اعتبرها "العهد القديم" جنة عدن.
انها تراث عالمي يربط بين القارات في هجرة الطيور السنوية.. فهي محطتها الاساسية حيث تستريح وتأكل، وتتكاثر، وترحل.. لذلك تجد فيها ثروة قل مثيلها في انواع الطيور، اضافة لما تحتويه مياهها من اسماك، وتضمها اراضيها من حيوانات تجعل منها محميات طبيعية لاصناف لا تعد ولا تحصى من الكائنات الحية.
اخيراً وليس اخراً، فان الاهوار ليست جاهلة او امية او بائسة، كما صورت مقالات جريدة "الثورة" السيئة الصيت بعد الانتفاضة الشعبانية (1991)، التي كان لابناء الاهوار دوراً اساسياً فيها.. ففي الاهوار بدأ التاريخ والتدوين والعلوم والصناعات والزراعة والتجارة. وفي بيئة الاهوار تعلم الانسان الكتابة والنظم.. وعرفت الانسانية اولى المدونات والشرائع كاصلاحات العاهل السومري "اورو-كاجينا (2350-2335 ق.م.) في "لكش".. وقوانين "ارنمو" (2113-2006 ق.م) لمؤسس سلالة اور الثالثة.. وقوانين "لبت عشتار" (1934-1924 ق.م)، الشبيهة بمقدمتها لشريعة حمورابي (1792-1750ق.م). فالاهوار خزين ليس لمياه الرافدين فقط بل ايضاً لثقافة العراقيين وتقاليدهم واخلاقياتهم وقيمهم وتنظيماتهم وانسانيتهم وشعرهم وعلومهم ورواياتهم وموسيقاهم وغناءهم على مر العصور، وكذلك لانتفاضاتهم وثوراتهم على الظلم والعدوان.. كما في الملحمة الشعرية الشعبية الرائعة لمظفر النواب "حجام البريس" التي تجري احداثها في "هور الغموكة"، التي يقول في احد مقاطعها: "ابوس ايد اللي يسكي الناس، ويحمل تمر، وسلاح، ورصاص، بشرايعها.. افه يا كاعنه، السحكتها، وانسحكت عليها، جييوش يابو جييوش، وما بدلت، طبايعها". فلم يدخل الاهوار رحالة او باحث او انسان الا وعشقها. فهي تنبض بالحياة والاصالة والقدم والعراقة.. لذلك يسجل تراثها ايضاً محاولات تدميرها وقتلها، بقطع المياه عنها وتهجير سكانها وتدمير بيئتها. وهي الجريمة الكبرى التي ارتكبها صدام انتقاماً من انسانها ومن هذا التراث الانساني والحضاري. وهو ما يجب ان لا يتكرر باحاطتها باعلى درجات الحماية الوطنية والعالمية.. وان تسجيلها هذا هو خطوة مهمة في هذا الاتجاه. اما الحماية الحقيقية، فلا احد يستطيع ان يوفرها سوانا، نحن العراقيين. فنحن من يدمر الاهوار، ونحن من يستطيع ان يحييها ويحميها من جديد.