العدالة الجناية وتطور الحداثة في تشريعات القانون الجنائي -المحامي عبدالاله عبدالرزاق الزركاني
Sun, 16 Oct 2011 الساعة : 13:27

مازال الإنسان منذ أن وجدت البشرية وهو يسعى نحو تحقيق العدالة الجنائية تعزيزا لمبدأ إبراز التراث الإنساني المتحضر وذلك لإرساء استقرار المنضومه ألاجتماعيه ولهذا فقد ظهرت المدارس الفكرية والنظريات الفقهية في العلوم الجنائية والتشريعات التطبيقية . ان الفكر الجنائي تطور وارتقى ومهد أسس نضوج التشريعات القانوني الداعمة للعدالة الجناية كمبادئ تعزز الدور الإنساني من دون تفريط او اختراق للمكونات الاجتماعية وفقا لقاعدة المساواة . ولكن في نفس الوقت قد كشفت الأطروحات الصراعات الاجتماعية في التطبيق العملي وإشكالات جديدة ذات طابع متنوع يحمل بين طياته التحديات بحكم التطورات المتلاحقة الأمر الذي يتطلب البحث عن الحلول التي تساعد على تنمية ثوابت استقرا أفق العدالة الجنائية على جميع المستويات بعيدا عن الارتباك والجمود. بحكم ثورة تكنولوجية اليوم التي تكتسح كل أصناف العلوم بما فيها العلوم القانونية كما إن المجتمعات الإنسانية تعيش تقلبات كبرى وتغييرات ملحوظة في قيمها وأعرافها ومعتقداتها جعلت العلاقات الاجتماعية تبعا لذلك أكثر تعقيدا وأكثر تمردا لذلك من الطبيعي أن ينظر إلى العدالة الجنائية انطلاقا من هذا الواقع المتحرك في إطار فلسفة واضحة المعالم محددة الأهداف. وهذا يعني إعادة التفكير في مجموعة من المفاهيم والآليات التي تحكم العدالة الجنائية انطلاقا من البحث المتعلق في موضوع تطور الجريمة وفقا لتعريف طبيعة الجريمة ذاتها وضبط أشكالها والوسائل الكفيلة بمكافحتها والتركيز على طرق موضوعية في فرض العقوبة على أساس الغرض والخصائص والتركيز على البدائل الممكنة والناجحة إضافة إلى إيجاد طرق سالكة لتوفير الأفضل في تطبيق العدالة الجنائية لجميع المواطنين من خلال ضمان المحاكمات العادلة . لان العدالة الجنائية كفكر استطاع أن يزحف بثبات في معانيه الواسعة فوضع المبادئ المرنة ورفض الجمود وذلك لمسايرة الواقع الاجتماعي بالبحث المستمر عن الحلول المتاحة جنائيا من خلال القواعد القانونية في إطار ألشكليه والموضوعية باعتبار إن الأصل في الإنسان البراءة وهذا المبدأ مظهرا من مظاهر العدالة الجنائية فقد عانت الإنسانية الأمرين من جراء غياب هذا المبدأ. وكان الظلم الاجتماعي يكفي أن يوجه الاتهام لفرد من الجماعة لكي يصبح محكوما عليه مذنبا ومدانا ويصبح مطالبا بإثبات براءته أو يترك الأمر للأقدار لكي تتكفل بإثبات براءته، فقد يمضى على المتهمين حين من الدهر تحت القضبان مقيد الحرية . وهكذا كانت العدالة الجنائية في أيام خلت من إنسانيتها وفق عادات ومعتقدات سادت ثم بادت إلا أن هذه النظرة المتخلفة آخذت تتغير شيئا فشيئا بفضل المجهودات التي قام الفلاسفة والمفكرون عملوا على استعادت الإنسان لإنسانيته وكرامته وحريته بعد أن مسخت هذه المعاني طوال عصور مظلمة كانت العبودية والتسلط والظلم والاستبداد أهم مظاهرها حيث الأصل في الإنسان الذي تلده أمه بريئا وأصبح من حقه أن يحتفظ لنفسه بهذا الأصل وبهذه البراءة إلى أن يثبت العكس والدولة التي تمثل المجتمع تأخذ على عاتقها بهذه المهمة عن طريق السلطة القضائية المستقلة وفقا للإجراءات ألقانونيه ألمتبعه وصحة الاتهام وصحة نسبته إلى فرد بعينه فالفرد هنا لن يتحمل ما لا علاقة له به ولن يكلف بإثبات براءة غيره لان إنسانيته تكفيه شر هذا الإثبات باعتبار مبدأ الأصل في الإنسان البراءة كأحد الأعمدة الأساسية التي يقوم عليها بنيان العدالة الجنائية المعاصرة ومن الثوابت التي لا تراجع عنها استنادا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص لكن الإنسانية وبعد صراعات مريرة ومعاناة طويلة استطاعت أن تغير الواقع نحو تحقيق عدالة جنائية منشودة فتدخل المشرع وفقا لمبدأ الشرعية في النظام البرلماني الإنساني بتشريعات حديثه بعد أن راج طويلا في عالم الفكر والتنظير وأصبح ركنا من أركان العدالة الجنائية فأصبح المبدأ ثابتا في التشريعات الجنائية - المبدأ لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون - كما لا يمكن التجرد من العذر - الجهل بالقانون لا يعتبر عذرا - إن الشعور بالعدالة الجنائية في غياب النص العقابي لاستطيع القاضي أن يقاضي أي مواطن من دون نص عقابي غير منصوص عليه قانونا، ويحظر عليه أن يستعمل القياس أو ان يتوسع في تفسير النصوص الجنائية لاستيعاب حالات إجرامية لم يقع النص عليها باعتبار موضوع العدالة الجنائية في ألشكليه والموضوعية تعتمد في التطبيق جملة من القواعد القانونية المحددة لأفعال الإنسان التي تدخل في باب الجريمة والعقوبات المقررة لها في إطار القانون وعلى ضوء التحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة . والواقع إن الشقين معا متكاملين لا غنى لاحدهما عن الأخر وفقا للمتغيرات وما يميز التطورات الجنائية المستمر والتي يؤخذ بها عندما تندرج كنص قانوني مشرع .وكما هو معروف إن القانون الجنائي يضم مجموعة من القواعد القانونية التي تحصر أفعال الإنسان والتي يعد البعض منها جريمة في نظر القانون وتضع لها عقوبات أو تدابير وقائية لردع لان من أولويات المطلوبة حماية المجتمع من الجريمة بمختلف أشكالها كون تطبيق القانون يعبر عن إرادة جماعية لحماية قيم ومصالح المنضومه ألاجتماعيه والتي تعد أي عدوانا غير مقبول وهذا المبدأ يعطي لقواعد القانون الجنائي ديناميكية وحركة دائمة تكشف التعديلات العديدة التي تتعرف عليها قوانين العقوبات في مختلف التشريعات في النظام الدولي . في حين ان بعض القوانين الجنائية ما زالت بدورها لاتعرف العديد من التعديلات ألواجبه للتواصل مع التطورات الجنائية . ولكن حركة متغيرات النظام الاجتماعي تستوجب المراجعة الشاملة لنصوص قوانينها الجنائية. وما نود التشديد عليه هو إن العدالة الجنائية تقتضي أن تكون نصوص القانون الجنائي محطة متابعه مستمرة من لدن المشرع ليزيد فيها وينقص ويعدل ويراجع حسب المتغيرات والحاجيات المجتمعية المتطورة. بسبب ما تحدثه الأفعال والمستجدات من اضطرابات اجتماعي الأمر الذي يوجب معاقبة مرتكبي الافعال الاجراميه بعقوبات وبتدابير وقائية تمشيا مع التطورات التي عرفها القانون الجنائي خاصة فيما يتعلق بعلم العقاب وهنا لابد من دراسة مجموعة من القواعد القانونية التي تتطلب توضح الطرق المتبعة للبحث عن مرتكبي الجرائم والتحقيق معهم ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبة عليهم وتحديد السلطات المختصة لان شكلية القواعد القانونية الجنائية تستهدف الموازنة بين مصلحتين متعارضتين من جهة مصلحة الجماعة التي تسعى إلى معاقبة المذنبين ومكافحة الإجرام بمختلف أشكاله لضمان سيادة القانون واحترامه ومن جهة أخرى مصلحة الفرد سواء كان جانيا من خلال تمكينه من وسائل الدفاع عن نفسه وحقه في إثبات براءته أو مجنيا عليه من خلال ضمان العدالة في تحديد الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة في إطار تحقيق أهداف العدالة الجنائية والتي أصبح لزاما على قاضي التحقق ان يخضعا المتهم إلى التحقيق وكل ما يتطلبه التحقيق بما فيه طلب المتهم بإخضاعه لفحص يجريه طبيب مختص لمعاينة ما إذا كانت هناك أثارا تبرر بمقتضى القانون مفادها ان الاعتراف انتزع من المتهم بالقوى والإكراه لتمتين حقوق الدفاع سواء من خلال المتهمين او من قبل وكلائهم من المحامين أمام قاضي التحقيق ودور ألمحاكمه وبطبيعة الحال ستهدر تلك الإفادات ولا يأخذ بها كدليل للادانه تحقيقا لانسانبة الفكر الجنائي لان طبيعة الحداثة الجنائية وفقا لتحقيق العدالة هو تحقيق اصلاح النظام الاجتماعي الا ان ما يلاحظ ان العدالة الجنائية اليوم تواجه تحديات لم تكن مطروحة من قبل تمتحن الوسائل التقليدية التي كانت تعتمد المناهج والنظم الاجرامية التي تعمل وفقها . إلا أن أشكالا جديدة ظهرت من حالات الإجرام استفادت من الثورة العلمية والتقنية الحديثة كجرائم الانترنيت والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الاتصالات وجرائم البيئة وفي نفس الوقت أصبحت الحقوق والحريات الفردية معترفا بها على المستوى الدولي أكثر من أي وقت مضى وأصبح على العدالة الجنائية ان تساير المعطيات التكنولوجية بسرعتها ودقتها وضبطها بدلا من الاعتماد على أساليب عمل تقليدية مكلفة وبطيئة لذلك أصبح العمل جادا على المستوى الدولي لحساسية العدالة الجنائية اتجاه المجتمع وجعلها أكثر عصرنه وأكثر علمية وان كان ذلك غير كافي وحده إذ ان العدالة الجنائية لا يمكن فصلها عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فتحقيق العدالة في شقها الجنائي لن يتم إلا بشكل مواز مع تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية السياسية عن طريق الاهتمام بالطبقات الاجتماعية المحرومة ومحاربة أشكال الفقر والبطالة والقضاء على ألامية وتشجيع التعليم وتوفير السكن اللائق ورعاية الطفولة وفصح المجال للحريات العامة في إطار الالتزام والمسؤولية وحصر الجريمة والمجرم والعقوبة يعد من ابرز المحاور التي يهتم بها وبمعالجتها القانون الجنائي في تحقيق العدالة الجنائية بمفهومها الحديث الذي يقتضي مسايرة المجتمعات الإنسانية في معتقداتها وقيمها وأنماط سلوكها وطريقة تفكيرها لان الجمود في نصوص القانون الجنائي يعني تخلف العدالة الجنائية عن تحقيق أغراضها بقدر ما يجب ان تكون النصوص الجزائية حاضرة في ضمائر الأفراد وثقافتهم وحياتهم اليومية لذلك فان من أولويات السياسة الجنائية عدم جمود آليات التجريم والعقاب فعلى مستوى الجريمة يلاحظ ان نصوص القانون الجنائي العراقي لم تستطع ان تستوعب أشكالا جديدة من الجرائم التي أفرزتها الحياة المعاصرة وسأعطي بعض الأمثلة على ذلك فجرائم التزوير لدينا لازالت تقليدية بشكل لا يسمح باستغراق أصناف معينة من التزوير التي أصبح يحفل بها في مجال الالكترونيات، فما زال التزوير جرما معاقبا عليه فقط في الحالات التي ينصب فيها على محور أو مستند بالمعنى الكتابي للكلمة في حين ان التطورات الاقتصادية أدت إلى ظهور ما يسمى بالتزوير الالكتروني خاصة في المجالات الخاصة في مجال المعاملات البنكية والاتصالات وبرامج الحاسوب فيلاحظ إن الحياة المعاصرة عرفت تزايد الجرائم الاقتصادية والتي يكون وراء ارتكابها ما يسمى بالاشخاص المعنوية التي يتخفى وراءها بعض الأشخاص الذاتيين أمام غياب نص قانوني واضح يحدد المسؤولية . كما ان التشدد في التجريم والتوسع فيه لم يثبت في يوم من الأيام انه كان حلا ناجحا فالحرص على تجريم الانحرافات السلوكية لأفراد المجتمع صغر شانها أو كبر هو منهج غير سليم وقد يؤدي إلى عكس النتائج المرتقبة منه فكثير من الجرائم المنصوص عليها تتحمل فيها الدولة مسؤولية اكبر من تلك التي يتحملها الأفراد وهذا يفرض إخراجها من دائرة التجريم مثل جرائم التسول والتشرد التي أصبحت غير ذات معنى في واقعنا كما ان العديد من الجرائم التي يغلب فيها العنصر المدني لان الأضرار التي تنتج عن التجريم والعقاب أفدح من الأضرار التي تنتج عن ارتكابها فالشخص الذي يحكم عليه قد يتحول إلى مجرم حقيقي خلال الفترة التي قضاها في السجن والتي مكنته من الاحتكاك بمجرمين أكثر خطرا . كما ان بعض النصوص لم تعد ملائمة للظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها الوطن ويتعين اخراجها من دائرة التجريم وهذا يجعله فصلا لا علاقة له بجرائم الحق العام. بالرغم من ان تحقيق العدالة الجنائية يكلف ميزانية الدولة مصاريف وتكاليف ضخمة في سبيل القضاء على الجريمة والبحث عن مرتكبيها ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبة في حقهم وهذا يقضي إمعان النظر في النتائج المتحصل عليها والبحث عن البدائل الضرورية فالتركيز على العقوبة لوحدها غير كاف للوصول إلى الإصلاح المنشود بل لابد من التقليل ما أمكن من العقوبات السالبة للحرية في بعض الجرائم وتعويضها بالجزاءات الإدارية أو على الأقل بالعقوبات المالية الغرامات وتشجيع التدابير الوقائية والنص على تطبيقها وتنويعها، في حالة ضرورة انزال العقوبات السالبة للحرية فلا بد ان يكون الهدف الرئيسي هو السعي إلى إصلاح المحكوم عليه وتتبع وضعيته داخل السجن وتفادي تهميشه والعمل على تيسير إعادة إدماجه عند مغادرته للسجن في المجتمع ووضع معايير دقيقة تتيح للقضاء تطبيقا سليما لمبادئ تفريد العقاب والظروف المخففة أو المشددة عند الضر وره القضائية. إن السياسة الجنائية مطالبة بمراعاة مجموعة من المبادئ برسم بعض الأهداف الكبرى في أفق الوصول إلى تحقيق العادلة الجنائية من خلال ضمان احترام شروط المحاكمات العادلة والاعتناء بمختلف العاملين في محيط العدالة الجنائية والاتجاه إلى ضرورة حماية حقوق الإنسان وتوفير الضمانات الكافية أثناء ألمحاكمه وفي نفس الوقت يجب ان يكون هناك الاهتمام بضحايا الجريمة والمتضرر منها قاصرا او من أملت عليه ظروف إكراه معينة خارجه عن إرادته إذا فلا بد من بتوفير الضمانات الكافية لجميع الخصوم في الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة لها بالنسبة للمتهمين وينبغي ان تتاح لهم جميع وسائل الدفاع و في جميع المراحل بصحبة وكلائهم من المحامين موكليهم خلال المرحلة الحاسمة التي توصف بسرية التحقيق في القضايا الجنائيه وهي بحد ذاتها تعد خروقات تؤدي إلى المس بالحقوق والحريات الشخصية للأفراد وحقوق الإنسان ألعامه لذا يجب الدفاع عن المصالح ألمشروعه وحفظها وتيسير انجح السبل للتعويض عن الأضرار والخسائر التي تلحق بالمتضرر من جراء الجريمة. وهذا ما يدعوا رجال القانون التركيز على أن دائرة محيط العدالة الجنائية يجب ان يتم الاهتمام والعناية بالعنصر البشري للعاملين في نطاقها الجنائي و يعد من الأولويات الاساسية والمقصود بهم القضاة والادعاء العام والمحامون و كتاب الضبط ورجال الضابط القضائية والخبراء والمترجمون وغيرهم من المساعدين من خلال توفير الإمكانيات المادية والمعنوية وتمكينهم من أداء وظائفهم في أحسن الظروف وخاصة للقضاة حيث يعين تعزيز استقلالهم دستوريا وزيادة في إعدادهم لمواجهة التراكمات التي تعرفها المحاكم على مستوى الملفات والقضايا والاهتمام بالتجهيزات المطلوبه بما يليق بمكانتهم وادخال تقنيات المعلومات وتعميمها على المستوى الوطني ونفس الشيء يمكن ان يقال على جهاز كتابة الضبط الذي ينبغي ان يستمتع باستقلالية وبإمكانيات عمل حديثة ميسرة تنهي الصلة مع وسائل العمل التقليدية على مستوى الأرشيف وترتيب الملفات وطبع الأحكام .. الخ.
اما بالنسبة للمحامين فقد ان الأوان لكي يساهموا بشكل اكبر في تحقيق العدالة الجنائية عن طريق توسيع مجال مؤازرتهم لموكليهم لتشمل كافة مراحل التحقيق والمحاكمة مع الالتزام بتوفير ألحصانه ألواجبه للمحامين وبشكل أوسع أثناء مزاولتهم لرسالتهم ألمهنيه في الدفاع . كما يجب الفصل بين الشرطة القضائية والشرطة الإدارية بحيث تصبح الأولى تابعة فقط للسلطة القضائية ورهن إشارتها كما إن النظرة إلى رجال الضبط القضائي ينبغي ألا يتم فيها التركيز فقط على الجوانب السلبية والانحرافات التي تطبع عمل بعض المعنيين بهذا القطاع بل يجب ايضا الاعتراف بالخدمات الجليلة التي يقدمها الكثيرون منهم في سبيل مكافحة الإجرام والقبض على المجرمين معرضين حياتهم وسلامتهم البدنية للخطر في ظل إمكانيات مادية ولوجستيكية ضعيفة بالمقارنة مع الإمكانيات الضخمة التي تخصص للتحقيق والبحث الجنائي في بلدان أخرى على مستوى التجهيزات وطرق البحث العلمية المتاحة والتعويضات الممنوحة والتأمينات المرصودة في حالة التعرض للوفاة أو الإعاقة البدنية. و في نفس الوقت يجب التشدد على ضرورة تفعيل أجهزة الرقابة والحرص على استمراريتها لتامين أداء ممتاز لمختلف الأجهزة العاملة على تحقيق العدالة الجنائية وحماية حقوق الإنسان لان العلوم القانونية في المجال الجنائي لا يمكن لها أن تتقدم إلى الأمام أو أن تصمد دون الاعتماد على الآلية الفقهية والإفادة من الأفكار والنظريات كما لا يمكن للعدالة الجنائية أن تتطور إن هي أدارت ظهرها للحلول والمعطيات العلمية التي يبدعها رواد الفكر الجنائي على المستوى المحلي والعالمي في علم الإجرام وعلم العقاب وعلم النفس الجنائي وعلم النفس القضائي وعلم الاجتماع الجنائي وعلم الوقاية من الجريمة وعلوم السياسة الجنائية، فما أكثر الندوات والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك وما أكثر الدراسات القانونية التي تنجز على هذا الصعيد أو ذاك في المجال الجنائي وهي كلها مجهودات تطرح حلولا جادة لإبراز المشكلات والتحديات التي تواجهها العدالة الجنائية اليوم وخاصة ان التشريعات ألحديثه لعبة دورا هاما وحاسما في تحقيق العدالة الجنائية، فالنص الجنائي السيئ يكون وبالا على العدالة الجنائية وعليه لابد من مواكبة التشريعات ذات الصياغة النصية التي تركز على الحداثة ألمواكبه للتطورات التي يشهدها المجتمع الدولي بكل الوضوح وبساطة وبأعلى درجات الدقة ألقانونيه المطلوبة بعيدا عن الغموض والتعقيد فهما لذلك فالتعبير التي يستعمل في التشريع الجنائي أحيانا يتميز بالاتساع وعدم المحدودية وعلى سبيل المثال استخدام مصطلح النظام العام وهي تعابير غير مقبولة وان استعملت فيتعين التعريف بها تفاديا للتأويلات المغرضة بعيدا عن روح العدالة الجنائية كما ان وضع النصوص العقابية دون فرض تطبيقاها واحترام مراعاتها تحت طائلة الجزاء يجعلها فارغة من محتواها ويكون وجودها كعدمها. وفي هذه ألحاله إن العدالة الجنائية ستصاب حتما بالخلل على المستوى التطبيق في غياب الإلية القضائية الناجحة لذلك لا بد من الحرص على توفير قضاء جنائي متخصص ومتفرغ لتحقيق العدالة الجنائية على ضوء المعطيات العلمية المرتبطة بالعلوم الجنائية وهذا يتيح للقاضي التعامل الايجابي مع الآليات الفقهية والتشريعية فمن المعروف إن الأحكام القضائية مهما كانت تخضع لطرق الطعن أمام المحاكم المختصة كنتيجة لدراسة واقع الجريمة في ظل فقه العدالة الجنائية الذي كثيرا ما يترك من الصعوبات التي تطرح على مستوى تحديد معدلات الكيفية التي يتم من خلالها تحديد مؤشرات تفعيل السياسة العقابية بفعل تنوع وتداخل الأسباب ألدافعه لارتكاب الجريمة مع الآخذ بنظر الاعتبار اختلاف وتباين الوسائل والآليات المتبعة عند رصد وتحليل المعطيات الإحصائية ذات الصلة بنوع الجر يمه ألمرتكبه بما فيه مركب شخصية وجنسية الجاني والدوافع الكامنة التي تجسد المقاييس ألعمليه ومدى انسجام الممارسة القضائية مع المتطلبات المشروعة في ظل نهج سياسة عقابية إصلاحية تحد من تفاقم الجريمة باعتبار إصلاح الجاني ذي اعتبار مستقبلي ايجابي يمكن ان يحد من عدم العود للجريمة شريطة أن تتم إعداد الإحصائيات والدراسات الجنائية والاجتماعية ألدقيقه ومعالجة البطاله وتفعيل أجهزة الرقابة ودوائر البحث الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني وشكرا .
المستشار القانوني
محافظة ذي قار