بين شبهات الفساد، وغياب الجدية: تعثر مشروع بناء مصفى الناصرية

Sat, 9 Apr 2016 الساعة : 8:55

وكالات:
قال مسؤولون ومختصون عراقيون إن مشروع المصفاة التي يعتزم العراق بناءها في مدينة الناصرية الجنوبية كأحد اكبر المصافي يشوبه فساد مالي وإداري ومشكلات فنية على الرغم من مرور عشر اعوام على الشروع بتصاميمه الفنية.

ويوجد في العراق ثلاث مصاف رئيسية في بيجي) الاحدث بطاقة 300 الف برميل يوميا معطل منذ 18/6/2014نتيجة الاعمال العسكرية ضد داعش ) والبصرة(انشئ 1974وينتج الان 140الف برميل / يوم  )

والدورة( 1953) طاقته (210) الف برميل / يوم)  ويسعى العراق منذ 2010الى بناء أربع مصاف جديدة في كربلاء وكركوك وميسان والناصرية لتضيف الى الانتاج الحالي 750 الف برميل يوميا .

رئيس لجنة النفط والغاز بمجلس ذي قار يحيى المشرفاوي قال "لن يتم تشييد أي مصفى بالعراق  مادامت عقود استيراد المشتقات النفطية التي تشوبها الشبهات مستمرة" مضيفا "هنالك طبقة مستفيدة في وزارة النفط رغم اخلاص وزير النفط عادل عبد المهدي في مسعاه لتشييد المصافي الا ان تلك الطبقة تسندها مراكز قوى بأحزاب متنفذة  ترفض المساس بهم او تغيرهم اداريا "ـ مبينا "سنقاضي وزارة النفط بعد ان خاطبناها عدة مرات بشأنهم لكني اعتقد ان تنحيتهم ليس بيد وزير النفط"،

واقترح مسؤولون محليون عام 2006تصميم المصفاة وبناءها دفعة واحدة إلا أن وزارة النفط اشترطت عرض التصميم  أولا على كبريات شركات النفط العالمية لضمان توفر افضل الشروط الاقتصادية والبيئية.

وفي هذا الصدد قال المشرفاوي: "يتحججون بان الشركات الكورية والهندية والصينية التي تقدمت لأنشاء المصفى  ترفض التصميم الذي اعدته الوزارة بكلفة عالية لدى شركة بريطانية" موضحا "رفضت الوزارة طلبنا بنقل التصميم لمحافظة اخرى  بعد ان رفضت الشركات العالمية التصميم لان كلفته عالية واقترحت ان تصمم هي المصفى على حسابها للتخلص من التكنولوجيا المعقدة بالتصميم الاولي  والتي لا تملكها الا شركة بريطانية وحيدة مما سيضطر أي مستثمر لطلب تلك التقنية منها وبالسعر الذي تفرضه "، مستدركا "لن ينشئ مصفى الناصرية وفي افضل الاحوال سيتم تفتيته الى مصافي  صغيرة بعدة محافظات لن يكون حصة ذي قار منه الا 50الف برميل"،

واشار المشرفاوي إلى ان هنالك جهات داخل وزارة النفط ترفض أي تدخل للحكومات المحلية التي خولها الدستور بفقرته 112 ثانيا والتي تعطي الحق لها بالمتابعة والمراقبة لتستحوذ هي على فوائد العقود والتراخيص وغيرها"

وتقع مدينة الناصرية على نهر الفرات وهي العاصمة المحلية لمحافظة ذي قار المجاورة لمحافظة ميسان في جنوب العراق. وأعلنت وزارة النفط مؤخرا  طرح وضع حجر الاساس لمصفاة ميسان النفطية فيها للاستثمار  بطاقة 150 ألف برميل يوميا.

ويعود تاريخ إنتاج النفط في ذي قار إلى عام 2007 بعد ان طور العراق حقل نفط الناصرية بمعدل إنتاج أولي يقدر بـ 12 ألف برميل ليصل اليوم الى اكثر من 200 الف برميل مع احتياطي مؤكد يفوق 20 مليار برميل.

وقال رئيس اللجنة الفنية بمجلس محافظة ذي قار حسن وريوش إن "عرض تنفيذ المشروع بصيغة المراحل كان يهدف إلى خفض الكلفة الأولية.. لكن الكلفة العالية وعدم قدرة الوزارة على توفير مفاصل معينة تتعلق باستقبال الناتج وسعر البرميل الخام المجهز للمصفى وتفاصيل فنية اخرى  طلبتها الشركات أثناء المفاوضات  حال دون ذلك".

ويخطط العراق لإنتاج سبعة ملايين برميل  يومياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. وبلغ إنتاج النفط مستوى قياسيا مرتفعا عند 4,1304.775 مليون برميل  يوميا "من دون ناتج اقليم كردستان"في كانون الثاني يناير وخصص منها للمصافي 425الف برميل    ويسعى لشراء نحو 4.45 مليون طن من المشتقات النفطية عام 2016 بحسب وزارة النفط العراقية.

ويتوقع أن تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصفاة الناصرية 300 ألف برميل يومياً .

وأضاف وريوش - المفاوض حول المصفاة لثلاث جولات انتخابية مع وزارة النفط "أخبرتنا قبل أشهر وزارة النفط أن هنالك مباحثات مع عدة شركات كبرى أبرزها كورية ووعدونا ان يتم إعلان جولة التراخيص خاصة ولأول مرة بالعراق تجمع بين المصفى وحقل الناصرية"  بداية 2016 ولحد الآن لا جديد".

يذكر أن وريوش كان رئيس اللجنة الفنية بالحكومة المحلية المنتخبة لثلاث دورات انتخابية وكان يفاوض وزارة النفط من جهة وشركات هندية واماراتية ويابانية من جهة اخرى

وقال صلاح الموسوي الخبير بمركز الجنوب للدراسات الاستراتيجية  " هناك جهات مستفيدة من عدم تشييد المصفى لأكثر من 10 اعوام ، وتعطيل انجاز المصفى  يخلق طابورا مستفيد من التجار الثانويين بقطاعات متعددة منها المجهزون للمشتقات من مصادر متعددة وأصحاب شركات النقل إضافة للشركات الأمنية التي تؤمن الطرق لهم"

وقال ملمحا لشبهات فساد  دون ان يخوض في التفاصيل "هذه التشكيلات ترعاها أحزاب وكتل متنفذة بمختلف الحكومات منذ2003 ولحد الآن".

وزير النفط في حقبة الرئيس السابق صدام حسين و خبير النفط الدولي عصام الجلبي قال ان"تطوير قطاع النفط يجب ان بشمل قطاعاته الاساسية الاربع ومنها الغاز بينما الان هنالك جهات تفتخر بزيادة انتاج النفط الخام فقط دون الالتفات الى اننا مازلنا نستورد مشتقات نفطية لاننا فشلنا ولن نبني مصفى واحد الا بعد مرور عدة سنوات، هذا خطأ"، مبينا "صرفنا بعد 2003 قرابة 60 مليار دولار على استيراد المشتقات بينما كان العراق مصدر للمشتقات النفطية في ثمانينات القرن الماضي"

 

وتوجد في الناصرية حقول نفطية غير مستثمرة كحقل الناصرية الكبير الذي يقل انتاجه حاليا عن  70 الف برميل    رغم ان شركة ايني الايطالية اعلنت عن استعدادها في 2009لاستغلاله لإنتاج مليون برميل باليوم الا انها لم تمنح حق العمل به ، وحقل الغراف الذي يقدر إنتاجه حاليا بـ 130 ألف برميل يوميا وحقل الرافدين ويقدر إنتاجه في حال تشغيله او استثماره مستقبلا بـ 110 آلاف برميل يوميا.

ويقول مدير الحقول النفطية في ذي قار كريم ياسر إن "الوزارة جادة بأنشاء المصفى بعد تعطل مصفى بيجي، واستملكنا جزء من الارض الا ان ربحية المصافي قليلة".

وبحسب ياسر فإن  ربحية البرميل ثمانية دولارات. وتقدر كلفة إنشاء المصفى بـ17 مليار دولار ويحتاج على الأقل إلى سبع سنوات لإكمال بنائه وخمس سنوات لبدء الإنتاج. وتابع ياسر "هذه فترة طويلة نسبيا".

رئيس لجنة النزاهة الاسبق في البرلمان العراقي صباح الساعدي اكد "ان جميع الوزارات في البلاد تعاني من الفساد وليست هناك وزارة خالية"، مبينا "النظام الاداري بعد عام 2003 بني على الكثير من المشاكل السياسية والادارية

ومما يصعب من مكافحته ان القضاء يتعرض لضغوط سياسية تعيق مهمته في محاسبة المفسدين".

واستبعد طالب الحسن محافظ ذي قار السابق إن يكون مشروع مصفاة الناصرية يشوبه فساد وقال إن المعرقلات التي تعصف به ترجع إلى القوانين النافذة والبيروقراطية وقلة خبرة وزارة النفط العراقية في التفاوض"، مبينا  "بعد ضغوط مارستها الحكومة المحلية خولتنا الوزارة للتفاوض مع الشركات الاستثمارية ولكنها  رفضت بالبداية ما تقدمه الان للشركات بدمج تنفيذ مشروع المصفى مع حقل الناصرية النفطي"، وكانت  "هنالك شركات اماراتية مستعدة لتنفيذ المصفى فورا لو كان معه حقل الناصرية "

وبين الحسن ان "وزارة النفط كانت تعتقد ان رفضها اعطاء الحقل مع المصفى  يصب في خانة المحافظة على القرار النفطي بيد العراق بعيدا عن الشركات الاجنبية"

وقال حسين سند رئيس لجنة الطاقة السابق في المجلس المحلي لذي قار إن تعطل المشروع "كان لسبب إداري بحت".

مضيفا  " لم تكن الجهود المبذولة جدية لإنشاء المشروع سواء من وزارة النفط او المسؤولين المحليين، ولم يتم رصد اي موازنة للمشروع لأنه اعتمد فقط على احالته  للاستثمار ومشروع  مصفى الناصرية الكبير لن ينفذ وليس هنالك اي خطوات عملية لإنجاحه والكلام عنه مجرد اعلام "، واشار "كان وزير النفط السابق عبد الكريم لعيبي معترضا طرح المصفاة للاستثمار ضمن جولة التراخيص الخامسة التي تتضمن إنشاء مصفى واستثمار حقل الناصرية الكبير"

مبينا "كانت المصفاة قاب قوسين أو أدنى من توقيع ترخيص مع ائتلاف من شركة لوك أويل الروسية وشركة هندية لكن استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من البلاد دفع الى تأجيل حفل التوقيع إلى إشعار آخر".

وكانت  شركة تسويق النفط العراقي سومو SOMO اعلنت مناقصة لتجهيزها بما يقرب من خمسة ملايين طن من المنتجات النفطية خلال عام 2016منها 2.43 مليون طن من مادة البنزين بدرجة نقاوة 95 اوكتين، مع 1.836 مليون طن من مادة الكازأويل و180 ألف طن من مادة الكاز النفطي السائل.

وزير النفط الاسبق وعضو لجنة النفط والطاقة النيابية طالب بتجاوز ما وصفه الاخفاق في جولات التراخيص النفطية

وقال د ابراهيم بحر العلوم ان "تعطل انشاء المصافي ليس له علاقة بالفساد وبعد التغيير كانت هنالك روية لإنشاء مصافي صغيرة، وكان الاهتمام بعد2003 على المجال الاستخراجي وليس التحويلي وبالتالي لم تكن هنالك  محاولات جدية لإنشاء المصافي"، مبينا "علينا تجاوز الاخفاق في جولات التراخيص النفطية السابقة بعدم تعشيقها مع حاجات العراق لاستكمال البنى التحتية والمصافي".

وأكد محافظ ذي قار وجود مساع جدية مع شركات آسيوية عن طريق الاستثمار لإنجاز المصفاة.

وقال يحيى الناصري "ستشهد الاشهر القادمة اعلان اسم الشركات التي ستشكل تحالفا لإنجاز المصفى الذي كانت مساعي انجازه تعطلت عدة مرات لأسباب عدة".

وطرحت وزارة النفط مشروع مصفاة الناصرية للاستثمار عام 2013 و بعد ان تم عقد مؤتمر بالأردن بمشاركة 35 شركة استوفت منها 8 شركات شروط الوزارة على ان تتم جولة التراخيص في منتصف أيلول سبتمبر.

وقال الناصري ان "دخول (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش أوقف المشروع وعطل إعلان جولة التراخيص الخاصة به".

وتعرض القطاع النفطي إلى خسائر كبيرة في 2015 وكانت مصفاة بيجي تنتج نحو 300 ألف برميل يومياً بمفردها ويقول المسؤولون في وزارة النفط إن خسائر المصفاة تعادل نصف المشتقات العراقية إضافة إلى مصافي الشرقاط وحديثة وتلعفر حيث تعرضت إلى تخريب كبير.

وقال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي إن "مصفى ذي قار عملاق وكبير، لكنه  يكلف مبالغ طائلة جدا". وأضاف أن "المفاوضات حول المصفى معقدة لان المصافي لم تعد تُغري كثيرا خصوصا في سوق محدودة كالعراق."

مؤكدا " لابد من دعم لهذا المشروع، ونحن نفاوض كبريات الشركات ونعتقد انه قريبا سنصل إلى رؤية أكثر وضوحا للسير به قدما".

ميينا "الانتاج المحلي من زيت الغاز يقترب من 12000م3 ومعدل الاستهلاك 13000-15000م3 في اليوم والوزارة مازالت تستورد الفارق بين الرقمين"، موضحاً ان "انتاج الوزارة من البنزين يتراوح بين 8000-9000م3/يومياً، بينما الاستهلاك 15000-17000م3 يومياً حسب الحالات ولذلك نضطر للاستيراد بحدود 4000-5000م3 يومياً حسب متطلبات السوق".

وعن احتمالية وجود فساد في القطاع النفطي اضاف "هناك شبكات داخلية يمكن أن نشبهها بشكل تقريبي بالأنظمة المافيوية تتدخل في جميع القطاعات في العراق من بينها قطاع النفط".

وقال إن "هذا النظام يتحرك حتى وأن كانت هناك اجراءات او خطوات لصالح الشعب من أجل الدفاع عن مصالحه الخاصة ويتغطى بشعارات عامة مختلفة، و هي المستفيدة الاساس من عملية تسويق و توزيع النفط الداخلي ".

وما عزز قول وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي ما اعلنه  المتحدث باسم الشركة المستثمرة لمصفى ميسان شربل غنام في كلمة له خلال احتفالية 25/2/2016وضع حجر الاساس لمشروع المصفى( 150 الف برميل باليوم)  إن "المشروع واجه صعوبات عديدة متعمدة قبل أن يصل الى مرحلة التنفيذ ويبصر النور".
المصدر:دنيا الوطن

 

Share |